توصل باحثون إلى طريقة جديدة لقياس كمية المعلومات التي يستطيع الدماغ تخزينها، ما قد يساعد البشر على تعزيز فهمهم لآلية التعلم.

أشارت دراسة جديدة إلى أن الدماغ يستطيع تخزين بيانات أكثر بعشرة أضعاف مما كان يُعتقد سابقًا.

تقاس الذاكرة المخزنة في الدماغ بوحدة البِت (bit)، بصورة مشابهة للحواسيب، إذ يمثل عدد البتّات في الدماغ الارتباطات بين الخلايا العصبية التي تُعرف بالمشابك العصبية. ظن العلماء على مر التاريخ أن هذه المشابك تتصف بأحجام وقوى محدودة، ما قلل بدوره من تقديرهم لسعة تخزين الدماغ. تغيرت هذه النظرية مع ذلك على مدى الأعوام السابقة، إذ تؤكد الدراسة الجديدة أن الدماغ قادر على تخزين معلومات أكثر بعشرة أضعاف مما كان يُعتقد سابقًا.

طور الباحثون في سبيل الدراسة السابقة طريقة جديدة عالية الدقة؛ لتقييم قوة الارتباطات بين الخلايا العصبية في منطقة من دماغ فأر تجارب. تشكل هذه المشابك العصبية أساس عملية التعلم والذاكرة، إذ تستطيع خلايا الدماغ من خلالها التواصل فيما بينها، ومنه تخزين المعلومات ومشاركتها مع الخلايا الأخرى.

تمكن العلماء من تحديد مقدار البيانات التي تستطيع هذه المشابك تخزينها بدقة، وذلك بتعميق فهمهم للآلية التي تقوى فيها هذه المشابك أو تضعف، إضافةً إلى مقدار هذا التغير. تُظهر الدراسة التحليلية السابقة، التي نُشِرت في أبريل عام 2023 في صحيفة Neural Computation، أن الطريقة الجديدة لن تقتصر فوائدها على تعزيز فهم الباحثين لآلية التعلم، بل ستعمق فهمهم للتقدم في العمر والأمراض التي تسبب تآكل مشابك الدماغ أيضًا.

وضحت جاي يو في بريد إلكتروني لصحيفة Live Science، وهي البروفيسورة المساعدة في قسم الفيزيولوجيا العصبية في جامعة شيكاغو، التي لم تشارك في الدراسة: «وصلت أساليب الدراسة السابقة إلى جوهر استطاعة الدارات العصبية على معالجة البيانات. تمثل إمكانية تقدير كمية المعلومات التي يستطيع الدماغ معالجتها خطوة مهمة في طريق فهم قدرته على إجراء حسابات معقدة واستيعابها».

يوجد أكثر من 100 تريليون مشبك بين الخلايا العصبية في الدماغ. تتحرر الوسائط الكيميائية بين هذه المشابك، ممهدةً بذلك انتقال البيانات بين العصبونات. يزداد انتقال المعلومات بين مشابك عصبية محددة في الدماغ بتعلم الإنسان لأشياء جديدة. يمكّن ازدياد قوة المشابك هذه البشر من الحفاظ على المعلومات الجديدة وتذكرها. تقوى المشابك العصبية أو تضعف تبعًا لمدى نشاط الخلايا العصبية المشكلة للمشبك، إذ تُعرف هذه الظاهرة باسم المرونة المشبكية.

تصبح المشابك العصبية أقل فعالية وأكثر ضعفًا، وذلك بتقدم العمر أو عند الإصابة بأمراض عصبية مثل داء ألزهايمر، ما يضعف الوظيفة الإدراكية لدى البشر ويقلل من قدرتهم على تخزين الذكريات واسترجاعها.

يستطيع العلماء قياس قوة المشابك العصبية بدراسة خواصها البنيوية والمادية. تفعّل أحيانًا الإشارات المرسلة من خلية عصبية واحدة أكثر من مشبك عصبي في آن واحد، إذ يستخدم العلماء المشابك العصبية المُفعلة لدراسة دقة المرونة المشبكية وإحكامها. بمعنى آخر، هل يتمكن كل مشبك عصبي من المشابك السابقة من أن يقوى أو يضعف بالطريقة ذاتها عند تلقيه الإشارة ذاتها؟

أُثبِتت سابقًا صعوبة قياس دقة المرونة المشبكية وإحكامها، إضافةً إلى صعوبة معرفة كمية البيانات التي يستطيع أي مشبك عصبي تخزينها، وبرهنت هذه الدراسة الجديدة عكس ذلك.

