أثارت التقارير التي تفيد بمساعي روسيا إلى تطوير سلاح نووي مضاد للأقمار الصناعية قلق الكثيرين، فما السبب الذي قد يجعل هذه التكنولوجيا خطيرة على استكشاف الفضاء بصورة عامة؟
في أسبوع احتل فيه الأمن القومي مركز الاهتمام في واشنطن، أكد البيت الأبيض امتلاكه أدلة تشير إلى سعي روسيا لتطوير سلاح فضائي نووي مضاد للأقمار الصناعية.
وعبّر جون كيربي، المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي، للصحفيين عن قلق البيت الأبيض تجاه البرنامج الفضائي الروسي، على الرغم من عدم وجود تهديد حالي لسلامة أي أحد، وفقًا لكيربي.
تكمن المشكلة في العواقب العشوائية وغير المتوقعة التي قد تترتب على استخدام هذا النوع من الأسلحة، إذ يمكن لها تهديد سلامة جميع الأقمار الصناعية المنتشرة في الفضاء، والتسبب في انهيار الخدمات الحيوية المعتمدة على البنية التحتية الفضائية.
يأتي إعلان البيت الأبيض بعد حث رئيس لجنة المخابرات في مجلس النواب الأمريكي، مايك تيرنر، للإدارة الأمريكية على رفع السرية عن المعلومات المتعلقة بما وصفه بالتهديد الخطير للأمن القومي، وما تلا ذلك خلال الأيام التالية من تعليقات وتكهنات حول استعداد روسيا لإطلاق سلاح نووي إلى الفضاء، أو نشر سلاح مضاد للأقمار الصناعية يعمل بالطاقة النووية.
لم يحدد كيربي الطبيعة الكاملة للتهديد الذي يمثله هذا السلاح، لكنه أشار إلى اعتقاد المسؤولين الأمريكيين بعدم تفعيل روسيا لنظام الأسلحة الجديد أو نشره حتى. وطمأن كيربي المستمعين بقوله: «إن السلاح ليس من النوع الذي يُستخدم لإحداث دمار مادي على الأرض، لكن البيت الأبيض يراقب النشاط الروسي وسيواصل التعامل معه على محمل الجد».
وقد أكد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين الأنباء المتداولة حول السلاح الروسي خلال زيارته إلى ألبانيا يوم الخميس، وذكر أنه يتوقع الإدلاء بالمزيد من المعلومات قريبًا، مضيفًا: «إن إدارة الرئيس بايدن تتشاور أيضًا مع الحلفاء والشركاء حول هذه القضية».
وورد أن بلينكن قد أكد خلال محادثاته مع وزيري الخارجية الهندي جايشانكار والصيني وانغ يي في مؤتمر ميونيخ للأمن على أن السعي وراء هذه القوة يجب أن يمثل مدعاة للقلق.
أنكرت موسكو على الفور وجود مثل هذا البرنامج، وذكرت أن ما قيل ليس إلا تلفيقًا خبيثًا نشرته إدارة بايدن للضغط على الكونغرس الأمريكي بهدف تمرير مشروع قانون المساعدات الخارجية التي تبلغ قيمتها 97 مليار دولار أمريكي، خُصِّص منها 60 مليار دولار لأوكرانيا وحدها، وقال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف للصحفيين: «من الواضح أن البيت الأبيض يحاول بأي وسيلة تحفيز الكونغرس للتصويت على مشروع القانون المتعلق بتخصيص الأموال».
صرح الرئيس الأمريكي جو بايدن في مؤتمر صحفي حول وفاة زعيم المعارضة الروسية أليكسي نافالني بالقول: «لا يوجد تهديد نووي حالي لأمريكا أو أي مكان آخر في العالم بسبب البرنامج الروسي، ولا دليل أيضًا على أن الروس قد اتخذوا القرار بالمضي قدمًا في تنفيذ مشاريع جديدة في الفضاء».
