عُرف المصريون القدماء بأهراماتهم، والإغريق بمعابدهم وتماثيلهم، وعُرفت حضارة المايا بتقويمها الشهير، وبالمقابل هناك حضارات أخرى في تاريخ العالم لم تحصل على المكانة نفسها، وإليك في هذا المقال، عددٌ من الحضارات التي فقدت منذ أزمنةٍ بعيدة، ولم تحظَ بالقدر نفسه من التشريف والذكر.
1- حضارة مملكة شلا:
تعد مملكة شلا واحدةً من أقدم، وأطول السلالات الملكية، إذ حكمت معظم شبه الجزيرة الكورية، بين عامي 57 و935 ق.م، ولكنها خلفت القليل من الآثار، التي صعبت المهمة على دراستها من خلال علماء الآثار.
وقد أعطت الاكتشافات الأخيرة في شلا الباحثين القليل من الفهم، إذ عثروا على عظامٍ سليمةٍ لامرأةٍ في الثلاثين من عمرها عام 2013م، وذلك بالقرب من العاصمة التاريخية لشلا، المعروفة باسم (غيونغو)، وكشفت التحليلات عن عظام المرأة، أنها قد تكون نباتيةً ذات حميةٍ غذائيةٍ نباتيةٍ، إذ كانت تأكل الأرز، والبطاطا، والقمح، والذي أوحى بذلك، هو جمجمتها ذات الشكل الطويل، أو المستطيل.
تأسست شلا من قبل الملك (باك هيوكجيوس Bak Hyeokgeose – (، تقول الأسطورة: إنه خرج من بيضةٍ غامضةٍ في الغابة، وتزوج ملكةً وُلِدَت من أضلاع التنين، ومع مرور الوقت، تطورت ثقافة شلا إلى مجتمعٍ مركزيٍ هرميٍ مع طبقةٍ أرستقراطيةٍ غنيةٍ، وعلى الرغم من أن بقايا الحفريات البشرية في مجتمع شلا نادرةً، اكتشف علماء الآثار مجموعةً متنوعةً من الآثار الفاخرة التي تقدمها هذه الثقافة، مثل: خنجرٍ مصنوعٍ من الذهب والعقيق، ولباد من الحديد الزهر، و يشم ومجوهرات، ومن بين الأمثلة الأخرى التي عرضت في متحف جيونغ جو الوطني في كوريا الجنوبية، هذه الصورة:
2- حضارة مملكة السند:
إن أكبر ثقافة حضارية قديمة معروفة في أرض الشعوب الممتدة على طول نهر السند في باكستان الحديثة إلى بحر العرب، والغانج في الهند، هي حضارة السند، إذ استمرت هذه الحضارة آلاف السنين، وظهرت حوالي عام 3300 ق. م، وانتهت بحلول عام 1600 ق. م.
قامت مملكة السند المعروفة أيضًا باسم هارابانس، بتطوير أنظمة الصرف الصحي لمدنها، وبنت جدرانًا رائعةً، ومخازن حبوبٍ، وأنتجت قطعًا أثريةً، مثل: الفخار، والخرز المزجج، وكان لديهم رعايةً صحيةً للأسنان – كنايةٌ عن التقدم في مجال الطب -، وقد وجد العلماء -وَفقًا لدراسةٍ نشرت عام 2006م، في مجلة الطبيعة- 11 ضرسًا لبالغين عاشوا بين الـ 7500 إلى 9000 سنةً في وادي السند، وقد أشارت الدراسة التي أجريت عام 2012م، إلى أن التغير المناخي أدى إلى إضعاف الأمطار الموسمية، وتجفيف جزءٍ كبيرٍ من أراضي هارابانس، مما أجبر الحضارة على التحلل تدريجيًا، والهجرة إلى الأجواء الأكثر رطوبة.
3- مملكة سانكسينجدوي:
ظهرت حضارة سانكسينجدوي في العصر البرونزي، وقد ازدهرت هذه الحضارة في المناطق القديمة، لما يعرف الآن بمقاطعة سيتشوان الصينية، واكتشفت مزارع من عجائب سانكسينجدوي عام 1929م أولًا، ثم اكتشفت الحفريات في المنطقة عام 1986م، وهي عبارةٌ عن نقوش اليشم المعقدة، والمنحوتات البرونزية التي تبلغ 8 أقدام، أي: (2.4 متر) طولًا.
من هم أهل حضارة سانكسينجدوي؟
على الرغم من الأدلة على القدرات الثقافية لهذه الحضارة، لا أحد يعرف يقينًا من أهل هذه الحضارة فقد صنعوا أقنعةً من البرونز، والذهب بغزارة، ويعتقد بعض علماء الآثار – وفقا لمتحف سانكسينجدوي في الصين- أنها قد تمثل الآلهة، أو الأجداد،، ويُظهر موقع سانكسينجدوي أدلةً على تحلل هذه الحضارة منذ حوالي 2800 أو 3000 سنة مضت.
واكتشفت مدينةٌ أخرى قديمةٌ اسمها (جينشا)، تبين الأدلة أنه ربما انتقلت حضارة سانكسينجدوي إليها، وفي عام 2014م، قال الباحثون في الاجتماع السنوي للاتحاد الجيوفيزيائي الأمريكي:
إنه في هذا الوقت تقريبًا، أعاد زلزال كبيرٌ وانهيارٌ أرضيٌ، توجيه نهر مينجيانغ، مما كان سيؤدي إلى قطع المياه عن ممكلة سانكسينجدوي، ومن ثم أجبروا على إعادة التوطين.
