بعد رحلة تاريخية دامت ستة أشهر، وصلت مركبة «كيوريوسيتي» الخاصة بوكالة ناسا إلى منزلها الجديد؛ كوكب المريخ. بحلول هذا الشهر تُتم المركبة عامها السابع منذ انطلاقها من الأرض، وسنقوم بعرض أبرز العجائب التي أوصلتها إلينا من على سطح المريخ احتفالًا بهذه الذكرى. تعيش المركبة حياةً معزولة وحيدةً على فوهة غيل المريخية. في الحقيقة، تعتبر المركبة الوحيدة الموجودة على سطح المريخ حاليًا، وذلك بعد أن أُعلِن عن فقدان مركبة «أبورتيونيتي» هذا العام في عاصفةٍ هوجاء، بعد حوالي 15 سنة من وصولها إلى الكوكب.
رغم أن زمن المهمة الرئيسية للمركبة التي تعمل بالطاقة النووية حُدِّد بسنتين فقط سابقًا فإن كيوريوسيتي تعمل بشكلٍ رائع، مُدِّدَ عملها لأجلٍ غير محدود في ديسمبر 2012 نظرًا لكفاءتها.
حتى الآن، تجولت المركبة مسافة 21 كيلومتر حول فوهة غيل، وتسلقت 368 متر من قاعدة جبل شارب. خلال تلك الرحلات، شهدت الأعين الآلية للمركبة مناظرًا لم يرها إنسان من قبل قط، كما تذوقت تربة ورياح المريخ، وأرسلت كنزًا ثمينًا من البيانات نحو الأرض.
مياه سائلة على المريخ!
نحن الآن معتادون على فكرة احتمال وجود مياهٍ سائلة على المريخ، لكن ذلك كان أمرًا جللًا عام 2013. اكتشفت المركبة ما يبدو وكأنه مجرى نهرٍ جاف –وكانت أول مرةٍ يُكتشف شيءٌ كهذا على المريخ-. تبع ذلك اكتشاف أن فوهة غيل كانت فيما مضى بحيرةً عملاقة. وفي النهاية، تقود الاكتشافات إلى الظن بوجود مياهٍ سائلة على المريخ حتى يومنا هذا.
أكدت أجهزة رصد مدارية أخرى تلك الأدلة، ما جعلنا نراجع نظرتنا للمريخ كصحراءٍ قديمة قاحلة؛ إذ ظهرت أفكار جديرة بالاهتمام فيما يخص محاولات استعمار الكوكب مستقبلًا.
قائمة كاملة لمتطلبات الحياة
من بين أقدم اكتشافات المركبة أن كوكب المريخ ربما احتضن حياةً ميكروبية يومًا ما. تعرّف العلماء من العينات المأخوذة من صخر أديم الكوكب على عناصر، مثل: الكبريت والنيتروجين والهيدروجين والأكسجين والفوسفور والكربون. تلك العناصر تعتبر من المكونات المفتاحية لبناء الحمض النووي.
وفقًا لما نعرفه حول الحياة على الأرض، وبضم حقيقة كون المريخ كان رطبًا يومًا ما، يبدو أنه كان قابلًا لاحتضان الحياة.
حتى البورون موجود هناك
كانت مركبة كيوريوسيتي الأولى في اكتشاف معدن البورون على المريخ، وذلك في عرقٍ معدني داخل صخرة حينما كانت تتسلق جبل شارب.
يعتبر هذا الاكتشاف مثيرًا، لأنه حسب معرفتنا المبنية على ما نراه في رواسب البورون بصحراء الأرض، فإن البورون قد وصل إلى هناك عبر عملية التبخر؛ وذلك ببساطة من خلال تحلله في ماءٍ سائل درجة حرارته بين 0 و60 درجة مئوية ليجف بعدها.
درجات الحرارة تلك تدعم فكرة احتضان الكوكب للحياة، ويجب أن يتوفر الماء السائل لفترة طويلة لحصول العملية. يبقى ذلك دليلًا غير قاطع حول وجود الميكروبات، لكنها قطعة أخرى تُضَم إلى الصورة الكبيرة التي ترسم المريخ ككوكبٍ محتضنٍ للحياة في يوم من الأيام.
