رقم واحدٌ يغيّر الكون: كيف تؤثر الثوابت الفيزيائية على الكون؟
شحنة الإلكترون تساوي 1.6*10^-19 ، لماذا؟!
لماذا هذه القيمة بالتحديد؟
بالتأكيد لن يختلف الأمر كثيراً إذا ما كانت شحنة الإلكترون تّقدر بقيمةً أخرى، ولكنت سألت نفس السؤال، لماذا هذه القيمة بالتحديد؟
عندما تنظر للرقم المرفوع للأس وهو (-19) تجد أنّهُ رقمٌ مستفزٌ بحق، فلربما لو كان الأس مرفوعاً بقيمة (-20) لم يكن ليثيرر كلّ هذه الريبة والشكوك نحوه ، فمعظم الأشخاص يشعرون براحة كبيرة عند التعامل بأرقام صحيحة وعقدية، ويشكّون في أمر الأرقام التي دون ذلك، وخاصة إذا ما كان الفارق بينها وبين القيمة العقدية التي تليها ضئيلٌ جداً ، و ربما هذا هو السبب الذي يجعلك تشكُّ في صحة حلّك لإحدى المسائل الرياضية التي تحصل فيها على الناتج النهائي بقيم كسرية و نسبية ، فأنت تقتنع بصحة الناتج النهائي للمسألة الذي قيمته 270 أكثر مما لو حصلت على ناتجٍ نهائيٍ بقيمة 263.1495 مثلاً.
وبالتالي، فمن المفترض أنّك تساءلت يوماً لماذا الأس في قيمة شحنة الإلكترون مرفوعاً لـ (-19)؟! لما ليس لـ(-20) بالضبط؟!
وهكذا يمكنك أن تكرر نفس الأمر مع قيمة كتلة الإلكترون، وثابت الجذب العام، وثابت بولتزمان، وغيرها من الثوابت الفيزيائية الأخرى.
وإذا ما تماديت في الأمر قليلاً، ربما تتساءل: لماذا الأرض بهذا الحجم وهذه الكتلة بالذات؟ ولماذا تبعد عن الشمس هذهه المسافة بالتحديد؟ ولماذا يوجد أربع قوي أساسية في الكون وليس سبعة أو تسعة؟ ولماذا تدور الإلكترونات حول النواة في هذا الاتجاه؟!…
ستبحث كثيراً في أسئلة مثل هذه، وتقلّب الكتب والمراجع العلمية، وفي النهاية لن تحصل على إجابة – أو على الأقلل إجابة تشبع فضولك – ذلك لأن هذه القيم وغيرها هي ثوابت أساسية، وليس السؤال عن لماذا هذه الثوابت لها هذه القيم بالتحديد بأهم من السؤال عن ماذا سيحدث لو لم تكن هذه القيم هكذا.
كيف تؤثر الثوابت الفيزيائية في الكون؟
ربما غالبيتكم على دراية بمفهوم الثابت الفيزيائي، وإذا لم تكن على دراية بالفعل ، فأنا أوصي بشدة أن تكمل قراءة ما يلي.
في نهاية المطاف، هذه الأرقام هي الإطار الرياضي الأساسي لكوننا كلّه ، لذلك فهي تحظى بنوعٍ من الأهمية.
في الحقيقة، كلُّ التعقيد الذي نراه في السماء ليلاً، كلّ العلوم التي لدينا، كلّ ما نراه ونعرفه ، كلُّ هذا ينبع من مجرد بضعةة أرقام.
أنا أعلم أن هذا يبدو جنونياً نوعاً ما، ولهذا السبب سأطلب منك أن تمسك شكوكك لبضع دقائق، وتسمح لي بالشرح أولاً.
الثوابت الأساسية:
يوجد حالياً فقط 26 قيمةً أساسيةً تحدّد لنا الكون كلّه.
يمكنك تخيل هذه الأرقام كأقراص اتصال Dials على آلة كونية، مضبوطة على القيم الصحيحة للسماح بوجود كوننا.
هذه الأقراص الأساسية، إذا صح التعبير، تتشارك كلّها في سمة فريدة، وهي أنّها حرفياً لا يمكن اختزالها لأعداد أكثر بساطةة (على الأقل ليس بعد).
فبحكم تعريفهم، هم أرقام أساسية.
كل ثابت أساسي يشارك نفس السمة في عدم امتلاك أي وحدات قياس.
(أعلم أن هذا يبدو مُربكاً، ولكن تحمّل معي).
هذه الأرقام لا تمتلك أي وحدات قياس؛ لأن كلّ قياسٍ يأتي من خلال هذه الثوابت.
في الواقع، الثوابت الفيزيائية هي الأرقام المتبقية من النظريات العلمية مثل النسبية العامة، ونظرية الحقل الكمومي.
وهذه الأرقام هي أبعد وأصغر قطعة في اللغز ، ولا يمكنهم تقسيم أنفسهم بأي حال.
بمعنى أنّها موجودة في النظريات كحقائق رياضية نقيّة للكون.
وبعض الأمثلة على هذه الثوابت، وليس على سبيل القصر : سرعة الضوء، كتلة الكوارك العلوي، كتلة الإلكترون، الثابتت الكوني وثابت الجاذبية، إلخ.
وجميع الثوابت المذكورة آنفاً لا يُمكن أن تتغير.
كلُّ رقمٍ منهم فريدٌ من نوعه، ولكنها تتجمع معاً لتشكّل كلَّ شيءٍ حرفياً من خلال القيم التي لا تتغير – فهذه الأرقام هي التي تُمسك الذرات معاً، وتُبقي النجوم مشتعلةً.
وبدون هذه الأرقام الدقيقة لن يكون هناك أي كون (على الأقل، ليس كما نعرفه).
وهكذا، فإن السؤال الذي يمكن طرحه هو: ماذا لو حركنا هذه الأقراص؟ ماذا لو تغيّرت هذه الثوابت؟
إن كانت نظرياتنا الحالية صحيحة ، فإنّ ذلك قد يعني كارثة بالنسبة لكوننا.
على سبيل المثال، مراقبة ثابت البنية الدقيقة Fine Structure Constant ، الذي يحدّد القوة الخام في الحقلل الكهرومغناطيسي.
إذا تم تغيير هذه الثوابت ولو بمجرد كسر صغير من قيمته الحالية؛ فإن الذرات لن تكون قادرة أبداً على التشكّل.
سيتم صد الإلكترونات بقوة بواسطة النواة، وفجأة ، لا شيء.
حسناً، ليس تماماً “لا شيء” ، سيكون هناك شيء ما، ولكننا لن نتعرف عليه على الإطلاق.
وقد يصبح الكون الجديد ساخناً ومتوهجاً بشكل أساسي، وبدون بنية مميزة.
كلّ مرّة نقوم فيها بتغيير أحد الأقراص سيتمّ تشكيلُ كونٍ جديدٍ بطريقة مختلفة إلى حدٍ كبيرٍ عن الكون الذي نراه حالياً.
هذا هو السبب في أننا يجب أن نحترم هذه الثوابت الأساسية.
على جميع المستويات، فهذه الأرقام تحدّدُنا من الكواركات إلى الكوازارات.
- إعداد: مصطفى رزق
- تحرير: ناجية الأحمد
- المصدر