استعان فريق البحث لقياس قوة المشابك العصبية ومرونتها بنظرية المعلومات، وهي طريقة رياضية تهدف إلى فهم كيفية انتقال البيانات ضمن شبكة ما. تمكّن هذه الطريقة أيضًا العلماء من حساب كمية المعلومات التي يمكن نقلها عبر المشابك العصبية، وذلك مع وضع ضوضاء الدماغ والفوضى التي تجري به أيضًا في الحسبان.

وضح تيرينس سيجنوفسكي لصحيفة Live Science أيضًا عبر البريد الإلكتروني، وهو المؤلف المشارك في الدراسة ورئيس مخبر البيولوجيا العصبية المحوسبة في معهد The Salk للأبحاث البيولوجية، أن المعلومات المرسلة بين العصبونات تقاس بوحدة البت. يعني ذلك أن المشبك العصبي الذي يملك عدد بتات أكثر قادر على تخزين كم أكبر من البيانات، مقارنةً بغيره الذي يملك عدد بتات أقل. يعني البت أن المشبك العصبي يبعث الإشارات بقوتين اثنتين، في حين يدل البتّان على إرسال الإشارات بأربع قوى، وهكذا.

حلل فريق البحث بضعة مشابك عصبية من منطقة الحصين في دماغ فأر تجارب، وهي منطقة تؤدي دورًا أساسيًا في عملية التعلم وتشكيل الذاكرة. أتت هذه المشابك من مناطق متجاورة جدًا في الدماغ، ما يعني أنها كانت تتفعّل نتيجةً للنوع ذاته من الإشارات العصبية وللكمية نفسها. أكد الباحثون أن المشابك ازدادت قوة أو ضعفت نتيجة تلقيها النوع والكمية ذاتها من الإشارات، ما يشير إلى دقة الدماغ العالية وإحكامه في ضبط قوة المشبك.

تشير نتائج التحليلات إلى أن المشابك العصبية في منطقة الحصين قادرة على تخزين كمية من المعلومات تقدّر بنحو 4.1 إلى 4.6 بت. توصل الباحثون في بحث سابق أُجري على دماغ فأر إلى نتائج مشابهة، لكنهم جمعوا البيانات حينها بطريقة أقل دقة. وضح كيفن فوكس لصحيفة Live Science عبر البريد الإلكتروني، وهو بروفيسور في علم الأعصاب بجامعة كارديف في المملكة المتحدة الذي لم يشارك في الدراسة، أن نتائج الدراسة الجديدة هذه ساعدت علماء الأعصاب على تأكيد ما كانوا يعتقدونه، الذي يتمثل في أن المشبك العصبي يستطيع أن ينقل ويخزن أكثر من بت واحد فقط.

أُجريت الدراسة على جزء صغير من منطقة الحصين لدى فأر تجارب، ما يعني أن تطبيق نتائجها على كامل دماغ الفأر أو الإنسان حتى ليس واضحًا تمامًا. أشارت جاي لو إلى أن القدرة على تحديد اختلاف سعة تخزين البيانات بين مناطق الدماغ المختلفة والأنواع المختلفة أمر مثير للاهتمام.

أكمل كيفن فوكس قائلًا إن الفريق سيتمكن في المستقبل من الاستعانة بأساليب الدراسة هذه لمقارنة سعات التخرين للمناطق المختلفة من الدماغ. قد تُستخدم الأساليب أيضًا لدراسة منطقة معينة من الدماغ في حالتها السليمة، ومقارنتها بحالتها المصابة بمرض عصبي ما.

اقرأ أيضًا:

تخزين الذكريات الجديدة يسبب ضررًا لخلايا الدماغ

الجانب المظلم للأجهزة والشرائح التي تزرع في الدماغ

ترجمة: رهف وقّاف

تدقيق: ريم الجردي

مراجعة: هادية أحمد زكي

المصدر