نفخات المريخ
بمرور الزمن، سجلت المركبة تذبذبًا في مستويات الميثان على المريخ. لم يكن ذلك التذبذب كبيرًا –ليس قريبًا حتى مما نسجله على الأرض- لكنه كان كافيًا لطرح بعض التساؤلات.
هنا على كوكبنا الأم، يُنتَج الميثان بشكلٍ رئيسي عبر عملياتٍ بيولوجية، لذلك قد يكون ما سجلته المركبة دليلًا على وجود حياةٍ ميكروبية تحت سطح المريخ. لكن لا يجب أن نشعر بإثارة زائدة عن الحدود، لأننا نعلم بوجود الميثان في مناطق أخرى ضمن المجموعة الشمسية، إذ ينتج عبر عمليات جيولوجية فحسب دون تدخل الجانب البيولوجي.
يعمل علماء الكواكب وعلماء الأحياء الفلكية بجدٍ من أجل الوصول إلى سر القضية. لكنها تبقى لغزًا محيرًا حتى الآن.
مركبات عضوية على المريخ
منحت لنا كيوريوسيتي أخيرًا دليلًا قاطعًا على عددٍ من المركبات العضوية على المريخ العام الماضي. جمعت المركبات عينات من الثيوفين thiophene و methylthiophenesبنوعين 2- و 3- والميثانثيول methanethiol وثنائي ميثيل الكبريتيد dimethylsulfideــ ويشير ذلك إلى أن الكيمياء العضوية للصخور الطينية على المريخ قريبة جدًا لتلك الموجودة على الأرض.
سماء عكسية
نعلم مسبقًا أن سماء المريخ مختلفة عن سماء الأرض، لكن سمحت لنا مركبة كيريوسيتي برؤية واحدٍ من أعظم مشاهد غروب الشمس الفضائية. وكانت المشاهد غريبةً جدًا!
عكس الأرض التي تكون السماء فيها زرقاء خلال النهار ويحولها غروب الشمس إلى اللون الأحمر، تكون سماء النهار على المريخ حمراء ويحولها غروب الشمس إلى زرقاء.
خلال غروب الشمس على الأرض، تنتشر موجات الضوء في النهاية الزرقاء للطيف بسبب جزيئات الغاز في الغلاف الجوي. لا يملك المريخ الكثير من تلك الجزيئات. بدلًا من ذلك، يمتلك الكوكب الأحمر كمًا كبيرًا من الغبار؛ وذلك يشتت موجات الضوء الحمراء، ما ينتج سماءً زرقاء عند غروب الشمس.
أقمار أكثر – خسوفٌ أكثر
يمتلك المريخ قمرين؛ فوبوس وديموس، يحومان حول الكوكب بسرعاتٍ فائقة. يدور ديموس حول المريخ كل 30.3 ساعة. لكن فوبوس يستغرق 7.65 ساعة لإتمام دورة واحدة. يعتبر ذلك فرصةً هائلةً لحدوث خسوف القمر، وتمكنت كيوريوسيتي من تصويره عدة مرات.
تبدو تلك الظواهر مختلفةً كثيرًا عن خسوف الشمس من على الأرض؛ الذي يبدو كصخرة تمر من أمام الشمس ولا تتمكن من حجب ضوئها بشكلٍ كامل؛ ذلك يعود لغرابة كوكب الأرض بسبب تواجد الشمس والقمر في مسافات تسمح لهما بالظهور وكأنهما بنفس الحجم في سماء الأرض.
كنا على علمٍ بكل ذلك من قبل دون شك. لكن في بعض الأحيان، رؤية الظواهر من جوانب مختلفة يجعلنا نتذكر غرابة الكون الذي نعيش فيه.
شكرًا لك كيوريوسيتي. نتمنى أن تقضي سنوات أخرى لتظهر لنا أسرار النظام الشمسي.
اقرأ أيضًا:
هل هناك حياة على المريخ اليوم ؟
هل يمكن زراعة النباتات على كوكب المريخ ؟
ترجمة: وليد سايس
تدقيق: غزل الكردي
مراجعة: براءة ذويب