عشية انعقاد أهم مؤتمر عالمي للمناخ منذ سنوات، كشف تقرير نهائي للأمم المتحدة بأنّ العالم لا يفي بعهوده بخصوص خفض انبعاثات غازات الدفيئة، وبأنه ربما يجب حتى أن نفكر أبعد مما كان يُعتقَد سابقًا.
يقول التقرير أنّ سبعة بلدان رئيسية -بما فيها الولايات المتحدة- متخلّفة عن الوفاء بالتزاماتها التي تعهّدت بها في باريس قبل ثلاث سنوات، وبأن قليلًا من الوقت قد تبقى لاعتماد تدابير سياسية أكثر طموحًا للحد من انبعاثاتها.
وقال فيليب دروست (Philip Drost)، رئيس اللجنة التوجيهية لتقرير “فجوة انبعاثات الغازات” السنوي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP) الذي صدر في باريس يوم الثلاثاء، بأنه لدينا أدلة جديدة على أن الدول لا تقوم بما يكفي.
ومن المرجح بأن يؤثر هذا الحكم بشدة خلال اجتماع الأمم المتحدة حول المناخ الذي يبدأ في بولندا الأسبوع المقبل، حيث من المقرر أن تناقش الدول مدى وفائها من عدمه بالأهداف المحددة في اتفاقية باريس المناخية لعام 2015.
ويخلص تقرير الـ UNEP إلى أنه مع استمرار تزايد الانبعاثات العالمية كما هو الحال لعام 2017، فإنه من غير المحتمل أن تصل إلى الذروة بحلول عام 2020.
ومع ذلك، فإن مثل هكذا ذروة -وهي مطلوبة قبل حدوث أي انخفاض في الانبعاثات- هي تقريبًا إلزامية إذا كان العالم سيحظى بفرصة لتحقيق هدف اتفاقية باريس الأكثر أهمية: الحد من ارتفاع حرارة الكوكب إلى أقل بكثير من درجتين مئويتين (3.6 درجة فهرنهايت) فوق مستويات ما قبل عصر الصناعة.
وقال كيلي ليفين (Kelly Levin) المحلل في معهد الموارد العالمية وأحد المؤلفين الرئيسيين للتقرير: «تشير كل الإفادات العلمية إلى أنّ الذروة بحلول عام 2020 أمر بالغ الأهمية. وإذا فاتك ذلك، فنحن نعتمد على تخفيضات أكبر للانبعاثات في المستقبل».
علاوة على ذلك، يخلص التقرير إلى أن الفجوة بين وعود البلدان في باريس ومستويات الانبعاثات (التي من الضروري أن تبقى منسجمة مع اتفاقية باريس) أكبر مما كان يُعتقد سابقًا.
وبسبب كل هذا -كما يقول التقرير- أصبحت الرهانات أعلى الآن. والمخاوف بشأن المستوى الحالي للطموح والعمل تتضخّم الآن مقارنة بالسنوات السابقة.
بلغت الانبعاثات العالمية الحالية 53.5 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون في عام 2017؛ وإذا كانت جميع البلدان تفي بجميع الوعود التي قطعتها في باريس، فإن الانبعاثات ستصل أيضًا إلى حوالي 53 مليار طن في عام 2030.
(من المتوقع أن تنمو الانبعاثات مع نمو السكان والاقتصادات، وبالتالي، في ظل وعود باريس الحالية فإن العالم سيجري ليعود لذات النقطة!)
هذا يضع العالم على الطريق إلى حوالي 3 درجات مئوية (5.4 درجة فهرنهايت) من الاحترار الكلي بحلول 2100.
وهنا الفجوة كما وجد تقرير الUNEP بأن الانبعاثات يمكن أن تبلغ حوالي 40 مليار طن سنويًا في عام 2030 وهذا ما سيضمن فرصًا جيدة لحدوث احترار بحوالي درجتين مئويتين.
ومن أجل احترار بمقدار 1.5 درجة مئوية، يجب أن يهبط مقدار الانبعاثات إلى 24 مليار طن أو نحو ذلك بحلول ذلك العام -وهو انخفاض حاد للغاية.
وفي سيناريو يقع في المنتصف والذي هو متطابق أيضًا مع لغة اتفاقية باريس لكنه يأتي بمخاطر أكبر لكوكب الأرض، فإنه للإبقاء على احترار أقل من 1.8° يجب أن تنخفض الانبعاثات إلى حوالي 34 مليار طن بحلول عام 2030.
