في دراسة حديثة من السويد، حلل الباحثون تأثير استهلاك الحليب في البروتينات الاستقلابية القلبية التي يستخدمها الأطباء لتقييم مخاطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية. شملت الدراسة 100 ألف رجل وامرأة ولاحظوا أثرًا سلبيًا لدى النساء لم يظهر لدى الرجال.
حلّل الباحثون دراستين من نوع (كوهورت على أكثر من عقد) لتتبع أنماط الحياة والعادات الغذائية للمشاركين، وبتحليل المؤشرات المختلفة وتقييم البيانات الغذائية التي أبلغ عنها المشاركون بأنفسهم، وجد الباحثون أن النساء اللواتي تناولن 300 مليلتر أو أكثر من الحليب غير المخمر يوميًا كن أكثر عرضة للإصابة بأمراض القلب الإقفارية (نقص تروية القلب) واحتشاء عضلة القلب (نوبة قلبية).
ويُقصد بالحليب المخمر خضوعه لعملية تتضمن إضافة البكتيريا النافعة أو الخميرة أو الأحماض، وهو تحديدًا الذي أظهر ارتباطًا بآثار سلبية لدى النساء.
تأثير منتجات الحليب المختلفة في صحة القلب
تُعد أمراض القلب السبب الرئيسي للوفاة في الولايات المتحدة، فإحصائيات 2022 تشير إلى تسبُّب هذا المرض بأكثر من 700 ألف حالة وفاة، ومع إن أمراض القلب أكثر شيوعًا بين الرجال، فإن النساء يعانين من معدلات وفيات أعلى بسببها.
توجد كثير من العوامل التي قد تسهم في تطور أمراض القلب، ومنها العوامل الوراثية، والنظام الغذائي، ونمط الحياة، والتدخين واستهلاك الكحول.
ركّزت الدراسة على تأثير استهلاك الحليب، فهو غذاء معروف بفوائده الصحية (كتوفير فيتامين د والبروتين)، لكن بعض الباحثين يتساءلون عن تأثيره المحتمل في صحة القلب.
حلل الباحثون بيانات من دراستي كوهورت: (الكوهورت السويدي لتصوير الثدي SMC والكوهورت السويدي للرجال COSM)، إذ تابعت هاتان الدراستان بيانات المشاركين المتعلقة بنمط الحياة واستهلاك الطعام والشراب ومؤشر كتلة الجسم (BMI)، وحدوث أمراض القلب والنوبات القلبية. وقد أبلغ المشاركون عن كمية الحليب التي يتناولونها بوصفه جزءًا من تحليل استهلاك الطعام والشراب، وحددوا إن كان مخمرًا أو غير مخمر.
قدّم بعض المشاركين عينات من البلازما، التي استخدمها الباحثون لتحليل الأنماط البروتينية، التي تُعد مؤشرات موثوقة لصحة القلب. قاس تحليل بلازما الدم 276 علامة بيولوجية بروتينية. وذلك لمعرفة كيفية ارتباط وجود العلامات البيولوجية المرتبطة بأمراض القلب الإقفارية واحتشاء عضلة القلب باستهلاك الحليب.
بعد تحليل بلازما الدم ومقارنتها بتقارير استهلاك الحليب الذاتية، لم يجد الباحثون علاقة بين الحليب المخمر وزيادة أمراض القلب لدى الرجال أو النساء. وأظهرت النتائج أن استهلاك الحليب المخمر لم يكن مرتبطًا بزيادة خطر أمراض القلب لدى الرجال أو النساء.
ولكن بالنظر إلى زيادة استهلاك الحليب غير المخمر، لوحظ ارتباطه بارتفاع خطر أمراض القلب. فعند مقارنة استهلاك الحليب غير المخمر، لاحظ الباحثون أن النساء اللواتي شربن كميات كبيرة منه كن أكثر عرضة للإصابة بأمراض القلب الإقفارية واحتشاء عضلة القلب، لم يُلاحظ هذا التأثير لدى الرجال.
النساء اللواتي شربن 100 مليلتر (حوالي نصف كوب) من الحليب غير المخمر يوميًا كان لديهن معدل أقل من الإصابة بأمراض القلب مقارنة بالنساء اللواتي استهلكن أكثر من 300 مليلتر (كوب ونصف). وكشفت الدراسة أن تناول 4 أكواب من الحليب غير المخمر يوميًا يزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب الإقفارية بنسبة 21% مقارنةً بتناول نصف كوب يوميًا.
