في عام 2023 حُطمت جميع الأرقام القياسية في درجات الحرارة. فقد سُجّلت أعلى درجة حرارة يومية إطلاقًا على مستوى العالم في أوائل شهر يوليو تزامنًا مع أكبر شذوذ (ظاهرة النينو) في درجة حرارة سطح البحر على الإطلاق.
ظهر الاحتباس الحراري في منتصف السبعينيات وحدث ذلك عندما تجاوز ارتفاع متوسط درجة حرارة سطح الأرض المعدل الطبيعي، وأصبح كل عقد بعد الستينيات أكثر دفئًا من العقد الذي يسبقه، حتى وصلنا إلى العقد الأول من القرن الحادي والعشرين الذي كان الأدفأ على الإطلاق ولكن قد يختلف هذا من سنة إلى أخرى.
وفقًا لتحليل أولي خلال شهر يونيو سُجّل أعلى متوسط عالمي لدرجة حرارة سطح الأرض، إذ بلغ حجم الجليد في القارة القطبية الجنوبية أدنى مستوياته. في الوقت ذاته تزداد معدلات وجود ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي ولا تظهر عليه أي علامة لتناقصه.
نتيجةً لذلك ستهطل أمطار غزيرة في بعض أجزاء العالم تتناقض مع الموجات الحارة الشديدة وحرائق الغابات التي تحدث في مناطق أخرى من العالم، ولوحظ ذلك مؤخرًا في كندا.
ولكن متوسط درجة حرارة سطح الأرض لا يرتفع صدفةً، إذ إن هذه الزيادات الكبيرة والأكثر دفئًا تحدث تزامنًا مع المراحل الأخيرة من ظاهرة النينو.
التغير المناخي من صنع الإنسان لا هوادة فيه، ويمكن التنبؤ به إلى حد كبير. ويمكن في أي وقت وخاصةً محليًا أن يختفي تحت غطاء أحداث الطقس والتغيرات الطبيعية بين العقود الزمنية والنطاقات الزمنية في فترة النينو.
يعد الجمع بين التقلبات العقدية واتجاه الاحتباس الحراري الناتج عن زيادة انبعاثات غازات الاحتباس الحراري سببًا في جعل سجل درجات في صعود، ولكن ليس صعودًا ثابتًا.
مصادر التباين:
ترتفع تركيزات ثاني أكسيد الكربون باستمرار رغم اتفاقية باريس والتزام العديد من الدول والمنظمات (المدن والشركات) بخطة خفض الانبعاثات.
ولكن لسوء الحظ بالنسبة لكوكبنا استمرت بعض الدول مثل الصين والهند في استخدام الفحم وحرقه وبناء محطات طاقة تعمل بالفحم ومن ثم تؤدي انبعاثاتها إلى موازنة نسبة الانخفاض في أماكن أخرى.
لكن ارتفاع درجة الحرارة يتقدم خطوة بخطوة، فقد كان عام 1998 هو أكثر الأعوام دفئًا في القرن العشرين، بعد ظاهرة النينو الكبرى عامي 1997-1998. ومن ثم توقف الاحتباس مؤقتًا فيما يعرف بفترة «الثغرة» في الاحتباس الحراري من عام 2001 إلى 2014، ما أدى إلى إدعاء رافضي فكرة تغير المناخ أن الاحتباس الحراري هو خرافة.
غيرت ظاهرة النينو الرئيسية في عام 2015-2016 ذلك، إذ أصبح عام 2015 هو العام الأكثر دفئًا على الإطلاق، وأنهى هذا العام فترة التوقف ولم يتخطى إلا بحلول عام 2016 الذي اعتبر من الأعوام الأكثر دفئًا حتى الآن في العديد من السجلات.
يرتبط التباين والاختلاف من سنة إلى أخرى بأحداث النينو ولكن الأمر لا يتلخص في ذلك فقط. إذ يكشف التحليل الإضافي أن التباين العقدي للمحيط الهادئ الذي يسمي ب «التذبذب العقدي للمحيط الهادئ» أو تذبذب المحيط الهادئ بين العقود، الذي نتج عنه تغيرات في كمية الحرارة الكامنة في أعماق المحيطات المختلفة.