بالفعل، ارتفعت درجة حرارة الأرض حوالي 1 درجة مئوية -1.8 درجة فهرنهايت- عن درجات حرارة ما قبل عصر الصناعة، كما هو مسجّل في الجزء الأخير من القرن التاسع عشر.
ولأن هذا الرقم هو متوسط عالمي، فإن بعض المناطق -خاصة القطب الشمالي- أكثر دفئًا من ذلك بكثير.
ووجد التقرير أن الإجراءات الحالية التي اتخذتها البلدان المسببة بشكل رئيسي للانبعاثات (والتي وافقت جميعها في عام 2015 على أن تكون جزءًا من اتفاق باريس بشأن المناخ، رغم أن الولايات المتحدة تتراجع الآن) ليست كافية لمنع نصف درجة أو أكثر من الاحترار.
وقال دروست بأننا نحتاج إلى طموح أكبر بثلاث مرات لسد “فجوة الدرجتين”، وطموح أكبر بخمس مرات لإغلاق “فجوة ال 1.5 درجة”.
وفي سياق الدعوة إلى اتخاذ المزيد من الإجراءات في فترة زمنية قصيرة للغاية، تتطابق الوثيقة الجديدة مع الحكم القاسي الذي توصّل إليه الشهر الماضي العلماء الذين يشكلون جزءًا من الفريق الحكومي الدولي المعنيّ بتغيير المناخ التابع للأمم المتحدة.
وخلص تقريرهم إلى أن الانبعاثات العالمية يجب أن تُقلّل بحدة، وأن هذا يجب أن يحدث خلال 12 سنة بحلول عام 2030 للحفاظ على فرصة للحد من ارتفاع درجات الحرارة إلى 1.5 درجة مئوية.
لكن وثيقة الـ UNEP تقدّم تحليلًا سياسيًا أكثر مباشرة، وربما حتى توجّه بعض أصابع الاتهام.
تمر هذه الوثيقة عبر الدول الأعضاء في مجموعة العشرين واحدة تلو الأخرى، ساردة الأعضاء التي لم تفِ بعهودها التي قطعتها في باريس قبل ثلاث سنوات (العهود التي هي نفسها قليلة للغاية للحفاظ على التحكم بارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض).
وتصدّر بلدان مجموعة العشرين مجتمعة 78% من انبعاثات غازات الدفيئة في الكرة الأرضية.
ويخلص تقرير الـ UNEP إلى أن سبعة من هذه البلدان -الأرجنتين وأستراليا وكندا وجمهورية كوريا والمملكة العربية السعودية وجنوب أفريقيا والولايات المتحدة- ليست في طريقها للوفاء بوعودها في باريس لعام 2030.
وكذلك أيضًا الاتحاد الأوروبي بأكمله.
العديد من بلدان مجموعة العشرين الأخرى -روسيا والهند وتركيا- في طريقها بالفعل إلى تحقيق وعودها في باريس بقياس جيد، لكن التقرير يتساءل عما إذا كان هذا يرجع جزئيًا إلى أنهم قد وضعوا طموحاتهم مستوى متدنٍّ للغاية.
بالنسبة لدولتين من مجموعة العشرين -المكسيك وإندونيسيا- ليس واضحًا أين هما فيما يتعلق بأهدافهما. وحتى بالنسبة لهذه الدول القليلة التي تسير على الهدف -البرازيل والصين واليابان- هناك الكثير مما يدعو للقلق.
على سبيل المثال، لقد انتخبت البرازيل للتو زعيمًا شعبويًا، يائير بولسونارو(Jair Bolsonaro)، ويتخوّف البعض من أن يسن سياسات قد تؤدي إلى إزالة مزيد من الغابات في غابة الأمازون الشاسعة، وبالتالي، ستنبعث غازات الدفيئة بكمية أكبر بكثير من البرازيل.
في ضوء كل هذا، من غير المفاجئ أن الانبعاثات العالمية قد صعدت مرة أخرى في العام الماضي بعد ثلاث سنوات -2014 حتى عام 2016- إذ بدا أنها تثبت.
ويبدو الآن أن الفجوة الوجيزة لارتفاع الانبعاثات مجرد ومضة بسيطة. بشكل عام، يستمر العالم في التحرّك في الاتجاه الخاطئ، وكما يظهر تحليل مجموعة العشرين، فإن اللوم يمكن أن ينتشر.
وقال غلين بيترز (Glen Peters)، مدير الأبحاث في مركز المناخ الدولي والبحوث البيئية في أوسلو ومؤلف التقرير: «تحتاج البلدان الغنية إلى تخفيضات أسرع للانبعاثات، والبلدان الفقيرة بحاجة إلى إبطاء النمو، ولا أحد يقوم بما فيه الكفاية».
