أن يكون المرء حاضرًا مع نفسه في اللحظة الراهنة، وواعيًا ومتأملًا لذاته، كل هذه أمور ضرورية تشير إلى إدراك المرء لتجربته الخاصة التي تتكرر في فترات قصيرة وتعد طريقة شاملة لرؤية دورة الحياة بأكملها، إذ ينمّي الفضول توقّد الذهن وتفتحه.

يمضي الوقت بسرعة كبيرة، وتمر السنين بلمح البصر ويمكننا بسهولة أن نخدع أنفسنا بأمور كالعنصرية والانحياز الجندري والمعاناة الكبيرة غير الضرورية في العالم والتسامح مع الطغيان والسعي وراء غايات فارغة وكيفية قضاء حياتنا. ولكن ما هو البديل الأفضل بالنظر إلى الوراء ورؤية تجاربنا؟

توجد لحظات في الحياة تتفتح فيها بصيرتنا وندرك فيها ما قد نسيناه مؤقتًا، تلك اللحظات الممتعة التي نلاحظ فيها توقفنا عن ملاحظة أمور بديهية، ويمنح إدراك المرء لسير نشاطاته الحياتية المختلفة حسًا ما بالأمان، ما يؤدي إلى الاندماج مع وعي يقود الحياة.

توجد طريقة حازمة ليكون المرء واعيًا باختياره ولكنها لطيفة في الوقت ذاته، وتقريبًا يرى المرء نفسه بها غريبًا محبوبًا، وأن يكون الشخص غريبًا بالنسبة إلى نفسه قد يؤدي لعزلته أو إحساسه بالعدمية، ولكنه قد يكون أيضًا بداية لحب النفس ورؤيتها بشكل جديد. أما اقتراب المرء من نفسه قد يشكل تهديدات متنوعة منها ما هو حقيقي وما هو متخيّل، ولكن من المهم أن نحترم حدودنا مع أنفسنا في قراراتنا المصيرية لنكون مجهزين جيدًا لمواجهة الحياة.

استكشاف الذات أمر معقد، إذ يوجد العديد من الطبقات والخيارات التي يعد استكشافها كلها وبحثها أمرًا شاقًا، وكذلك استخدامها كلها ضمنيًا أمر غير منطقي. ولكن فيما يلي أسئلة وملاحظات قد تكون مفيدة، قد لا تكون صياغتها منمقة أو أفكارها من أبحاث، ولكن نأمل أن تكون أسئلة داعمة ومحفزة للتفكير.

ستة أسئلة أساسية لتأمل الذات.. أسئلة مألوفة ولكن من وجهة نظر مختلفة - إدراك المرء لتجربته الخاصة التي تتكرر في فترات قصيرة

1. لمَ أفكر بهذا؟

يقصد بذلك الأفكار التي نفكر بها في اللحظة الحالية، ومع أن السؤال قد يبدو فضوليًا لكنه قد يكون منتقدًا إذا سئل بنبرة توبيخية للذات، وقد يساعد هذا السؤال في الوصول إلى أصول سلسلة من الأفكار المتتابعة أو التجارب المتكررة، ومن طرق التعبير الأخرى عن هذا التساؤل أن تسأل كيف حدث ذلك؟ ومتى لاحظت الأمر للمرة الأولى؟

2. ماذا يحدث؟

هذا ما يدور في عقلي، وهذه عملية إدراك حتى لو تغيّر المضمون، فلا شك من وجود شعور بالجزم. قد تكون الإجابة فكرة عابرة أو رفيقًا مألوفًا، ولكن تكرار هذا التجربة الشاملة للأفكار والمشاعر والسلوك أمر مفيد. ويمثل هذا حالة الراحة للدماغ أو ما يسمى بشبكة النمط الافتراضي، لا ينتبه معظم الناس إلى هذه الضوضاء في الخلفية وهي ليست عشوائية بالكامل، فأجزاء كبيرة منها تبقى ثابتة مع مرور الوقت. ولكن يبقى موضوع عملها كما نأمل أمرًا منفصلًا.

3. ماذا أرى؟

وبعبارة أدق، علام ينصب تركيزي؟ فالكثير مما نفكر فيه بصريُّ، والعقل نظام عالي العشوائية أي إن له حالات متنوعة. وكما قال الفيزيائي إيميرسون بو: «إذا كان الدماغ البشري بسيطًا كفاية لنفهمه، سنكون بسطاء لدرجة أننا لن نفهمه».