في أثناء التذبذب العقدي للمحيط الهادئ، تحدث تغيرات كبيرة تزامنًا معه مثل التغيرات في الرياح التجارية للمحيط الهادئ والضغط في مستوى سطح البحر وتساقط الأمطار وتغير مواقع العواصف في جميع أنحاء المحيط الهادئ وبلدانه. والأكثر من ذلك أن هذه التغييرات امتدت إلى المحيطات الجنوبية وأيضًا عبر القطب الشمالي إلى المحيط الأطلسي.
تصبح هذه التأثيرات أكبر في فصل الشتاء في كل نصف من الكرة الأرضية. توجد أدلة جيدة، ولكنها غير مكتملة على أن حدوث التغيرات في الرياح يغير تيارات المحيطات والحمل الحراري للمحيطات وانقلاباتها، ما ينتج عنه تغيرات في كمية الحرارة الكامنة في أعماق المحيط في أثناء المرحلة السلبية للتذبذب العقدي في المحيط الهادئ.
وفقًا لذلك، تترسب المزيد من الحرارة في 300 متر في الجزء العلوي من المحيط في أثناء الفترة الإيجابية للتذبذب العقدي للمحيط الهادئ، ومن ثم قد تؤثر على درجات الحرارة العالمية.
وخلال المرحلة السلبية تُرسب المزيد من الحرارة إلى أقل من 300 متر، ما يضاعف من الاحتباس الحراري للمحيطات، ولكنه يُفقد على السطح، وخلال ظاهرة النينو تُحرك الحرارة الكامنة في العمق غرب المحيط الهادئ الاستوائي وتعود إلى الغلاف الجوي مسببة ارتفاع درجة حرارة الأرض
ارتفاع درجات الحرارة:
تبين الأبحاث أن الحمل الحراري للمحيطات يزداد أكثر من ارتفاع درجة حرارة الهواء السطحي، وبذلك يُعد هذا مقياسًا أفضل لإظهار مدى استمرار ظاهرة الاحتباس الحراري.
ينتج ارتفاع مستوى سطح البحر من توسع المحيط تزامنًا مع ارتفاع درجة حرارته وذوبان الجليد، ما يتسبب في زيادة مستوى المياه في المحيطات.
تحدث التقلبات حيث تُقسم هطولات الأمطار بشكل متباين بين الأرض والمحيط وهطول المزيد من الأمطار خلال فترة النينا أو المرحلة الباردة “La Niña”.
وبما أن المحيط يغطي 70% من الأرض لأن معظمه يقع في نصف الكرة الجنوبي الذي يكون فيه فصل الشتاء من يونيو إلى أغسطس، فإن أعلى درجات الحرارة لسطح البحر تحدث في مارس، في نهاية الصيف الجنوبي. لكن التغيرات في درجة حرارة الأرض تكون أكبر من ذلك بكثير لذلك فإن أعلى متوسط عالمي لدرجة حرارة سطح الأرض يحدث في شهر يوليو تقريبًا.
مع ظهور التوقعات بقدوم ظاهرة النينو مرة أخرى، هل نحن على مقربة من الخطوة التالية في صعود درجات الحرارة؟
في عام 2023 وصلت درجات حرارة سطح البحر في أبريل أعلى درجة حرارة مطلقًا وتخطت هذه القيم 0.2 درجة مئوية عن القيم المرتفعة السابقة.
مهّد هذا الطريق لشهر يونيو ليسجل درجات حرارة عالية للهواء السطحي على مستوى العالم. وفي أوائل يوليو حطمت الحرارة الأرقام القياسية.
من المتوقع أن يكون عام 2023 هو العام الأكثر حرارة حتى الآن. ولكن تميل درجات حرارة سطح البحر في أثناء ظاهرة النينو إلى الذروة في شهر ديسمبر تقريبًا ويكون لها تأثيرات أكبر في الشهرين التاليين. وهذا يمهد الطريق لعام 2024 ليقفز للمستوى التالي، وربما يتخطى ارتفاع درجة الحرارة إلى 1.4 درجة مئوية على المدى الطويل وعلى المدى اليومي نحو 1.5 درجة مئوية.
بمجرد أن تأتي ظاهرة النينا مرة أخرى سيتوقف الارتفاع في درجات الحرارة مؤقتًا، ولكنه لن يعود لسابق عهده مرة أخرى.
اقرأ أيضًا:
ظاهرة مناخية عالمية تؤدي بنحو 6 مليون طفل إلى الجوع الشديد
ترجمة: ياسمين سيد نبوي
تدقيق: رغد أبو الراغب