منذ العصور القديمة، عُرفت الشمس بأنها مانحة للضوء والحرارة ومصدر للحياة، إذ إنها تستحث بأشعتها النباتات من الأرض، جالبة معها الربيع الذي يتبعه حصاد وفير.

وُجِد أن للأرض بحد ذاتها خصائص غامضة، وذلك عندما انتشرت معتقدات صينية بشأن استخدام مغناطيس البوصلة لتحديد جهة الشمال.

عام 1600، وبعد قرون من استخدام البوصلة الغربية، أنتج ويليام جيلبرت، الطبيب الشخصي للملكة إليزابيث الأولى، كتابًا عن المغناطيس يصف فيه الأرض بأكملها بأنها كتلة مغناطيسية واحدة.

اكتسب عالم الفيزياء الفلكية، الأميركي جورج إليري هيل، شهرة واسعة عبر بناء أكبر تلسكوب في العالم في أواسط القرن العشرين.

بدأ هيل مسيرته المهنية بدراسة الشمس، وباستخدام الضوء المستقطب، أظهر وجود مناطق معينة من الشمس تتميز بمغناطيسية عالية، وبحقول مغناطيسية أقوى بآلاف المرات من الأرض.

كانت هذه المغناطيسية أقوى في المناطق المظلمة من الشمس، التي تسمى البقع الشمسية.

في القرن السابع عشر، استخدم جاليليو التلسكوب الذي طُوِّر حديثًا للكشف عن أن الشمس تكسوها البقع، ولاحظ عدة خصائص لها، تتضمن أنها أظهرت دوران الشمس كل شهر، وأن حجمها –أي البقع- قد تغير مع مرور الوقت.

مع أن جاليليو أجرى بعض التجارب على المغناطيسات التي تأخذ أشكال الأحجار المستخدمة بوصفها بوصلات بدائية، فإنه لم يتوصل إلى وجود صلة بينها وبين البقع الشمسية.

التغيرات المرصودة

استحوذت البقع الشمسية على اهتمام علماء الفلك، وبالتزامن مع زيادة وفرة التلسكوبات وجودتها، رُصدَت من كثب حتى عام 1645.

مع الاهتمام الشديد بها، لم يتمكن العلماء من العثور على أي بقع شمسية طوال 70 عامًا، تعرف هذه البقع باسم الدرجة الدنيا لماوندر.

عام 1715، بدأت تظهر مجددًا وفي ظروف غامضة، ومنذ ذلك الحين، ظهرت البقع الشمسية واختفت في دورة بدا أنها تستغرق نحو 11 عامًا، يُشار إليها باسم الدورة الشمسية، مع تفاوت عدد البقع الشمسية بين صفر وصولًا للمئات منها.

حتى عام 1859، ظهرت محاولات لتفسير الدورات الشمسية بربطها بظواهر دورية يمكن تصنيفها بأنها فلكية، إذ تتصور وجود صلة غير حقيقية بين السماء والأرض.

عام 1859، كان ريتشارد كارينغتون، وهو عالم فلك هاوٍ، يرسم بقعًا شمسية، عندما تحولت فجأة من بقع مظلمة إلى بقع مضيئة.

لم يستمر هذا التوهج الشمسي المتفجر سوى بضع دقائق فقط، لكن في غضون يومين تلته عاصفة شفقية قطبية مغناطيسية ضخمة يُشار إليها باسم حدث كارينغتون.

شوهدت الشفوق القطبية، التي تقتصر عادةً على خطوط العرض القريبة من القطب، في جميع أنحاء العالم.

تأثرت التكنولوجيا في تلك الفترة، إذ إن أجهزة التلغراف كانت تعمل دون بطارياتها.

هناك جدل حول التأثيرات التي قد يخلفها حدث مماثل على التكنولوجيا المعاصرة التي تمتلكها البشرية، إذ لم يطرأ أي حدث بهذا الحجم منذ ذلك الحين.

مع ذلك، لم يكن من الواضح عام 1859 أن الشمس والأرض يمكن أن تكونا مرتبطتين حقًا، وظن الكثيرون أن حادثة التوهج الشمسي والعاصفة التي تلته كانتا مرتبطتين بالصدفة فقط.

تأثيرات المغناطيسية الشمسية

اكتشاف هيل للمغناطيسية الشمسية بعد نحو 50 عامًا من حدث كارينغتون، إلى جانب السجلات التي تُظهر أن للشفق القطبي دورة مدتها 11 عامًا مماثلة للدورة الشمسية، شكّلت أساس فهمنا الحديث للعلاقة الشمسية الأرضية، هذه العلاقة مبنية أساسًا على المغناطيسية.

تخزن البقع الشمسية الطاقة المغناطيسية، ويسمح ضغطها للبقع الشمسية بأن تكون أبرد من المناطق المجاورة لسطح الشمس الباعث للضوء، ما يعني أنها أكثر قتامة.

في ظل الظروف المناسبة، يمكن إطلاق الطاقة بأشكال مختلفة.

إن ومضات الضوء الأبيض مثل تلك التي رصدها كارينغتون نادرة جدًا، وفي أغلب الأحيان تُحوَّل الطاقة المغناطيسية إلى أشعة سينية.

تفوق الجاذبية في القرب من سطح الشمس تلك التي على الأرض بنحو 30 مرة، لذلك فإن أي حركة تولدها الومضات نادرًا ما تهرب من هناك.

بدلًا من ذلك، يمكن للمناطق الواقعة فوق البقع الشمسية أن تنجح في إطلاق سحب غازية ضخمة إلى الفضاء تسمى القذف الكتلي الإكليلي، وإذا أُطلقَت إحداها بالصدفة باتجاه كوكب الأرض، فقد يتسبب ذلك بحدوث عواصف شفقية قطبية.

إذا كانت مغناطيسية النطاق النشط حول البقعة الشمسية تخلق سحابة غازية تصل إلى الأرض باتجاه مغناطيسي يعاكس الاتجاه الذي اكتشفه جيلبرت عام 1600، فيمكن للطاقة أن تتدفق نحو المنطقة القريبة من الأرض.

تُخزَّن هذه الطاقة على الجانب الليلي، وليس على الجانب المواجه للشمس الذي أتت منه، ما يتسبب بحدوث الشفق القطبي.

إذا لم يتسق الاتجاه المغناطيسي، فقد يوجد بعض الضغط، وذلك بسبب سحابة الغاز الساخنة والسريعة، ولا شيء آخر يُذكر.

في الوقت الحالي، نحن بالقرب من ذروة كبيرة وغير متوقعة في عدد البقع الشمسية، ومن المحتمل أن نستمر بتلقي عواصف مغناطيسية كبيرة كتلك التي حدثت في مايو 2024، وقد تستمر لبضع سنوات.

يتحد في هذه الأحداث كل من الجمال والخطر، لكن من المؤكد أنها ستبهرنا.

اقرأ أيضًا:

علماء يقولون أن هناك خطبًا ما في صورة الثقب الأسود الشهيرة

اكتشاف أدلة على وجود محيط قديم على المريخ

ترجمة: سليمان عبد المنعم

تدقيق: نور حمود

المصدر