كان المريخ، المغبر والجاف والمكسو بالصحراء، في يوم ما غنيًا بالمياه، ليس فقط بحيرات، بل كانت فيه محيطات أيضًا، وفقًا لدراسة جديدة.
كشفت الملاحظات باستخدام رادار خارق للأرض عن تقاسيم تحت أرضية متناسقة مع شواطئ على الكوكب الأحمر منذ أربعة مليارات سنة، هذه بعض أفضل الأدلة حتى اليوم على أن المريخ كان قديمًا رطبًا جدًا لدرجة احتوائه على بحر شمالي، سماه الفريق البحثي بحر ديترونيليوس.
قال الجيولوجي بجامعة بينسلفانيا بينجامين كارديناس: «اكتشفنا أماكن بالمريخ تشبه تفاصيل شواطئ وأنهار قديمة، لقد وجدنا دليلًا على وجود رياح وأمواج ووفرة في الرمال، ما يمثل شاطئًا مناسبًا للإجازات».
تاريخ مياه المريخ لغز كبير، للوهلة الأولى يبدو الكوكب كأنه لم يشهد من قبل قطرة سائل، نظرًا إلى عواصف غباره الأسطورية.
قد يكون من السهل الاعتقاد أن المريخ كان دائمًا صخرة جافة، بيد أن مجموعة من الأدلة المتنامية والقوية تُظهر أن المريخ امتلك ليس فقط ماءً سائلًا على سطحه في وقت ما، بل كان السائل يجري بغزارة.
لا يوجد في الوقت الحاضر أي شك بشأن وجود المياه على المريخ، لكن تتمثل التساؤلات في: كم كانت كمية المياه هناك؟ وكم من الوقت مر على اختفائها؟ وكيف اختفت؟
«المحيطات مهمة على الكواكب، ولها أثر كبير في المناخ، فهي تشكل سطح الكواكب وتمثل بيئات محتملة للحياة، ومن هنا جاءت فكرة اتباع مسار الماء لاستكشاف المريخ، أكثر ما يحمسنا هو فرصة النظر تحت السطح في مكان نعتقد أنه قد كان محيطًا، لنرى ما يحتمل أن يكون رواسب شاطئية».
باستخدام بيانات مجمعة بواسطة جوالة المريخ زورونج التابعة لإدارة الفضاء القومية الصينية، توصل فريق صيني أمريكي مشترك إلى إجابة للسؤال الأول: على الأقل ما يكفي لملء محيط!
في أثناء تجوالها على سهل يوتوبيا بلانيتيا، استخدمت زورونج رادارًا خارقًا للأرض، لتأخذ قياسات للصخور بعمق يصل إلى 80 مترًا تحت سطح المريخ.
ترسل هذه التقنية موجات راديو داخل الأرض، عندما تصطدم الموجات بالمواد بمسافات متفاوتة، ترتد بأشكال مختلفة، ما يسمح بتشكيل خريطة ثلاثية الأبعاد لهياكل عميقة تحت الأرض.
وجدت دراسة سابقة مبنية على بيانات زورونج علامات تشير إلى وجود خط ساحلي، لكن هذا التفسير لم يؤكد، كشفت البيانات طبقات سميكة من المواد بطول مسار زورونج، تميل للأعلى باتجاه الساحل المفترض بزاوية مقدارها 15 درجة، مماثلة للسواحل القديمة المطمورة.
«لا تبدوا الهياكل كثبانًا رملية، بل فوهة اصطدامية، ولا تبدو تدفقات حمم بركانية، لذلك بدأنا نفكر في المحيطات».
تشبه اتجاهات تلك التقاسيم ما كانت عليه السواحل القديمة، كلاهما لديه الاتجاهات الصحيحة والميل الصحيح، ما يدعم فكرة وجود محيط لفترة طويلة من الزمن سمحت بحدوث تراكم الرمل كالشاطئ.
هذه السمات تقتضي وجود محيط سائل كبير، يتغذى بأنهار تكدس الرواسب، إضافةً إلى أمواج ومد وجزر، يقترح هذا أيضًا أن المريخ امتلك دورة مياه لملايين السنين -المدة التي تستغرقها مثل هذه الترسبات للتشكل على الأرض- لأن مثل هذه الترسبات لا تتشكل على حافة بحيرة.
«كلما كان المسطح المائي أكبر، كان المد والجزر أكبر، ووُجِدت المساحة والوقت لتشكل الرياح أمواجًا أضخم، تساعد الأمواج والمد والجزر على تشكيل الشواطئ».
لا يمتلك المريخ قمرًا مثل الأرض، إذ يمارس القمر التأثير الأكبر في المد والجزر على الأرض، لكن للشمس أيضًا تأثير في مد وجزر محيطات الأرض، لكن مد وجزر محيطات المريخ مختلف قليلًا عما اعتدناه على الأرض، لكنه موجود فعلًا، وتتولد الأمواج السطحية بواسطة الرياح التي يمتلكها المريخ بكثرة.
يعزز الاكتشاف الجديد قضية وجود ظروف الحياة التي نعرفها قديمًا على المريخ، ويقترح مكانًا للبحث عن إشارات لحياة قديمة على الكوكب الأحمر، إذا كنا نستطيع بلوغه مع المعدات الصحيحة.
«البيئة الساحلية التي تضم الماء واليابسة والغلاف الجوي كلها معًا، تُعد بيئات قابلة للحياة، وقد تساعد معرفة مكان هذه البيئات وزمانها على إرشادنا إلى المواقع التي اكتشفناها وكيفية تفسير الملاحظات الأخرى، مثل ملاحظات الأقمار الصناعية».
«السواحل هي مواقع عظيمة للبحث عن دليل لحياة ماضية، يُعتقد أن مهد الحياة على الأرض بدأ في مواقع كهذه، بالقرب من السطح الفاصل بين الهواء والمياه الضحلة».
يقترح البحث أن كثيرًا من مياه المريخ ربما ابتُلِعَت داخل جوفه، إذ تكمن اليوم في خزانات سائلة واسعة يصعب الوصول إليها، قد تكون هذه الورقة الجديدة قطعة أخرى لحل الأُحجية: وجود كمية كافية من الماء السائل لملء هذه الخزانات خلال ماضي المريخ الآسر الغامض.
الخطوة القادمة ستكون التعمق في دراسة فكرة المحيطات السائلة، ومحاولة وضع نماذج للأمواج والمد والجزر.
اقرأ أيضًا:
لماذا تغطي العواصف الترابية المريخ لأشهر متتالية؟
الانقسام المريخي الثنائي: حل أهم ألغاز الكوكب الأحمر
ترجمة: وليد محمد عبد المنعم
تدقيق: تمام طعمة