يصل البشر إلى أماكن جديدة؛ إذ إن أحدث خطط ناسا هي إطلاق بعثات مأهولة إلى المريخ في ثلاثينيات القرن الحالي، وسنحتاج إلى أكثر تقنيّات الفضاء حداثة وموثوقيّة لمساعدتنا في الوصول إلى هناك بسلامة وعافية.
يأتي HAL 9000 – الروبوت القاتل، المجنون والبغيض من فيلم (2001: ملحمة فضائية).
صدّق أو لا، أكثر آلات القتل شهرة في قصص الخيال العلمي كانت الأساس الملهِم لبناء نظام حاسب معرفي جديد شبيه بـ HAL ومصمَّم ليشغّل وبشكل مستقل محطات الفضاء كوكبية الحركة يومًا ما على أرض الواقع.
إذا أصِبت بالذعر وبدأت بالنواح خوفًا على حياتِك، فلا تفعل.
قال مطوِّر الذكاء الصنعي والروبوتات بيت بوناسو (Pet Bonasso)، من مختبرات TRAClabs التي مقرها هيوستن الأمريكيّة، أن نموذج الCASE (العمارة الإدراكية لعملاء الفضاء (cognitive architecture for space agents)) الجديد يُقلّد HAL بشكل كبير من الناحية التقنية – لكن دون وجود جنون الشك والخيانة.
بوضع تلك العيوب النفسية جانبًا، تركت الطاقات الحسابية المتقدمة والإمكانيات الهائلة لهذه الشخصية الأيقونية أثرًا قويًا على بوناسو منذ نحو نصف قرن.
«شاهدت فلم ستانلي كوبريك 2001: ملحمة فضئية (A Space Odyssey) وأنا في سنتي الأخيرة في جامعة ويست بوينت (West Point) عام 1968» يستذكر ذلك بوناسو في ورقة بحثية جديدة واصفًا البحث.
في ذلك الوقت، طالب الهندسة هذا لم تكن لديه القدرة سوى للوصول إلى حاسب واحد (الجامعة بأكملها كانت تمتلك واحدًا فقط): حاسوب جينيرال إلكتريك 225 (General Electric 225) مع ذاكرة 125 كيلوبايت فقط لا غير.
على الرغم من محدودية قدرات هذا الحاسوب، أوجد بوناسو طريقة ليبرمجها من أجل أن تقوم بلعب ألعاب التجمّع الافتراضي.
لكن مشاهدة HAL كانت وحيًا على مستوى جديد كليًا.
يشرح بوناسو: «عندما شاهدت فيلم 2001، علمت أنه علي أن أصنع هذا الحاسوب على هيئة أخرى، هيئة مشابهة لتلك في HAL 9000».
وبعد عقود، نجح المبرمج في ذلك وبشكل فعال.
نموذج الذكاء الاصطناعي الذي طوّره بوناسو تمكّن حتى الآن فقط من أن يدير محطة فضاء كوكبية الحركة في محاكاة لمدة أربع ساعات، لكن النتائج الأولية واعدة: في التجربة، لا أحد من رواد الفضاء الافتراضيين تعرّض للخيانة أو القتل بلا رحمة.
يشرح بوناسو لـ (Space.com): «زملاؤنا ونظراؤنا في ناسا ليسوا قلقين من أن يخرج HAL عن السيطرة، لأنه يعجز عن فعل أي شيء ليس مبرمجًا على فعله».
ما يستطيع CASE فعله هو التنظيم والتحكم بالأنشطة والعمليات التقنية للإبقاء على المستعمرة نشطة على مدار الساعة.
النظام مكون من ثلاث طبقات: الأولى تتحكّم بالعتاد الصلب، مثل الأنظمة الداعمة للحياة، أنظمة الطاقة، ومحركات الطوف – ونظريًا – أبواب العبور بين المركبة الفضائية الأم والمركبات التي تخرج منها.
الطبقة الثانية توظّف البرمجيات لتشغيل بنية العتاد الصلب (Hardware)، بينما الطبقة الثالثة تعالج الحلول المتعلقة بالأهداف اليومية، متضمنة الحفاظ على الروتين ومهام المحطة، وأيضًا الاستجابة لأي حالة طوارئ في حال ظهورها، مثل تسرّب الغاز،
تعطّل المحركات، أو غبار العواصف الكوكبية.
على نحو محتمل، الطبقة الثالثة من (العمارة الإدراكية لعملاء الفضاء) CASE تبدأ أيضًا بالعمل في حال ظهور آلة مونوليث (monolith) فضائية تتردّد بشكل غير متوقع بالقرب من ساكني المستعمرة، رغم أن الورقة البحثية لم تذكر احتمالية حدوث شيء كهذا.
بالإضافة لنظام الطبقات، يتمتع CASE أيضًا بنظام قادر على أخذ الأشياء من ناحية منطقيّة واتخاذ القرارات حول البيانات (المعرفة) التي يخزّنها ويربطها، الأمر الذي يمكن البشر من التفاعل مع الذكاء الصنعي، بما في ذلك الواجهات المرئية ومدير المحادثة الذي يجيب على الكلام.
بالطبع، أغلب آلية العمل هذه ما زالت موجودة في نموذج أولي موجود بشكل افتراضي في الوقت الحاضر، لكن بوناسو وزملاءه الباحثين في TRAClabs – الذين يجرون الأبحاث على الأنظمة لزبائن مثل ناسا ووكالات حكومية أخرى – يأملون بأن يجروا اختباراتهم على أرض الواقع قريبًا.
تشرح ورقة البحث: «إننا الآن نعمل باستخدام ما تسميه ناسا المحاكيات، وهي أماكن يتجمّع الناس فيها مع بعضهم ويتظاهرون بأنهم على كوكب بعيد أو على سطح القمر.
إننا نأمل و بشكل تدريجي، خطوة بخطوة، أن نجعل CASE يعمل في واحد ،أو أكثر، من محاكيات ناسا لتحديد قيمته من أجل حملات الاستكشاف المستقبلية».
وتتتابع الأفكار، إذا تمكن اختبار CASE من إثبات نجاحه على أرض الواقع – وإذا انتشر نسل هال (HAL-spawn) على سطح المريخ أو القمر – سيكون “قد أحرز نقطة بداية جيدة لدعم الطواقم البشرية”، يكتب بوناسو.
مرة أخرى، بشكل جدي لا حاجة للقلق حيال أي من هذا. صدقًا.
هنالك حدود دقيقة للنظام، وما يمكنه فعله، وما يعرفه.
أخبر بوناسو (Space.com): «إن قدراته محدودة جدًا، وتتركّز على الأحداث التي تحدث على صعيد كوكبي.
وفيما لديه القدرة على إبقاء الأنظمة الداعمة للحياة تعمل، لا يملك أدنى فكرة عمّن ربح آخر انتخابات رئاسية».
هل أصبحتَ حسودًا؟
- ترجمة: مصطفى عيد
- تدقيق: رزان حميدة
- تحرير: تسنيم المنجّد
- المصدر