أكثر ما يشغل الناس عمومًا والاقتصاديين خصوصًا هو الحديث عن الدين الأمريكي، وهل سينال رفع سقف الدين الموافقة أم لا، ومن المتوقع تصويت مجلس النواب في الأسبوع المقبل على اتفاق لرفع حد الاقتراض لمدة عامين.
توصل الرئيس بايدن ورئيس مجلس النواب كيفن مكارثي إلى اتفاق مبدئي يوم 26 مايو 2023 لرفع سقف ديون البلاد لمدة عامين، ووضع قيود جديدة على الإنفاق خلال تلك الفترة، والتحرك لإنهاء المواجهة التي هددت بحدوث كارثة تاريخية، ألا وهي التخلف عن سداد ديون الحكومة الأمريكية ووضع الاقتصاد العالمي على حافة الهاوية.
أُعلِنت الاتفاقية بعد حديث بايدن ومكارثي عبر الهاتف تلك الليلة لمدة تسعين دقيقة تقريبًا، وذلك بعد أسابيع من المفاوضات بين البيت الأبيض وزعماء الحزب الجمهوري في مجلس النواب.
تتطلب المسألة موافقة مجلسي النواب والشيوخ معًا، وقد صرح مكارثي إن التصويت قد يأتي في اجتماع مجلس النواب، وفيه يتمتع الجمهوريون بأغلبية ضئيلة، وقد أعلن بعض المحافظين في الحزب عن معارضتهم للأمر.
ويتعرض المشرعون والبيت الأبيض لضغوط للتحرك بسرعة، وقالت وزيرة الخزانة جانيت يلين بتصريحها عن الوضع: «إن الولايات المتحدة قد تنقصها الأموال لتسديد ديونها في أقرب وقت في الخامس من يونيو، وهو سيناريو إن حدث قد يكون له عواقب اقتصادية ومالية وخيمة».
وقال بايدن في بيان له: «إن الاتفاق يمثل حلًا وسطًا، وهو ما يعني عدم حصول كل شخص على ما يريد»، وحثَّ كلا المجلسين على تمرير الاتفاقية قائلًا:
«إنها ستمنع ما قد يكون تخلفًا كارثيًا عن السداد، وكان سيؤدي إلى ركود اقتصادي، وتدمير حسابات التقاعد، وفقدان ملايين الوظائف».
أما عن مكارثي فقد صرح للصحفيين في مبنى الكونغرس: «لقد توصلنا إلى اتفاق من حيث المبدأ، ما زال أمامنا الكثير من العمل للقيام به».
لكن بعض المحافظين قالوا إنهم أرادوا المزيد، وغرد النائب دان بيشوب: «إن الجمهوريين في مجلس النواب من خلال مكالمة هاتفية كانوا يهنئون مكارثي لحصوله على ما يقارب اللاشيء». في مقابل ما قال إنه زيادة قدرها 4 تريليون دولار في حدود الاقتراض الفيدرالية، ويبلغ حد الدين الفيدرالي حاليًا 31.4 تريليون دولار.
تفاصيل الاتفاقية كانت ما تزال تبصر النور حينها وكانت عرضة للتغيير، ووفقًا للمشرعين ومساعديهم قد تضمَّنت الصفقة بعض العناصر الرئيسية وهي كما يلي:
مستويات الإنفاق
قال أشخاص مطلعون على المفاوضات إن الاتفاقية ستبقي الإنفاق غير الدفاعي في عام 2024 عند نفس المستوى تقريبًا للسنة المالية 2023 وتزيده بنسبة 1% تقريبًا عام 2025، وسيكون الإنفاق الدفاعي تقريبًا على نفس مستوى خطط الرئيس بايدن المالية لعام 2024، أو حوالي 3% أكثر من المخصصات (858 مليار دولار) التي وضعت في 2022.
تتضمن الصفقة أيضًا بندًا يفرض تخفيضًا بنسبة 1% في الإنفاق الحكومي إذا لم تُمرر جميع مشاريع قوانين الاعتمادات الاثني عشر بحلول نهاية 2023، وذلك وفقًا لأشخاص مطلعين على الأمر.
المعونة الغذائية
وافق البيت الأبيض على مطلب رئيسي للجمهوريين وهو تشديد متطلبات العمل من أجل المساعدات الغذائية الفيدرالية.