4- حضارة النوق:
امتدت حضارة النوق الغامضة في الفترة من سنة 1000 ق.م، إلى 300 بعد الميلاد، فيما هو معروفٌ اليوم بشمال نيجيريا، وتم العثور على أدلةٍ لحضارة النوق عن طريق الصدفة، خلال عملية استخراج القصدير عام 1943م، ووفقًا لمتحف متروبوليتان للفنون في نيويورك، كشف عمال المناجم عن رأس (تيرا كوتا) التي تكشف دقةً كبيرة في النحت، ومنذ ذلك الحين، ظهرت تماثيل أخرى من التيرا كوتا، بما في ذلك تصوير الأشخاص الذين يرتدون مجوهراتٍ تفصيلية، ويحملون الهراوات والبراغي – رموزُ السلطة التي تظهر أيضًا في الفن المصري القديم، وفقًا لمعهد مينيابوليس للفنون -، وتظهر منحوتات أخرى أشخاصًا يعانون من أمراضٍ، مثل: داء الفيل.
ربما تسبب استخراج الكثير من التحف، دون تحليلٍ أثريٍ كافٍ إلى هذا الكم من الغموض الذي يحيط بحضارة النوق عام 2012م، وقد أعادت الولايات المتحدة عددًا من تماثيل النوق إلى نيجيريا، بعد أن سرقت من المتحف الوطني في نيجيريا، وهربت إلى الولايات المتحدة.
5- الحضارة الإتروسكانية:
كونت الحضارة الإتروسكانية مجتمعًا مزدهرًا في شمال إيطاليا في الفترة من حوالي 500، إلى 700 ق.م، وعندما بدأت الجمهورية الرومانية في الاستحواذ عليها، طوروا لغةً مكتوبةً فريدةً من نوعها، وتركوا وراءهم مقابر عائليةٍ فاخرة، بما في ذلك واحدةٌ تنتمي إلى أميرٍ تم الكشف عنه لأول مرةٍ عام 2013م.
كان المجتمع الإتروسكاني ثيوقراطيًا – دولةً دينيةً -، وتشير القطع الأثرية إلى أن الطقوس الدينية كانت جزءًا من الحياة اليومية، وتم العثور على أقدم تصويرٍ للولادة في الفن الغربي – آلهةٌ تجلس القرفصاء لتضع مولودًا – في الحرم الإتروسكاني في بوجيو كولا، وفي الموقع نفسه، وجد علماء الآثار بلاطةً من الحجر الرملي بحجم 4 أقدام في 2 قدم، أي: (1.2 بنسبة 0.6 متر)، تحتوي على نقوشٍ نادرةٍ باللغة الإتروسكانية، وقد بقيت عدد قليل من الأمثلة على الكتابة الإتروسكانية على قيد الحياة، وفي موقع إتروسكاني آخر، يسمى بـ (بوجيو سيفيتات)، يوجد مجمع مربع يحيط بفناء، يقول عنه علماء الآثار الذين اكتشفوا أكثر من 25 ألف قطعةٍ أثريةٍ فيه: “إنه أكبر مبنى في محيط البحر الأبيض المتوسط في ذلك الوقت”.
6- بلاد بونت:
بعض الثقافات معروفةٌ في الغالب من خلال سجلات الثقافات الأخرى، وهذا هو الحال مع البلاد الغامضة التي تسمى بلاد بونت، ربما هي مملكةٌ في مكانٍ ما في أفريقيا، كانت تتاجر مع المصريين القدماء، وكانت المملكتان تتبادلان البضائع منذ القرن السادس والعشرين ق.م، على الأقل، في عهد الملك خوفو (باني الهرم الأكبر بالجيزة).
والغريب، أن لا أحد يعرف حقًا أين تقع بلاد بونت، وقد ترك المصريون الكثير من الأوصاف للبضائع التي حصلوا عليها من بونت، وهي: (الذهب، الأبنوس، المر)، والرحلات البحرية التي أرسلوها إلى المملكة المفقودة، ومع ذلك، فقد تكتم المصريون على هذا المكان الذي توجهت له كل هذه الرحلات، وقد اقترح العلماء أن بونت قد تكون في الجزيرة العربية، أو على القرن الأفريقي، أو ربما أسفل نهر النيل على الحدود في جنوب السودان الحديثة وإثيوبيا.
7- حضارة بيل بيكر:
اكتسبت هذه الحضارة الغامضة اسمها من قبل علماء الآثار، على أساس التحف التي خلفتها وحدها، وصنعت حضارة (بيل- بيكر) أواني الفخار على شكل أجراسٍ مقلوبةٍ، وعاش صناع كؤوس الشرب المميزة هذه في جميع أنحاء أوروبا في الفترة من 2800، و1800 ق.م، كما تركوا وراءهم قطعًا أثريةً من النحاس والقبور، بما في ذلك 154 مقبرة تقع في جمهورية التشيك الحديثة.
كانت بيل- بيكر مسؤولةً أيضًا عن بعض البناء في ستونهنج، ويزعم الباحثون أن: هذه الشعوب هي التي رتبت الأحجار الزرقاء الصغيرة في هذا الموقع الموجود فيما يعرف حاليًا بـ (ويلز).
• ترجمة: مصطفى العدوي.
• تدقيق: رجاء العطاونة.
• تحرير: إيناس الحاج علي.
• المصدر