لاحظ الباحثون أن النتائج ظلت ثابتة حتى بعد تعديل العوامل المتعلقة بنمط الحياة، بغض النظر عن نسبة الدهون في الحليب.
النساء اللواتي استهلكن كميات أكبر من الحليب غير المخمر كانت لديهن مستويات أعلى من إنزيم تحويل الأنجيوتنسين 2 (ACE-2) ومستويات أقل من عامل نمو الخلايا الليفية 21 (FGF21)، وكلاهما مرتبط بزيادة خطر أمراض القلب الإقفارية.
أظهرت الدراسات أن الأشخاص الذين لديهم مستويات مرتفعة من ACE-2 يعانون من معدلات أعلى من الوفيات القلبية الوعائية، في حين أن انخفاض مستويات FGF21 قد يكون مرتبطًا بتلف القلب.
لماذا يزيد استهلاك الحليب غير المخمر من مخاطر أمراض القلب لدى النساء؟
بحسب تعليق الدكتور تشينغ-هان تشين في لموقع Medical News Today بوصفه طبيب قلب لم يشارك في الدراسة وهو مدير برنامج القلب الهيكلي في مركز ميموريال كير سادل باك الطبي في كاليفورنيا، ما يزال السبب وراء هذا التأثير غير واضح تمامًا. وأضاف قوله:
«من المحتمل أن توجد اختلافات بين الجنسين في استقلاب مكونات الحليب، مثل اللاكتوز، ما يؤدي إلى اختلاف نواتج التحلل التي قد تسبب تباينًا في الإجهاد التأكسدي والالتهاب، ما يزيد خطر الإصابة بأمراض القلب».
وأشار إلى أن الحليب المخمر يوفر فوائد لصحة القلب قائلًا:
«منتجات الحليب المخمر مثل الزبادي (اللبن) غنية بالبكتيريا المفيدة (مثل اللاكتوباسيلس) التي تؤثر في تكوين الفلورا المعوية، التي تؤدي دورًا في تحسين صحة القلب».
وأكد الحاجة إلى مزيد من الأبحاث حول العلاقة بين الفلورا المعوية وصحة القلب، وأضاف:
«أظهرت كثير من الدراسات أن بعض تركيبات الفلورا المعوية قد تقلل خطر الإصابة بارتفاع ضغط الدم، والسكري، وحتى أمراض القلب».
لكن الدكتور جون هيغينز لم يجد نتائج الدراسة مفاجئة، وبوصفه طبيب قلب في UTHealth Houston لم يشارك بالدراسة وضح لموقع Medical News Today:
«هذه النتائج ليست مفاجئة لأن الحليب غير المخمر قد يسبب زيادة الالتهابات خاصة لدى النساء. ويبدو أن الرجال أكثر قدرة على تفكيك بعض المركبات الالتهابية الموجودة في الحليب غير المخمر».
وأكد أيضًا أن الحليب المخمر يوفر فوائد إضافية للقلب بقوله:
«الحليب المخمر غني بفيتامينات B12 وD، والريبوفلافين (B2)، والكالسيوم، والمغنيسيوم، والبروتين، التي تساهم في تقليل الالتهابات، … وهو يحسن صحة الفلورا المعوية، ويعزز المناعة، ويقلل التوتر، ويساعد على تنظيم مستويات السكر في الدم».
وبينما أكد مؤلفو الدراسة الحاجة إلى مزيد من الأبحاث، تشير النتائج إلى احتمال تغيير التوجيهات الغذائية في المستقبل لتشجيع استهلاك الحليب المخمر بدلًا من الحليب غير المخمر.
اختتم الدكتور هيغينز حديثه بالقول:
«تبدو منتجات الحليب المخمر آمنة للرجال والنساء على حد سواء، لذا ربما ينبغي تفضيلها في التوصيات الغذائية المستقبلية».
اقرأ أيضًا:
لست تشرب الحليب؟ إليك مصادر الكالسيوم والعناصر الأخرى التي تحتاج إليها
ترجمة: علاء الشحت
تدقيق: يامن صالح
مراجعة: محمد حسان عجك