يمكننا تخيل كل شيء إذا توفر لنا وقت كافٍ، ولكن في الواقع لعقولنا قدرة محدودة على الاحتفاظ بالمعلومات في لحظة معينة، وهنا تكمن المفارقة بأن العقل غير محدود بذاته لكنه مقيد بشدة في الوقت نفسه، فنظريًا يمكننا أن نفكر بعدد هائل من الأشياء أو الشعور بها وقولها، ولكن بالتعبير البصري يمكننا التحكم بمدى بعدنا عن الشيء الذي نركز عليه فنبتعد عنه نوعًا ما دون انفصال كامل.

4. هل أستمع؟

هل توقفت عن الاستماع إلى ما هو مهم بالنسبة لي؟ إن الإنصات مهم لأنه يمكّننا من توسيع مجال أصوات أفكارنا الخاصة، إذ يُقال عادة إن الأصوات الأكثر خفوتًا تكون أكثرها أهمية، تتغافل شبكة النمط الافتراضي عن بعض التفاصيل، وهذا أمر صحي وخلّاق وبنّاء إذ يسمح لنا ذلك بإيجاد أشياء مثيرة للاهتمام قد تكون ذات أهمية كنا سنتخطاها دون اهتمام.

تتذكر شبكة التحكم التنفيذية الأولويات وتنفذ المهام وتدير الموارد، بينما تحدد شبكة الأمور الهامة ما يجب الاهتمام به وما يجب تجاهله لدرجة كبيرة بناء على التجارب السابقة سواء كانت هذه التجارب جيدة أم سيئة. وعليه فإن صفاء التفكير يجعل الاستماع أسهل.

5. هل أستخدم حواسي كلها؟

تترافق طرق الانتباه مع أشكال حسية كالشم أو السمع أو اللمس أو الإحساس الجسدي أو استقبال الحس العميق، أو الإشارات البسيطة الأولية كمستويات التوتر والثبات أو الشعور بالاجتثاث أو التأصل. ويتطلب الأمر انتباهًا دقيقًا إلى التفاصيل للشعور بالذات، فأي شعور قد يكون دليلًا على إدراك داخلي. ولكن الانغماس في العالم الرقمي حد قدرتنا على صقل طرق أخرى للشعور، فالنظم السمعية البصرية تستخدم كثيرًا وهي متطورة جدًا. إن التكيف مع الواقع الافتراضي يصعب تجسيد حضورنا كما نتوقع ويجعلنا معتادين على التحفيز الواضح، ويغير الطريقة التي نترابط بها مع بعضنا البعض.

6. هل أنا حاضر؟

إن هذا التساؤل يمكن أن يعيدنا إلى الحاضر، ما قد يكون غامرًا بالمشاعر أو لا. تتداخل الميول العصبية مع التردد والقلق، ويشبه الأمر بناء جسر معلق في وادٍ لا يمكنك رؤية الجانب الآخر منه.

إن كوننا حاضرين يستهلك طاقاتنا العقلية موقفًا العديد من المهام العقلية الأخرى، ويعني أيضًا عدم قدرتنا على التفكير بالماضي والمستقبل بالطريقة نفسها وذلك بسبب وجود حس زمني بوجودنا في الحاضر. إن التخطيط طويل الأمد من وجهة النظر هذه يشبه مخططًا أوليًا غير واضح الملامح.

نقاط حاسمة

إن وعيًا أكبر أمر مهم في وقتنا هذا، بوجود أحداث عالمية كجائحة فيروس كورونا أو الحركة التي تسبب بها مقتل جورج فلويد، ففي لحظات الخطر والأمل كهذه يكون التأني أمرًا جيدًا حتى عندما يكون التحرك الفوري مطلوبًا.

تمثل الاستجابة لجائحة فيروس كورونا تأنيًا وتكيفًا على مستوى جيل كامل، وفي الوقت نفسه توجد حاجة ضرورية لإصلاح مشاكل ثقافية كالعنصرية والتحيز الجندري وأشكال انعدام المساواة الأخرى.

ويأتي السؤال: هل كانت البشرية متيقظة لأفعالها أم لا؟ سواء كنا واعين لذلك أم لا، كوننا حاضرين يسمح بتأمل تجاربنا الشخصية ما يعطي إمكانية للانتباه إلى ما نتجاهله عادة أو نغفل عنه.

اقرأ أيضًا:

ماذا تعرف عن اللامفرداتية «ألكسيثيميا»؟

تأثير الإجازات/العطل والتأمل على صحتنا

ترجمة: ليلان عمر

تدقيق: محمد حسان عجك

المصدر