استكمالًا لما بدأناه في الحلقة السابقة، في استعراض قصة الفيزياء منذ فجر التاريخ، مرورًا بأهم النظريات والأفتراضات والتطبيقات والعلماء الذين اثروا في البشرية، وغيروا حالها من حال الى حال.
بعد الحديث عن فيثاغورث واقليدس، وتأثيرهما الواضح في تاريخ الفيزياء والرياضيات معًا، نستعرض عظيم اخر من عظماء الليونان، وهو “ديموقريطس” الذي تكمن شهرته في افتراضاته عن المادة وتكوينها، حيث افترض ان كل المواد التي فى الكون، تتكون من جُسيمات صغيرة جدًا غير قابلة للتجزئة، وهذه الجُسيمات تختلف في الشكل والحجم واللون، وتتحد مع بعضها لتكون الأجسام الكبيرة، واطلق عليها اسم “الذرات”.
لعل هذا الأفتراض يوضح الأختلاف الكبير بين الفيزياء اليونانية والفيزياء الحديثة، فالفيزياء الحديثة قامت بربط القوى الكونية مثل الكهرومغناطيسية مع تركيب الذرات وتكوينها، وبالرغم من توصل اليونانيون القدماء لبعض من هذه القوى، الا انهم لم يستطيعوا الربط بينها وبين علم الفيزياء، أو بالتحديد بينها وبين افتراض ديموقريطس.
وتواصل عطاء اليونانيون القدماء في علم الفيزياء، وهذة المرة عن طريق “ارخميدس”، حيث استطاع “ارخميدس” ان يتبع الأسلوب العلمي الحديث، وبذلك قد سبق اقرانه من العلماء اليونانيون، فقد استطاع ان يجمع بين النظرية والمنهج التجريبي، فاستطاع التوصل الى مبدأ الطفو، الذي عُرف فيما بعد بأسمه، كما انه استطاع التوصل الى القوانين التي تصف انعكاس الضوء على المرايا، وقد ادلى بدلوه ايضًا في علم الرياضيات، فاستطاع التوصل الى علاقة بين محيط الدائرة وقطرها، وهو ما يُعرف في علم الرياضيات بأسم “باي π”.
الأن نصل الى الأشهر وربما الأفضل والأكثر تأثيرًا، انه “ارسطو” الذي وُلد قبل “ارخميدس” بقرابة 100عام، كان تلميذًا لواحد من اشهر الفلاسفة عبر التاريخ وهو “افلاطون”، حيث كان يقول عنه افلاطون “الذكاء المتجسد”، وبعد وفاة مُعلمه اصبح ارسطو معلمًا لأشهر قائد عسكري في التاريخ وهو “الأسكندر الأكبر”.
ارسطو وضع الرياضيات مثال يُحتذى به في باقي العلوم، من حيث الترابط والنظام، ولعله تأثر بمعلمه افلاطون الذي كان يهتم بتدريس الرياضيات في مدرسته، ومن هنا بدأ ارسطو التأكد بأن العلم عبارة عن مبادئ وبراهين تعطي نتائج، واذا حدث خلل في هذه المبادئ أو احد البراهين، يتم اللجؤ للمنطق والجدل لتفسير النتيجة. وبالرغم من أن عظمة ارسطو نبعت من تقسيمه للعلوم، ومن مجهوداته الكبيرة في علوم البيولوجي، الا ان اسهاماته في علوم الفيزياء لم تكن على نفس القدر، فقد اهتم كثير بعلوم الميتافيزقيا والكون واللانهاية والزمان والمكان، بالأضافة الى انه رفض المبدأ الفيثاغورثي الذي افترض بأن الشمس هي مركز الكون، ولكنه قام بعدة محاولات على استحياء لوصف عمليات التبدل في الكون مثل دورة حياة الماء على سطح الأرض، من تبخر بسبب حرارة الشمس، وتكثفها وسقوطها على هيئة امطار مرة اخرى.
حاول ارسطو ايضًا وصف حركة الأجسام، لكنه خطأ عندما اعتقد ان الأجسام تتوقف فورًا بعد فقدها مصدر الحركة، فلم يكن على دراية بمفهوم العطالة أو القصور الذاتي.
في نهاية الأمر وجب العلم بأن الفيزياء اليونانية كلها لم تكن ذات أهمية كبيرة، وذلك لأنها افتقدت للمبادئ التي تقوم عليها، بالأضافة انها افتقدت استخدام العلوم المحيطة في التنبؤ بالأحداث القادمة. الا انهم حاولوا وهذا ما يكسبهم الكثير من الأحترام في هذا المجال، حاول وحاول وحاول، فحتمًا ستقترب من الوصول للهدف المنشود.
في الحلقة القادمة سنتعرف على محاولات اليونانين القدماء في علم الفلك ومحاولاتهم في استخدام الفيزياء للبحث في اجرام الكون.
كتاب “قصة الفيزياء” تأليف لويد موثز و وجيفر مون هين ويفر