اوجدت دراسة كبيرة أجرتها وزارة شؤون المحاربين القدامى الأمريكية عبر برنامج (مليون محارب قديم) أن طول القامة لدى الفرد قد يؤثر في خطر الإصابة بالكثير من الحالات الصحية الشائعة في مرحلة البلوغ.

ومن النتائج المهمة وجود صلة ما بين الطول وخطورة أقل للداء القلبي الإكليلي، وصلة ما بين الطول وارتفاع خطر اعتلال الأعصاب المحيطي والاضطرابات الدورانية. ظهرت النتائج في الثاني من يونيو 2022 ونُشرت في مجلة PLOS Genetics.

وصف الدكتور سريدهاران راغافان نتائج الدراسة بأنها «مساهمة هامة لفهم الصلة بين الطول والحالات السريرية من وجهة نظر وبائية»، وهو طبيب من النظام الصحي المعني بشؤون المحاربين القدامى في كولورادو الشرقية، ووضح وجود حاجة إلى المزيد من الأبحاث قبل أن تؤدي النتائج لأي تغيرات على صعيد العناية السريرية، وأن النتائج تضيء على الارتباط ما بين الطول والحالات السريرية التي تؤثر في حياة المحاربين القدامى.

«النطاق الواسع لدراستنا قد أثمر قائمة من الحالات السريرية ذات الصلة بالطول المتوقع جينيًا، بمعنى آخر، هذه حالات قد يكون الطول عامل خطر فيها أو عامل وقاية فيها، بصرف النظر عن العوامل البيئية الأخرى التي قد تؤثر في الطول والصحة».

لا يُعد الطول عامل خطر معتاد للأمراض، ولكن أبحاثًا سابقة قد أظهرت ارتباطات بين طول شخص ما واحتمالية أن يعاني عددًا من الحالات الصحية. من غير المفهوم فيما إذا كانت هذه الارتباطات ذات أساس بيولوجي أو نتيجة عوامل أخرى.

مقدار الطول الذي يصل إليه الفرد عندما يصبح راشدًا مرتبط جزئيًا بجينات موروثة من الأهل. ولكن عوامل بيئية مثل التغذية، والوضع الاقتصادي الاجتماعي، والظروف الديموغرافية (كالعمر أو الجنس) تؤدي دورًا أيضًا في تحديد طول القامة النهائي. لهذا السبب يُعد تحديد الصلة بين الطول وخطورة المرض أمرًا صعبًا.

لاستكشاف هذه الصلة، نظر باحثون في شؤون المحاربين القدامى إلى الجينات والبيانات الطبية لأكثر من 280 ألف محارب قديم ممن سجلوا في برنامج (مليون محارب قديم)، وقارنوا هذه البيانات مع قائمة من 3290 تنوعًا جينيًا مرتبطة بالطول من تحليل جينومي حديث.

وجدوا أن مستويات خطر 127 حالة طبية مختلفة قد ترتبط بالطول المتوقع جينيًا في المرضى ذوي البشرة البيضاء. وبما أن المرضى ذوي البشرة السوداء أقل تمثيلًا في الدراسات الجينية، فإن بيانات أقل متوفرة على هذه الفئة، علمًا أن 21% من المحاربين القدامى المشمولين في دراسة برنامج (مليون محارب قديم) كانوا من ذوي البشرة السوداء.

لكن في هذا التحليل، كانت الخصائص الطبية المرتبطة بالطول ثابتة عمومًا لدى كل من المرضى ذوي البشرة البيضاء والسوداء، وكانت 48 على الأقل من الصلات التي وجدت لدى المرضى ذوي البشرة البيضاء تنطبق على المرضى ذوي البشرة السوداء، وفقًا للباحثين، كل النتائج الأكثر أهمية (كارتباط الطول بخطر أقل للداء القلبي الإكليلي وخطر أعلى للرجفان الأذيني واعتلال الأعصاب المحيطية والاضطرابات الدورانية) وجدت لدى كل من المشاركين ذوي البشرة البيضاء والسوداء.

ارتبط طول القامة المتوقع جينيًا عمومًا بخطورة عالية حينًا وخطورة منخفضة حينًا آخر، وذلك حسب الحالة، فيبدو أن لطول القامة تأثير وقائي من المخاطر القلبية الوعائية، إذ ربطت الدراسة طول القامة مع خطر أقل لارتفاع ضغط الدم، وفرط شحوم الدم، والمرض القلبي الوعائي. ولكن خطر تطور الرجفان الأذيني كان أعلى عند المشاركين الأطول قامة. وقد ظهرت هذه الصلات في دراسات سابقة.

وبالعكس، قد يزيد ارتفاع طول القامة من خطر معظم الحالات غير القلبية الوعائية الموجودة في الدراسة، خصوصًا في اعتلال الأعصاب المحيطية والاضطرابات الدورانية التي تؤثر في الأوردة.

اعتلال الأعصاب المحيطي هو تضرر للأعصاب خارج الدماغ والنخاع الشوكي، وفي الأطراف خصوصًا. لقد وجدت دراسات سابقة صلة بين طول القامة وتباطؤ النقل العصبي ومشكلات الأعصاب. تؤكد دراسة برنامج (مليون محارب قديم) هذه الصلة باستخدام وسائل جينية، لتقترح وجود خطر أعلى للمشكلات العصبية لدى طوال القامة.