قد تُتهم موسكو بخرق معاهدة الفضاء الخارجي التي وقعت عليها 130 دولة، بما في ذلك روسيا نفسها، في حال قررت تطبيق برنامجها الجديد، إذ تحظر المعاهدة حيازة الأسلحة النووية أو أي نوع آخر من أسلحة الدمار الشامل في مدار الأرض وتمنع نشر أي أسلحة في الفضاء الخارجي بأي طريقة أخرى.
لا تُعد الأسلحة المضادة للأقمار الصناعية تقنية جديدة، إذ سبق للصين إطلاق أحد أسلحتها في يناير 2007 بهدف تدمير قمر صناعي غير قابل للتشغيل كان مخصصًا لدراسة أحوال الطقس.
على الرغم من جاذبية فكرة شن ضربات نووية في الفضاء بالنسبة إلى الدول التي تتطلع إلى تحدي الهيمنة الأمريكية في هذا المجال، إلا أن هذه الإجراءات قد تحمل مخاطر كبيرة، فقد لا يمثل تدمير الأجسام الفضائية من الأرض الشاغل الأساسي فيما يتعلق بالأسلحة المضادة للأقمار الصناعية بصورة عامة، وإنما الآثار الخطيرة التي يمكن أن تخلفها في الفضاء.
يؤدي تدمير أي جرم سماوي إلى ظهور كتلة من الحطام بأحجام تتراوح بين بضعة ميليمترات وعدة سنتيمترات، وتدور حاليًا مئات الملايين من قطع الحطام الفضائية حول الأرض.
يتحرك هذا الحطام الفضائي بسرعة هائلة ممثلًا خطرًا كبيرًا على الأقمار الصناعية والكيانات الفضائية الأخرى مثل محطة الفضاء الدولية (ISS)، ولذلك يجب على هذه المنشآت تغيير مسارها بانتظام لتجنب التصادمات التي قد تسبب لها أضرارًا واسعة النطاق، وقد اضطرت محطة الفضاء الدولية منذ عام 1999 إلى تغيير مسارها 32 مرة.
يستحيل تقريبًا التحكم في مسار الحطام الفضائي أو المدار الذي سيتبعه حول الأرض، الأمر الذي يمكن أن يعرّض الأصول الفضائية لأي دولة، مثل الأقمار الصناعية، لخطر التدمير ذاته الذي قد يتعرض له الخصم، إذ يشبَّه هذا الموقف بتأثير الأسلحة النووية على الأرض من ناحية الدمار المتبادل المؤكد.
تمثل السيطرة على عواقب توجيه ضربة نووية فضائية من قبل دولة ما أمرًا مستحيلًا، سواء حدث ذلك بهدف تدمير الأقمار الصناعية أو بهدف إظهار القدرة على استخدام الأسلحة النووية والرغبة بذلك عمومًا.
قد تحقق مثل هذه الضربات أهدافها فيما يتعلق بالتأثير في القدرات الفضائية للخصم والحد منها، فقد تؤدي مهاجمة الأصول الأمريكية على سبيل المثال إلى تعطيل نظام تحديد المواقع العالمي القائم على عمل الأقمار الصناعية (GPS) الذي تعتمد عليه الدول الغربية، لكن ذلك لا ينفي الاحتمال الكبير أيضًا بأن يؤدي هذا الهجوم إلى تدمير الأصول الفضائية التابعة للدولة التي تقف وراءه أو أحد حلفائها، ما يزيد من التوترات ويفقد تلك الدولة دعم البلدان المتأثرة بالضربة.
قد يحفز العجز عن السيطرة على آثار الهجمات الفضائية الناتجة عن إطلاق الأسلحة الموجودة في الفضاء أو على الأرض إجراء دراسات ونقاشات معمقة حول الأنشطة الفضائية في جميع الدول التي تنشط في مجال الفضاء.
اقرأ أيضًا:
دراسة جديدة توضح آثار الشتاء النووي إذا ما فجرت أمريكا وروسيا قنابلهما النووية
تملك روسيا الآن سلاحًا لا تستطيع أمريكا محاربته، فماذا يكون بالضبط؟
ترجمة: يوسف الشيخ
تدقيق: أنس الرعيدي
