نمتلك الآن رؤيةً أفضل من أي وقت مضى لمركز مجرتنا، درب التبانة، المليئة بالنجوم المتفجرة، والشرائط المغناطيسية، وذات الثقب الأسود العملاق. في 26 يناير، أصدر مرصد جنوب أفريقيا لعلم الفلك الراديوي (SARAO) صورًا التُقطت لقلب درب التبانة باستخدام التلسكوب الراديوي ميركات. يلتقط ميركات موجات الراديو باستخدام 64 لاقطًا موزعة على 8 كيلومترات تقريبًا، ويُعد هذا التلسكوب الأكثر حساسية مقارنة ببقية التلسكوبات المشابهة له. كان التلسكوب الراديوي على غرار ميركات ضروريًّا لالتقاط هذه الصور لأن الموجات الراديوية وحدها القادرة على اختراق الغبار بين الأرض ومركز مجرتنا.
تُظهر الشظايا الأفقية الحمراء الدموية درب التبانة وفق موجات الراديو، وفق ما لوحظ باستخدام تلسكوب ميركات. تُعد البقعة الصفراء الساطعة في الوسط الثقبَ الأسود الذي يتوسط مركز مجرتنا. يمثل ذلك السطوع تركيزًا عاليًا من الانبعاثات الراديوية المنبعثة من المواد المتدفقة إلى الثقب الأسود.
يقول فيرناندو كاميلو، كبير العلماء بمرصد جنوب أفريقيا لعلم الفلك الراديوي إنه منذ وقت قريب جدًا لم يكن العلماء متأكدين بشأن وجود الثقوب السوداء. أما الآن فتُعرف بامتصاصها لكل شيء يعترضها طريقها، واكتشف الباحثون مؤخرًا أنه من الممكن للثقوب السوداء أن تخلق نجومًا جديدة.
إن الخطوط الحمراء الشبيهة بخطوط لوحات جاكسون بولوك هي خيوط غير حرارية مغناطيسية لا يمكن العثور عليها في أي مكان آخر في المجرة. يقول كاميلو إن الباحثين كانوا يعرفون ذلك من قبل، ربما ما يصل إلى 100 خيط غير حراري، ولكن بالتزامن مع ورود صور ميركات الجديدة، أمسوا يعرفون الآن أكثر من ألف خيط حراري.
يقول كاميلو إننا اعتدنا دراسة كل واحد منها من باب الفضول، أما الآن فبوسعنا البدء في دراستها بوصفها مجموعة.
تقرِّب الصورة أعلاه مجال الثقب الأسود الذي يشبه عين موردور، وهو نفس الثقب الأسود الذي يُرى في الصورة العليا مع ميل إلى الجهة اليمنى، يستخدم بعض علماء الفيزياء الفلكية مصطلح الفقاعة الفائقة لوصف الشكل الكروي المتدحرج إلى أعلى يسار الثقب الأسود. ربما سبب ذلك أن الكثير من النجوم تنفجر بتعاقب سريع بالنسبة للمجرة، أي في غضون قليل من ملايين السنين، ما يضخم هذه الفقاعة الكبيرة على حد تعبير كاميلو.
يُظهر مركز هذه الصورة بقايا السوبرنوفا أو بقايا نجم متفجر. يمثل الجسم الساطع في اليمين العلوي خيطًا غير حراري يسمى الأفعى. وتُعرف النقطة الساطعة التي تتجه إلى يسار البقايا باسم سديم الفأرة بسبب تشابهها مع القوارض. يُعد الأنف المدبب نواة منهارة دوّارة لنجم هائل فائقة المغناطيسية، اكتشفه كاميلو أول مرة في عام 2002. ويظهر ذيل الفأر خافتًا بسبب سرعته فوق الصوتية.
يقول كاميلو إن هذا اللولب يتحرك بسرعة مئات الكيلومترات في الثانية تقريبًا، وهو يفوق سرعة الصوت المحلية، ولذلك يترك وراءه أثرًا شبيهًا بالقارب.
وصور الباحثون بقايا سوبرنوفا لم يسبق رؤيته، بلغ قطره عدة سنوات ضوئية. عادةً، يُشوه محيط بقايا السوبرنوفا حينما يتمدد إلى الفضاء، لذلك يقول كاميلو إن هذا الاكتشاف نادرٌ بسبب شكله الكروي المثالي تقريبًا. قد تكون النقاط البيضاء الساطعة ثقوبًا سوداء فائقة الكتلة في المجرات بعيدًا، وفقًا لتصريح مرصد جنوب أفريقيا لعلم الفلك الراديوي.
وتًعد هذه الصور نتاج تحليل علمي دام ثلاث سنوات، وبعد نشر ورقتين في المجلة الفيزيائية الفلكية ومجلة رسائل المجلة الفيزيائية الفلكية، شارك المرصد بياناته مع العلماء الآخرين بغية استخدامها.
يقول كاميلو: «ليس من قبيل الصدفة أن هذه الأنواع من الهياكل لا توجد في أي مكان آخر في المجرة. لذلك من الواضح أن لذلك علاقة بذاك الثقب الأسود، وهذا ما يأمل الفلكيون أن يتعلموه من الصور المشابهة عالية الجودة».
اقرأ أيضًا:
اكتشاف سرب كامل من الثقوب السوداء تتحرك عبر مجرة درب التبانة
آلاف الكواكب الشبيهة بالأرض ربما تدور حول الثقب الأسود في مركز درب التبانة
ترجمة: فاطمة البجاوي
تدقيق: محمد حسان عجك