أعانيت من غضب بغير وعي؟ غضب بطريقة عنيفة لا يمكن السيطرة عليها؟ هذه الأعراض قد تكون علامة على وجود حالة تدعى الخلل الانفعالي المتقطع (intermittent explosive disorder)، وأظهر العلماء أن البالغين الذين يعانون منه هم أكثر احتمالًا بمرتين لأن يكونوا قد تعرضوا لطفيلي القط المعروف جيدًا: المقوسة الغوندية (toxoplasma gondii) وذلك بالمقارنة مع أولئك الذين لا يعانون من هذا الاضطراب.
قبل أن توجه فورة غضبك على قطك، عليك أن تضع في اعتبارك أن هذه الدراسة قد وجدت فقط علاقة بين الاثنين، وهذا الأمر الذي نعرف جميعًا أنه لا يعني السببية. وفي الشهر الماضي فقط بيّن العلماء أن داء المقوسات لديه تأثير على صحتنا العقلية أقل بكثير مما كنا نعتقد، لذلك فمن المرجح أن أشياء أخرى تحدث هنا، لكن البحث الجديد مهم لأنه من الممكن أن يقدم أدلة حول كيفية مساعدة أولئك الناس الذين لديهم الاضطراب للحفاظ على الهدوء والحد من العدوانية.
ويقول رئيس الباحثين إميل كوكارو (Emil Coccaro) من جامعة شيكاغو: «عملنا يقترح أن العدوى الكامنة بالمقوسة العنقودية قد تغير كيمياء المخ بطريقة تزيد من خطر السلوك العدواني، ومع ذلك فنحن لا نعرف إذا ما كانت هذه العلاقة سببية، وليس كل شخص إيجابي الفحص للمقوسات يكون لديه مشاكل عدوانية».
الخلل الانفعالي المتقطع هو حالة شائعة بشكل مدهش، ويتميز بنوبات عدوانية متسرعة ومتكررة والتي يمكن القول أنها متطرفة أكثر من الحالات التي أدت إلى حدوثها، على سبيل المثال: الرغبة في سحق الزجاج الأمامي لسيارة الرجل الذي أمامك لأنه أعطى الإشارة في وقت متأخر جدًا، أو إشعال النار في الساحة الأمامية الخاصة بشريكك لأنه ألغى الموعد في اللحظة الأخيرة.
يتأثر ما يقارب 16 مليون شخص أمريكي بالخلل الانفعالي المتقطع، لكن الباحثين ما زالوا لا يعرفون الكثير عنه، بما في ذلك كيف يُتسبب به أو كيف يتم تشخيصه بشكل صحيح أو إذا ما كان علاجه ممكنًا، وهذا هو السبب في أن البحث الجديد مثير للاهتمام.
ولمعرفة المزيد ، قام كوكارو بالتحليل النفسي الواسع النطاق على 358 شخصًا بالغًا وفرزهم إلى ثلاث مجموعات: المجموعة الأولى كانوا يعانون من هذا الاضطراب، والمجموعة الثانية لم يكن لديهم أي تاريخ مع أي مرض نفسي، والمجموعة الثالثة كان لديهم نوع من اضطرابات الصحة العقلية غير الخلل الانفعالي المتقطع.
استخدم الفريق بعدها فحوصات الدم لقياس أي منهم قد تعرض للمقوسات الغوندية، والذي هو طفيلي غير مؤذٍ غالبًا يمكن أن ينتقل عبر اللحوم غير المطبوخة جيدًا، أو المياه الملوثة أو براز القطط المصابة، وتشير التقديرات إلى أن نحو 30% من جميع البشر قد أصيبوا بالعدوى، وعادة من دون أي أعراض.
غير أن بعض الدراسات -الضعيفة إلى حد ما- ربطت وجود الطفيلي مع السلوك المتهور والاكتئاب والفصام، لذلك فالباحثون يفكرون في أنهم يريدون معرفة ما إذا كانت مرتبطة مع الغضب المتفجر أيضًا.
وجد الباحثون أن حوالي 22% في المئة من الأشخاص المصابين بالخلل كانت فحوصاتهم إيجابية للتعرض للمقوسات، مقابل 9% من الأشخاص في المجموعة السليمة، والذي يعني أن هؤلاء الذين عانوا من نوبات غضب لا يمكن السيطرة عليها كانوا أكثر احتمالًا بمرتين لأن يكونوا قد تعرضوا للمقوسات.
وفي الوقت نفسه، 16% من الأشخاص في المجموعة الثالثة (الذين لديهم ظروف صحة عقلية أخرى غير الخلل الانفعالي المتقطع) كانت فحوصاتهم إيجابية للمقوسات. وعمومًا وجد الفريق أن الأشخاص الذين كانوا قد تعرضوا لداء المقوسات كان لديهم درجات أعلى من الغضب والعدوان.
لكن من المهم أن نذكر أن البحث لم يقدم أي فكرة عن ما قد يكون سبب هذه العلاقة، لذلك فما زال الوقت مبكرًا جدًا، ويقول رويس لي (Royce Lee) وهو أحد الباحثين: «لم نفهم بعد الآليات المشاركة، من الممكن أن تكون زيادة الاستجابة الالتهابية، أو تعديل الدماغ المباشر من قبل الطفيلي، أو حتى عكس السببية، حيث يميل الأفراد العدوانيين للحصول على المزيد من القطط أو أكل اللحوم غير المطبوخة جيدًا أكثر».
وقال أنها علاقة تستحق المراقبة إذا ما كنا نريد أن نجد طرقًا أفضل للتعامل مع الخلل الانفعالي المتقطع، ويخطط الباحثون الآن لدراسات مستقبلية على البشر المصابين بهذه الحالة.
ويقول كوكارو: «سوف يتطلب الأمر دراسات تجريبية لمعرفة ما إذا كان علاج داء المقوسات الكامن بالدواء يقلل العدوانية، إذا كنا قادرين على أن نتعلم أكثر؛ فذلك من الممكن أن يوفر منطقية لعلاج الخلل لدى المرضى إيجابيي المقوسات عن طريق علاج العدوى الكامنة أولًا».
تم نشر البحث في مجلة الطب النفسي السريري (The Journal of Clinical Psychiatry).