يربي الآباء أطفالهم على القيم الجيدة وأن الصدق منجاة والكذب أمر سيء، ولكن لا تكون ردود أفعال البالغين عند اكتشاف كذب أطفالهم متشابهة. إذ تؤكد التجارب الجديدة أن الكلام المذكور سابقًا هو محض هراء، والآباء يكونون أكثر قسوة على أطفالهم عندما يقولون الحقيقة ويتعاملون معهم بلطف عندما يظهرون سلوك الكذب.
يعتقد المؤلفون أن الأطفال قد يشعرون بالتناقض. إذ لا يحثهم آبائهم على الكذب بصورة واضحة، ولكن ردود أفعالهم عند قول الأطفال للحقيقة يجعل منها مخاطرة كبيرة.
قد لا يكون الكذب أمرًا سيئًا دائمًا، فالقليل من تحريف الحقيقة للحفاظ على مشاعر الآخرين أمر مهم. مثلًا، يعد الكذب خطوة مهمة في التطور العاطفي والاجتماعي للطفل، إذ يساعدنا على فهم الطفل ومعرفة طريقة تفكيره واستيعاب أنه قد تكون لديه أفكار أو رغبات أو احتياجات مختلفة.
تشير التجارب إلى أنه عندما يكذب الأطفال لتحقيق منفعة شخصية، فقد يُعاقَبون بقسوة من آبائهم.
التجارب المُجراة في هذا البحث هي الأولى من نوعها لاستكشاف ردود الأفعال التي يتلقاها الأطفال من والديهم عندما يقولون الحقيقة كاملة. مثلًا، عندما يقول الطفل رأيه الصادق: «أعتقد أن قبعتك قبيحة»، بدلًا من الإدلاء بتعليق لطيف ولكن لا يعبر عن مشاعره الحقيقية مثل «أعتقد أن لون قبعتك جميل».
توضح الدكتورة لوري بريمبال من كلية العدالة الجنائية وعلم الجريمة في جامعة تكساس: «يُظهر هذا البحث وجود علاقة معقدة مع حقيقة أن الأطفال يجب أن يعلموا ما هو مقبول اجتماعيًا».
«سيشعر معظم الآباء بالحرج والانزعاج من صدق أطفالهم الذي يصل لدرجة الفظاظة في مرحلة ما. ولكن يجب معرفة أن تعلم الكذب هو جزء طبيعي من التطور الاجتماعي للأطفال».
وتضيف: «يتعلم الأطفال أن الكذب خطأ، ومع ذلك فإنهم يطورون القدرة على قول الأكاذيب منذ سن مبكرة. حتى الآن، لا نعرف سوى القليل عن الآليات والعمليات التي تكمن وراء تطوير المهارة الاجتماعية الحاسمة للكذب الإيجابي، على الرغم من الرسائل المتضاربة من البالغين حول تقبل الكذب بدلًا من قول الحقيقة».
أُجريت الدراسة على 142 أبًا وأمًا، الذين عُرِض عليهم سلسلة من ثمانية مقاطع فيديو تصور طفلًا في سيناريوهات مختلفة. خلال مشاهدة اللقطات، طُلب من الآباء تخيل أن الطفل في الفيديو هو ولدهم والتفكير في كيفية تفاعلهم مع سلوكه.
في أحد السيناريوهات التي ظهرت في الفيديو، طلب أحد الوالدين من طفلهم إخبارهم عن مكان وجود شقيقته التي كانت على خلاف معهم.
في أحد السيناريوهات يُجيب الطفل بالحقيقة مباشرة بجملة «إنها تحت الشرفة». بينما يجيب الطفل الذي يظهر سلوك الكذب «ذهبت إلى المكتبة».
وأجاب الطفل ذو سلوك الكذب اللطيف «أعتقد أنها ربما ذهبت إلى الفراش أو شيء من هذا القبيل».
بينما أجاب الطفل الذي يقول الحقيقة بطريقة لطيفة «أعتقد أنها قد تكون في الخارج».
وفي سيناريو آخر، كذب الطفل ليس لحماية أخته بل ليكون مهذبًا.
بعد مشاهدة كل مقطع فيديو، صنف الآباء الأطفال بناءً على تصرفاتهم. مثلًا، جدير بالثقة ولطيف وذو سلوك جيد وكفء ومحبوب وودود وذكي وصادق وحنون. وقدموا نقاطًا لمدى جودة السلوك الذي اعتقدوا أن الطفل اتبعه.
نظر الآباء عمومًا إلى الكذب بطريقة سلبية أكثر من الصدق. ولكن كانت هناك استثناءات.
عندما يكذب الطفل ليكون مهذبًا، كان يُنظر إليه بصورة أكثر إيجابية من قبل البالغين، وكان من المرجح أن يكافئوه أكثر من الطفل الذي يقول الصدق.
عندما يخبر الطفل عن أخيه، كان يُحكم عليه بقسوة أكبر مقارنةً مع الأطفال الذين قالوا الحقيقة.
هذا النوع من الصدق لا يحبب الوالد للطفل. إذ يقل إعجاب البالغين بالطفل عندما يُخبر عن أخيه، ما يؤكد القول المأثور القديم «لا أحد يحب الحثالة».
مع ذلك، اعتبر البالغين أن الأطفال الذين أظهروا سلوك الثرثرة كانوا جديرين بالثقة أكثر من غيرهم.
كتب المؤلفون: «وهكذا، مع أن العادات الثقافية تُملي أن الكذب هو سلوك سلبي، فمن المحتمل أن يحث الأطفال على الانخراط في الكذب الاجتماعي الإيجابي».
«في حين أن الصدق قد يثير الكراهية، فإنه قد يولد أيضًا تصورًا بأنه يمكن الوثوق بالفرد وأن الشخص الذي يقدم مثل هذا التقييم الصريح يجب أن يكون صادقًا».
ستحتاج الأبحاث المستقبلية إلى فحص منظور الطفل في سيناريوهات مماثلة لمعرفة إن كان المؤلفون على حق في افتراض كيف يفسر الأطفال ردود أفعال آبائهم ويتعلمون منها.
اقرأ أيضًا:
لماذا ينتحر الكثير من الأطفال مؤخرًا؟
أساليب تقويم السلوك لدى الأطفال
ترجمة: فاطمة الرقماني
تدقيق: بشير حمّادة
مراجعة: نغم رابي