صمغ يعمل تحت الماء!
كيف اخترعوه؟
لا تصمد حتى أقوى أنواع الصمغ عند تعرضها للبلل.
تأمل مثلًا لاصقة طبية تذوي وتنزلق ببطء عن اصبعك أثناء الاستحمام.
برغم ذلك، وبمساعدة مكتب الأبحاث البحرية (Office of Naval Research-(ONR، توصل أحد الباحثين إلى صمغ مستوحى من الطبيعة، يظل محتفظًا بقوته عند البلل.
يستخدم دكتور بروس لي (Bruce Lee)، أستاذ الهندسة الطبية الحيوية المساعد بجامعة ميتشجان للتكنولوجيا (Michigan TechnologicalUniversity) بروتين ينتجه المحار (بلح البحر) لتخليق صمغ صناعي انعكاسي، والذي لا يقوم فقط باللصق تحت الماء، لكن يمكن أيضًا تفعيله أو إبطاله بواسطة الكهرباء.
في حديث د. لورا كينكر (Dr. Laura Kienker)، مديرة برنامج الخامات الحيوية والخامات الحيوية النانوية بمكتب الأبحاث البحرية، تقول: «طرق المحاكاة البيولوجية -طرق صناعية لمحاكاة العمليات الطبيعية- استخدمت في الماضي لتخليق خامات للصق المبتل».
وتضيف: «الجانب المختلف لبحث الدكتور لي، هو أنه يستهدف تخليق صمغ بيوميميتيك
(biomimetic) -محاك للطبيعة- بإمكانه الالتصاق والانفصال بسرعة وبشكل متكرر بأنواع متعددة من الأسطح، اعتمادًا على سريان التيارالكهربائي وللأمر تطبيقات طبية وغير طبية متعددة تفيد الملاحة والقوات البحرية».
يلتصق المحار بالصخور، والأرصفة البحرية وهياكل السفن في ظاهرة طبيعية تدعى «العلق الحيوي».
يفرز المحار مزيجًا من صمغ سائل طبيعي وألياف تتحمل الشد، تسمى بخيوط بيسال (byssal)، والتي تعمل بكفاءة متساوية في الماء المالح أو العذب، وبإمكانها الالتصاق بالأسطح الصلدة والرخوة على حد سواء، وقوية بما يكفي لاحتمال أسوأ الظروف البحرية.
السر وراء نجاح الالتصاق في المحار، هو حمض اميني يدعى (dihydroxy phenylalanine) و يدعى اختصارًا دوبا (DOPA) وهو مركب كيميائي من عائلة الدوبامين -الناقل العصبي الذي يساعد في التحكم في مراكز المتعة والمكافأة في مخ الإنسان- ومكون هام في تثبيت الصمغ الخارق وخيوط بيسال في مكانهم. ويجعل دوبا إفرازات المحار متماسكة ولاصقة في الوقت ذاته، أي أن هذه الافرازات تلتصق ببعضها البعض مثلما تلتصق بالأسطح الأخرى.
قام لي وفريقه من الباحثين بخلط دوبا ببعض البوليمرات مثل البوليستر والمطاط لخلق صمغ صناعي يظل متماسكًا عند البلل.
أظهرت الاختبارات المعملية أن هذه الخامة قادرة على الالتصاق بالعديد من الأسطح، بما فيها المعدنية، البلاستيكية، وحتى اللحم البشري والعظام.
يقول لي: «من أحد أهم مميزات هذا الصمغ الصناعي هو تنوع استخداماته»، ويضيف: «ويمكن تغيير كيميائيته لجعله قاسيًا أو مرنًا كما نحتاج، مع احتفاظه بقوته الكلية ومدة تحمله».
يقوم لي وفريقه الآن بمحاولة فهم كيفية استخدام التيار الكهربائي لصنع مفتاح كيميائي شبيه بالمفتاح الكهربائي «ايقاف-تشغيل»، قادر على تشغيلأ و إبط الجزيئات دوبا لجعل الصمغ لاصقًا أو حرًا حسب الحاجة.
وقد أمكن للفريق تحقيق ذلك عن طريق التلاعب بدرجة الحموضة (power of Hydrogen-pH) الخاص بالصمغ، لكنهم لازالوا يعملون على تحقيقه بواسطة المحاكاة الكهربائية.
يقول لي: «يعد هذا العمل جديدًا من ناحية أنه لا يوجد حتى الآن صمغًا ذكيًا بإمكانه العمل تحت الماء»، ويضيف: «الكيمياء التي يمكن أن نستخدمها في الصمغ، والتي تجعله انعكاسيًا (يلتصق ويتحرر) هي كيمياء جديدة تمامًا».
يتنبأ لي باستخدامات متعددة لمثل هذا «الصمغ الذكي». إذْ سيكون قادرًا على لصق الحساسات والأجهزة التي تعمل تحت الماء بأجسام السفن والغواصات، أو مساعدة المراكب ذاتية القيادة في الرسو على الشواطئ الصخرية أو في المناطق النائية.
وإنَّ صمغًا قادرًا على الالتصاق والتحرر حسب الرغبة قد تكون له استخدامات طبية أخرى، ويمكن أن يقود إلى نوع جديد من الضمادات الطبية التي ستظل ملتصقة حين تعرض الشخص للبلل أو العرق، مثلما تسهل نزعها أيضًا.
ومن الممكن أيضًا أن يستخدم الصمغ الذكي لتركيب الأطراف الصناعية والحساسات البيومترية، أو التئام الفتحات الجراحية.
وتقديرًا لجهوده في اللواصق، فاز لي بمسابقة برنامج المحقق الصغير الذي عقده مكتب الأبحاث البحرية في 2016، وهي منحة رفيعة المستوى تمنح للعلماء والمهندسين المميزين الواعدين بعمل أبحاث مبتكرة وعالية المستوى قادرة على دفع القدرات الملاحية للأمام.
ترجمة: إبراهيم صيام
تدقيق: غنوة عجرم