لا تكمن المشكلة فقط فيما تفعله الدول أو لا تفعله -بل هو فهمنا المتطور لما هو ضروري وما هو ممكن حتى.
يجد تقرير الـ UNEP الجديد فجوة أكبر بين وعود العالم ومستويات الانبعاثات المسموح بها في عام 2030، خاصة إذا أردنا أن نقلّص من ارتفاع درجة حرارة الأرض إلى أقصى حد يصل إلى 1.5 درجة مئوية.
في العام الماضي فقط، وجد التقرير أن فجوة الانبعاثات لدرجة الحرارة 2 درجة مئوية هي من 11 مليار إلى 13.5 مليار طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في عام 2030، في حين إن الفجوة لأجل 1.5 درجة مئوية من 16 إلى 19 مليار طن.
لكن هذا العام، ينقّح التقرير هذه الأرقام. وتبلغ الفجوة لأجل درجة الحرارة 2 مئوية الآن 13 مليار إلى 15 مليار طن في عام 2030، أما بالنسبة لـ 1.5 درجة فتبلغ 29 مليار إلى 32 مليار طن.
قد يبدو الشكل الأخير على وجه الخصوص تغييرًا مثيرًا للصدمة، لكن من المهم فهم كيفية حدوثه.
لقد أصبح العلماء أكثر انتقادًا لسيناريوهات درجة الحرارة والانبعاثات المستقبلية التي تحتوي على كمية كبيرة من “الانبعاثات السلبية” -وذلك بالاستناد على التكنولوجيات واسعة النطاق لإزالة الكربون من الهواء.
عند برمجتها إلى نماذج حاسوبية، أعطت هذه التقنيات انطباعًا بأن العالم يمكن أن يتجاوز مؤقتًا هدف درجة حرارة معين، مثل 1.5 درجة مئوية، بمقياس جيد ولكن بعد ذلك تبرَّد الأرض مرة أخرى من خلال إزالة الكربون.
لكن الانتقاد آخذ في التزايد، إذ إن التكنولوجيات المطلوبة غير موجودة على نطاق واسع بعد وتتطلب كميات هائلة من مدخلات الأراضي والطاقة، أو تسبب اضطرابات أخرى تجعلها غير شعبية ويصعب التوسع بها.
وقال ليفين: «الكثير من أحدث المؤلفات العلمية حاولت أن تكون أكثر حذرًا بشأن الاعتماد على إزالة الكربون على نطاق واسع».
وهذا أحد الأسباب بأن فجوة الانبعاثات تبدو أكبر الآن: فمع انخفاض الانبعاثات السلبية في وقت لاحق من هذا القرن، يجب أن تكون تخفيضات الانبعاثات الأكبر في الحاضر والمستقبل القريب.
سبب آخر للفجوة المتنامية هو أكثر اصطناعية؛ وهو حول كيف يتم تنظيم التحليل.
يحلّل التقرير الجديد الآن مسارات المناخ والانبعاثات المحتملة في ثلاثة إطارات -تلك التي تحدّ من الاحترار إلى 2 درجة، 1.8 درجة و 1.5 درجة- بدلًا من اثنين (لدرجتين و 1.5 درجة)، كما في السنوات السابقة.
والنتيجة هي أن السيناريوهات الأكثر صرامة هي الوحيدة التي يتم تضمينها الآن في المجموعة 1.5 درجة، كما قال بيترز، في حين إن السيناريوهات التي لا تزال متوافقة مع اللغة الفنية لاتفاقية باريس -(في مجموعات الحرارة التي تتجاوز 1.5 درجة، ولكن ليس 2 درجة)- تسمح بانبعاثات أكثر بعض الشيء.
إذًا، في النهاية، يتعلق الأمر بمقدار من المخاطرة الذي نرغب في تحمله مع هذا الكوكب.
وقال بيترز: «هناك قدر كبير من الهواء بين النطاق 1.5 ونطاق درجتين».
بغض النظر عن أي شيء، يبدو من المؤكد أن التقرير الجديد سيؤدي إلى المزيد من البحث عن الذات في قمة المناخ التي تعقد على مدار أسبوعين في بولندا. وقال ليفين: «لقد زادوا حقًا هذه الرسالة بإلحاح.
يمكننا أن نضيف هذا إلى كومة التقارير التي هي نداءات واضحة للعمل، والنداء يزداد مع كل دقيقة نؤجلها».
- ترجمة: خالد حجار
- تدقيق: رزان حميدة
- تحرير: صهيب الأغبري
- المصدر