في الأسبوع الأخير من أبريل 1957 انتشرت أنباء عن اكتشاف العلماء البنية الحلزونية المزدوجة للحمض النووي، ولا شك أن جزءًا من الفضل في ذلك يعود إلى عالمة الكيمياء روزاليند فرانكلين التي كانت طالبة سابقة للعالمة ماري كوري.
وصف العلماء بنية الحمض النووي حينها بأنه المادة الجينية التي تشفر كل أشكال الحياة، وتأخذ شكل خيطين ملتفين مرتبطين معًا بخيوط كيميائية، وكان ذلك في ثلاث أوراق بحثية متتالية اشتهر مؤلفوها اليوم، بعكس روزاليند فرانكلين التي توفيت بعد فترة وجيزة بسبب سرطان المبيض، ما منعها من الاحتفال بمساهمتها العلمية أو رؤية العالم يعترف بإنجازاتها كما يجب.
بدلاً من ذلك، تشارك جيمس واتسون وفرانسيس كريك جائزة نوبل مع زميل روزاليند فرانكلين المدعو موريس ويلكينز، وألفوا الكتب الأكثر مبيعًا، وتحدثوا باستفاضة عن كيفية تجميعهم بنية الحمض النووي باستخدام البيانات المأخوذة من صورة معروفة الآن باسم الصورة 51.
وقد التقط ريموند جوسلينج هذه الصورة، وهو طالب أشرفت عليه روزاليند فرانكلين عندما أخذته لفترة وجيزة من زميلها ويلكنز، وفيها تظهر النقاط الضبابية المنتثرة المتشكلة عن انكسار الأشعة السينية بسبب البنية الجزيئية للحمض النووي. ولم تعنِ هذه الصورة شيئًا دون التفسيرات التي قدمتها روزاليند فرانكلين، ويعد المدى الذي شاركت به خبرة روزاليند فرانكلين في الوصول إلى هذا الاكتشاف محط نقاش حتى الآن.
حديثًا، كشف عالمان يكتبان سيرًا ذاتية لواتسون وكريك مزيدًا من التفاصيل حول مساهمة روزاليند فرانكلين في الكشف عن البنية الحلزونية المزدوجة للحمض النووي في رسالة لها تم التغاضي عنها ومقال إخباري غير منشور منذ الخمسينيات.
كتب العالم في علم الحيوان ماثيو كوب والمؤرخ الطبي ناثانيال كومفورت في تعليق بمناسبة الذكرى السنوية للأوراق العلمية المنشورة في مجلة Nature لعام 1953: «تشير هذه الوثائق معًا إلى قصة مختلفة لاكتشاف البنية الحلزونية المزدوجة. لم تفشل روزاليند فرانكلين في فهم بنية الحمض النووي. لقد كانت مساهمة بقدر مساوٍ للعالمين واتسون وكريك في حل هذا اللغز».
بحث كوب وكومفورت في أرشيف ملاحظات روزاليند فرانكلين لإعادة بناء أفكارها، موضحين كيف أنتجت روزاليند أكثر بكثير من الصورة التي تشتهر بها بأكثر الأحيان.
أجرت روزاليند فرانكلين كثيرًا من القياسات الدقيقة لصور انحراف الأشعة السينية، وسجلت بياناتها في تقرير غير رسمي. وعند وصول هذه البيانات إلى أيدي واتسون وكريك، استخدما هذه الملاحظات -دون إذنها- للتحقّق من صحة نموذجهما النظري للحمض النووي.
وصفت روزاليند سابقًا في مذكراتها الدراسية عام 1951 جزيء الحمض النووي بأنه: «حلزون كبير به عدة سلاسل، يحوي مجموعات فوسفات في الخارج، ويملك روابط بين المجموعات الفوسفاتية، تبعدها عن بعضها جزيئات ماء»، كما وصفتها في ندوة حضرها واتسون ورفض الفكرة عرضيًا.
أظهر واتسون وكريك تجاهلًا متعجرفًا لعمل الآخرين، واستخرجا البيانات لدعم نظريتهما حول شكل الحمض النووي بالاعتماد على المساهمات العلمية السابقة فقط، لكن كوب وكومفورت استشهدا بالوثائق المكتشفة حديثًا للدفاع عن قصة مختلفة كثيرًا.
لم تكن روزاليند فرانكلين عالمة ساذجة تعمل وحدها وتتبع طريقها الخاص، وقد كان اكتشاف بنية الحمض النووي نتاجًا لفريقين يراجعان عملهما مع بعضهماأحيانًا.