تتطلب الصفقة المبدئية تحديد البالغين الأصحاء منخفضي الدخل ممن لا يملكون أي معيل، وتتراوح أعمارهم بين 18 و 54 عامًا، من أجل الحصول على مساعدات غذائية، مقارنةً بسن 49 حاليًا. بموجب القانون الحالي، يستطيع هؤلاء الحصول على إعانات لمدة لا تزيد عن ثلاثة أشهر خلال فترة ثلاث سنوات، إلا إذا كانوا يعملون أو يلتحقون ببرنامج عمل، وستنتهي التغييرات في متطلبات عمل المعونة الغذائية بعد عدة سنوات.
وفي محاولة لجعل التغيير أكثر قبولًا للديمقراطيين، تخفف الاتفاقية أيضًا متطلبات العمل للمحاربين القدامى والمشردين، ولا تفرض أي تغيرات على برنامج المساعدات الطبية.
تمويل دائرة الإيرادات الداخلية
ستقتطع الصفقة 10 مليار دولار التي كانت دائرة الإيرادات الداخلية لاستخدامها في إتمام مشروع قيد العمل منذ عشر سنوات، وهو تعزيز تطبيق الضرائب وتحديث تقنيتها، وكان الكونجرس قد قدم 80 مليار دولار لهذه الخطط في 2022.
أموال غير منفقة لجائحة Covid-19
كشف أحد المطلعين على المفاوضات إن الاتفاقية ستعيد بعض الأموال غير المنفقة التي مررها الكونجرس ضمن الميزانية لمكافحة الجائحة، ويعد هذا البند ذو أولوية أيضًا عند الجمهوريين. وأوضح مشرِّع من الحزب الجمهوري إن المبلغ يقدر بنحو 29 مليار دولار.
ومع إن التشريع الذي أعقب ذلك ما يزال يواجه عقبات ليمرره الكونجرس، فإنه يمثل أول اتفاق رئيس يتفاوض عليه البيت الأبيض والأغلبية الجمهورية الجديدة في مجلس النواب.
دعا بعض الجمهوريين في مجلس النواب إلى تخفيض الإنفاق أكثر مما يُعتقد أن تتضمنه الاتفاقية، بينما رفض الديمقراطيون التقدميون قرار بايدن بالتفاوض مع الجمهوريين على الإطلاق، ومن المرجح أن تتطلب التسوية دعمًا من الحزبين للحصول على تأييد مجلس النواب الذي يسيطر عليه الجمهوريون، فمن المتوقع أن يعارضها البعض في الحزب الجمهوري. ستحتاج التسوية إلى 60 صوتًا للمرور عبر مجلس الشيوخ، وفيه يتمتع الديمقراطيون بأغلبية 51 مقابل 49.
من غير المرجح أن تغير الصفقة المقترحة المسار المالي للدولة كثيرًا على المدى الطويل، إذ تراجع كلا الجانبين عن مواقفهما الأولية، وكان قد طالب الجمهوريون ذات مرة بتخفيضات حادة في الإنفاق واقترح الديمقراطيون زيادات ضريبية لمعالجة العجز. ستؤثر الاتفاقية هامشيًا فقط على الإنفاق الذي يشكل أقل من ثلث الميزانية الفيدرالية، مع ترك الإنفاق على البرامج الإلزامية مثل الضمان الاجتماعي والرعاية الطبية، وكذلك الفائدة على الديون دون تغيير.
يمثّل الاتفاق تنازلًا للديمقراطيين، الذين أصروا على مدى شهور على أن يرفع الكونجرس سقف الديون دون أي شروط أخرى، بينما قالوا إنهم سيتفاوضون على الميزانية تفاوضًا منفصلًا. بينما طالب الجمهوريون في مجلس النواب بدافع من الأعضاء المحافظين بخفض الإنفاق مقابل دعم زيادة حدّ الديون.
تمسك الجانبان بمواقفهما لفترة طويلة من 2023، وقد بدأت المفاوضات فقط بعد أن أقرَّ الجمهوريون في مجلس النواب مشروع قانونهم لسقف الديون، وحذرت يلين المشرعين أولًا من أن أمامهم أسابيع قبل احتمال حدوث تخلف غير مسبوقٍ عن سداد ديون الولايات المتحدة.
وفيما يشبه صدى المناقشات السابقة حول هذه القضية بين 2011-2013، بدأ المأزق بزعزعة الأسواق في الأيام الأخيرة. وتُعد ديون الحكومة الأمريكية أساسًا للنظام المالي العالمي، إذ يعاملها المستثمرون كأصول الملاذ الآمن ويطرحونها للحصول على قروض أخرى إضافية. وقفزت عوائد سندات الخزانة المستحقة في الأول من شهر يونيو، في حين قالت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني إنّها تدرس إمكانية تخفيض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة.
اقرأ أيضًا:
ترجمة: دياب حوري
تدقيق: محمد حسان عجك