ربط الباحثون طول القامة المتوقع جينيًا بحالات مثل ضعف الانتصاب والأسر البولي، وهما حالتان مرتبطتان باعتلال الأعصاب.

قال راغافان إن النتائج المتعلقة باعتلال الأعصاب المحيطية خصوصًا مثيرة للاهتمام، وناقشها مع زملاء في العيادات عادةً ما يشاهدون مرضى لديهم اعتلال أعصاب محيطية، فأكد زملاء راغافان أن طوال القامة يظهرون أسوأ أشكال اعتلال الأعصاب المحيطية، لكنهم لم يكونوا على دراية بوجود دراسات أخرى تصف هذا الارتباط.

تم ربط حالات مثل التهاب النسيج الخلوي، وخراجات الجلد، وقرحات الساق المزمنة، وذات العظم والنقي بطول القامة أيضًا. ويبدو أن طول القامة يزيد أيضًا من خطر إصابات دورانية مثل الدوالي الوريدية والخثار (خثرات ضمن الأوردة). وقد يزيد أيضًا من خطر بعض الحالات الأخرى غير المرتبطة باعتلال الأعصاب والدوران.

تشوهات أصابع القدم والقدمين حالات قد تكون نتيجة للوزن الزائد لطوال القامة، وهذه الحالات كانت أكثر شيوعًا لدى الأشخاص الذين لديهم توقعًا جينيًا بأن يكونوا طوال القامة.

وأظهرت الدراسة أيضًا أن طول القامة يزيد من خطر الربو والأمراض العصبية غير النوعية عند النساء وليس الرجال.

تقترح النتائج مجتمعة أن الطول قد يكون عامل خطر غير مدرك لكثير من الحالات، ولكنه عامل مهم بيولوجيًا وغير قابل للتغيير، خصوصًا للحالات التي تصيب الأطراف، يقول الباحثون إنه قد يكون من المفيد أخذ طول الفرد بالحسبان عند تقييم الخطر ومراقبة الأمراض.

يشير راغافان إلى الحاجة إلى المزيد من الدراسات قبل أن تطبق هذه الدراسة في الممارسة السريرية. ويوضح قائلًا: «أعتقد أن النتائج هي خطوة أولى نحو تقييم خطر الأمراض، لنتمكن من خلالها من التعرف على حالات قد يكون الطول عامل خطر حقيقي فيها». والأعمال المستقبلية يجب أن تقيّم فكرة إدخال الطول في تقييم خطورة الأمراض، وهل يسمح هذا ببناء إستراتيجيات لتعديل عوامل خطر أخرى لحالات معينة. وستركز الأعمال المستقبلية أيضًا على الآليات المحتملة التي تربط الطول بهذه الحالات الصحية.

برنامج مليون محارب قديم هو برنامج بحثي وطني لمعرفة كيف تستطيع الجينات ونمط الحياة والتعرض للعوامل العسكرية أن تؤثر جميعًا في الصحة والمرض. منذ الانطلاق عام 2011، انضم أكثر من 885 ألف محارب قديم للبرنامج، ما جعله واحدًا من أكبر البرامج في العالم حول الجينات والصحة.

يقول راغافان إن دراسات مثل هذه غير ممكنة دون برنامج (مليون محارب قديم): «برنامج مليون محارب قديم شديد الأهمية لهذا النوع من الدراسات … فعبر ربط البيانات السريرية مع تلك الجينية، نستطيع دراسة النتائج السريرية التي لا تجمع عادةً في أنواع أخرى من البيانات التي نرصدها من الأفواج. فمثلًا، بعض الارتباطات الأكثر قوة في دراستنا (مع اعتلال الأعصاب المحيطية، والقصور الوريدي، وذات العظم والنقي، وقرحات القدم) لم تكن لتجمع عادةً في الكثير من البيانات التي تشمل الجينات. هذا الارتباط مفيد للبحث ولترجمة نتائج البحث في الممارسة السريرية».

وإلى جانب عدد المشاركين الهائل، يسمح برنامج (مليون محارب قديم) أيضًا بإجراء دراسات كانت مستحيلة سابقًا، وذلك بسبب مشاركة محاربين قدامى من مجموعات عرقية مختلفة، يقول راغافان: «المساهمة الهامة الأخرى لبرنامج (مليون محارب قديم) هو تنوعه … ومع أن معظم المشاركين من ذوي البشرة البيضاء، فإن عددًا كبيرًا من المشاركين من ذوي البشرة السوداء ومن العرق اللاتيني اللذين لم يظهروا بتمثيل مناسب في دراسات جينية سابقة».

اقرأ أيضًا:

كم يحرق المشي من السعرات الحرارية وما تأثير الوزن والطول؟

لماذا يزداد البشر طولًا؟ قد يساعد ذلك على علاج الأمراض المزمنة!

ترجمة: مضر اليوسف

تدقيق: محمد حسان عجك

مراجعة: لبنى حمزة

المصدر