إنه لأمر مثير للريبة، أن يستمر بعض ضحايا الاغتصاب في مواعدة مغتصبيهم، لكن ربما تفسر عدة عوامل هذا السلوك الغريب.
قد يكون الدافع وراء عدم الاعتراف بالاغتصاب الرغبة في إنكار الاعتداء، أو إعادة صياغته بما يرضي الضحية. تشير البحوث إلى أن الناجيات اللائي يبلغن عن الاغتصاب خضن اعتداءات أقسى ودرجة أكبر من المقاومة، ولا يمكن الكشف عن ادعاءات الاعتداء الجنسي بدقة أو إغفالها إلا بتقييم السلوكيات اللاحقة للاعتداء.
في أوج حركة (MeToo)، ظهرت الادعاءات ضد هارفي وينستين، وهو منتج ومخرج أفلام أمريكي أُدين بالعديد من القضايا والجرائم الجنسية حتى أصبح يُلقب بـ «متحرش هوليوود»، وعُدت قضيته قضية رأي عام، إذ أُغرق الجمهور بالعناوين التي تزعم تورطه في حالات الاغتصاب والتحرش الجنسي، لكن العديد منها قُوبل بادعاءات مخالفة مفادها أن الضحايا استمروا في إقامة علاقات معه حتى بعد الاغتصاب.
هل من الصعب تصديق أمر كهذا؟
فور فهم ديناميكية العلاقات المعقدة التي غالبًا ما تنطوي عليها قضايا الاغتصاب الجنسي، يصبح من السهل علينا الإجابة: لا.
إن الاستمرار في العلاقة مع المُغتصب أمر شائع، وتوجد تفسيرات تشرح لماذا يتعامل بعض ضحايا الاغتصاب بلطف مع مغتصبيهم، إضافةً إلى مناقشة بعض الأسباب التي تجعل النساء لا يبلغن عن الاغتصاب الزوجي، لكن توجد تجربة واحدة مشتركة بين العديد من ضحايا الاغتصاب وهي الطريق إلى النجاة، التي تتضمن عملية الكشف عن الصدمة ومناقشتها.
لكن تختلف الطريقة التي ينجو بها بعض ضحايا الاغتصاب في أعقاب الكارثة، وقد لا يُكشف عنها، بل قد تُنكر.
شاركت آسبن ماتيس بشجاعة في مقال كتبته لصحيفة نيويورك ديلي نيوز، كيف أنها بعد تعرضها للاغتصاب من قبل طالب في غرفتها في ليلتها الثانية في الكلية، طلبت منه البقاء معها طوال الليل، ربما لتتظاهر أو تنكر أمر الاغتصاب.
بعد عدة أشهر، تواصلت ماتيس مع الخط الساخن المخصص لضحايا الاغتصاب (RAINN)، وقيل لها إن سلوكها تجاه مغتصبها كان رد فعل مألوفًا، وبعد أن أصبحت ماتيس متحدثة باسم RAINN، شاركت نساء أخريات تجارب مماثلة معها.
إذ ساعدت امرأة مغتصبها ودرست له مادة الكيمياء، وكتبت أخرى أنها ألفت أغاني حب لمغتصبها، وثالثة واعدت مغتصبها سبعة أشهر بعد الاغتصاب. تفسر ماتيس هذه السلوكيات بأنها العيش في حالة الإنكار، وهي ليست دليلًا يدحض الاغتصاب.
تشير الأبحاث إلى أن عدم الاعتراف بالاغتصاب قد يكون له تأثير سلبي كبير في الناحية الاجتماعية والعاطفية للضحية.
ما الفرق بين ضحايا الاغتصاب الذين يعترفون بالاعتداء والذين لا يعترفون؟
درست ميليسا جي وفريق من الباحثين الاختلافات بين ضحايا الاغتصاب المنكرين للاعتداء والمعترفين به، ولأن كثير من النساء لا يعتبرن تعرضهن للاغتصاب جريمة، فإن رفض اعتبار أنفسهن ضحايا يؤثر في أعراض الإصابة باضطراب ما بعد الصدمة.
درس الباحثون أيضًا ظروف الاغتصاب، وآليات الدفاع، وتكرار الإيذاء الجنسي. وجدوا أن الضحايا المعترفين بالاغتصاب أبلغوا عن اعتداءات أشد، ودرجة أكبر من المقاومة والرفض الواضحين، ووجدوا أيضًا أن معاناتهم لأعراض اضطراب ما بعد الصدمة أشد من رافضي الاعتراف بالاغتصاب.
أشار الباحثون إلى أن التعرض للاغتصاب لا يمنع المرأة من إقامة علاقة مع المغتصب، وأن نحو ثلث الضحايا الذين درسوا حالاتهم واصلوا العلاقة مع مغتصبيهم، وواصل الربع تقريبًا ممارسة الجنس مع المعتدي، لكن لم يتيقن الباحثون من كون ممارسة الجنس طوعية أو قسرية.
تشير النتائج إلى وجود مثبطات قوية للإبلاغ عن التعرض للاغتصاب، إذ قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية، تتضمن لوم الذات، وعدم التصديق، ونقص الدعم، والدعاية السلبية، أي الترويج السلبي للإبلاغ عن الاغتصاب.
نظرًا إلى أن نسبة مرتفعة من الضحايا الذين واصلوا العلاقة مع مغتصبيهم كانوا ضحايا غير معترف بهم، فإن أهمية اعتراف الضحايا بتجربتهم بوصفها اغتصابًا قد تمنع تكرار التعرض للاعتداء.
لا يمكننا حقًا الكشف بدقة عن مزاعم الاغتصاب الجنسي ببساطة بفحص سلوك الضحية بعد الاعتداء. لكن فهم الطرق المختلفة لسلوك الضحية قد يسهل الاكتشاف. لا بد من التشجيع على المناقشة غير القضائية جزءًا من مساعدة ضحايا الاغتصاب على التعافي.
اقرأ أيضًا:
المساعدة بعد الاغتصاب و الاعتداء الجنسي
كيف تتعامل مع الأحداث المأساوية؟
ترجمة: تيماء القلعاني
تدقيق: غفران التميمي