كتبت الصحفية جوان بروس في مقال غير منشور صاغته بالتشاور مع روزاليند فرانكلين: «لقد ارتبطوا ببعضهم وأكدوا عمل بعضهم من وقت لآخر، أو اختلفوا حول مشكلات شائعة».
يحاول كوب وكومفورت إعادة اعتبار روزاليند فرانكلين بصفتها عضوًا مساويًا في الرباعية التي حلت لغز البنية الحلزونية المزدوجة، وتُظهر محاولاتهم أيضًا ما يحدث عندما تشتهر نسخة شخص واحد من الأحداث وتُترك التفاصيل المكتوبة في الأوراق العلمية في الظلام.
يقترح كوب وكومفورت أن واتسون هو من شوه الواقع في كتابه الأكثر مبيعًا (اللولب المزدوج عام 1968)، إذا اختار اليوم الذي رأى فيه الصورة 51 لأول مرة بوصفها لحظة اكتشافه.
يعني هذا السرد أن واتسون استطاع بنظرة واحدة تفسير ما استغرق من روزاليند عدة أشهر، وغالبًا ما ينشره مناصرو روزاليند فرانكلين عن غير قصد ويقلل من مساهماتها،
كتب كوب وكومفورت: «هذا يعني أن الكيميائية الماهرة روزاليند فرانكلين لم تستطع تفسير بياناتها الخاصة، في حين أنه واتسون المبتدئ في علم البلورات فسّرها على الفور».
يقترح كوب وكومفورت أن واتسون و كريك قد حاولا إعادة الأمور لنصابها في ورقة بحثية نشراها عام 1954 واعترف فيها الثنائي: «صياغتنا للبنية غير محتمل، إن لم يكن مستحيلًا دون الاستفادة من بيانات روزاليند فرانكلين».
من الصعب معرفة إن كان هذا القول اعترافًا سريعًا بالذنب أو اعترافًا بالعمل الشاق الذي قامت به زميلتهم، وربما كلاهما صحيح.
حتى مع إظهار التاريخ أن روزاليند فرانكلين مساهمة بنفس القدر في فهمنا للحمض النووي، يجادل كوب وكومفورت بأن واتسون وكريك سبقاها لحل بنية الحمض النووي لعدة أسباب تعكس التمييز الجنسي الذي عانت منه روزاليند فرانكلين لأنها امرأة في المجال العلمي.
بصرف النظر عن طالب الدراسات العليا الذي أشرفت عليه لفترة، عملت روزاليند فرانكلين بمفردها دون زميل لتتبادل الأفكار معه، واستُبعدت أيضًا من مجتمع تبادل الأفكار والمعلومات غير الرسمي الذي انغمس فيه واتسون وكريك.
أصرّت روزاليند على جمع بياناتها الخاصة عن انحراف الأشعة السينية وتحليلها بالكامل قبل صياغة أي نموذج لبنية الحمض النووي، ولم تُنشر ورقتها البحثية مع جوسلينج عام 1953 في مجلة Nature إلا جنبًا إلى جنب مع الورقتين الأخريين وذلك بعد أن قدمت روزاليند فرانكلين التماسًا لنشرها.
ما تزال مسألة مشاركة ويلكينز الصورة الشهيرة 51 مع واتسون دون معرفة روزاليند فرانكلين أو إذنها حقيقة قائمة، وهي صورة واضحة للحمض النووي كما هو موجود داخل الخلايا المائية.
يقول كوب وكومفورت أن على التاريخ العلمي أن يُظهر روزاليند فرانكلين بأنها عالمة مذهلة بذاتها حققت اكتشافًا ستبقى قيمته مدى الحياة، لا شخصًا فشل في إدراك أهمية صورها.
كتب كوب وكومفورت: «إن تصحيح قصة روزاليند فرانكلين أمر بالغ الأهمية، لأنها أصبحت نموذجًا يحتذى به للنساء في مجال العلوم. لم تواجه روزاليند التمييز الجنسي المعتاد فقط في تلك الأيام، ولكن أيضًا الأشكال الأكثر شدة من التمييز الموجودة في العلم التي ما يزال بعضها قائمًا حتى اليوم».
اقرأ أيضًا:
هل سرق واتسون و كريك جائزة نوبل من روزاليند فرانكلين ؟
أجمل وأفضل أقوال روزاليند فرانكلين
ترجمة: تيماء الخطيب
تدقيق: محمد حسان عجك