لم يُرَ حتى الآن الجسيم الشبح داخل مسرع الجسيمات. رُصدت الجسيمات الدقيقة المعروفة باسم النيوترينوات في أثناء التشغيل التجريبي لكاشف جديد في مصادم الهادرونات الكبير (LHC) وهو أكبر مسرع للجسيمات في العالم موجود في مختبر سيرن بالقرب من جنيف في سويسرا، واكتشف الفيزيائيون الجسيم الشبح أول مرة داخل جهاز تحطيم الذرة في تجربة FASER في مختبر سيرن.
نُشر 24 بحثًا في مجلة Physical Review D، وهي ليست المرة الأولى التي شوهدت فيها نيوترينوات داخل مصادم الهادرونات الكبير، ولكنها أول مرة يُعثر عليها داخل مسرع جسيمات، ما يفتح الباب للعلماء لاستكشاف العالم دون الذري.
قال جوناثان فينغ المؤلف المشارك في الدراسة، أستاذ الفيزياء في جامعة كاليفورنيا في إيرفين والقائد المشارك في تجربة FASER: «لم تظهر أي علامة على وجود نيوترينوات في مصادم الجسيمات قبل هذا المشروع، هذا التقدم الهام هو خطوة لفهم أعمق لهذه الجسيمات بعيدة المنال ودورها في الكون».
يمر نحو 100 مليار نيوترينو في كل ثانية عبر خلايا جسمنا. تنتج هذه الجسيمات الدقيقة عن الانفجارات النووية للنجوم، وفي انفجارات المستعرات العظمى، وتنتشر في كل مكان عن طريق الأشعة الكونية والتحلل الإشعاعي، وفي مسرعات الجسيمات والمفاعلات النووية على الأرض. ومع انتشارها في كل مكان، ما يزال من الصعب التقاطها، لأنها لا تملك شحنة كهربائية وكتلتها معدومة تقريبًا، فهي بالكاد تتفاعل مع أنواع أخرى من المادة.
لذلك سميت الجسيم الشبح، وهي على عكس المادة العادية غير مألوفة وتنتشر بسرعة قريبة من سرعة الضوء، وهذا لا يعني أنه من الصعب اكتشافها.
اكتشفت أشهر تجارب الكشف عن النيوترينو -مثل كاشف سوبر كاميوكاندي الياباني، وتجربة MiniBooNE في مختبر فيرميلاب في شيكاغو، وكاشف آيس كيوب في القارة القطبية الجنوبية- النيوترينوات المتولدة من الشمس بنحو غير مباشر عبر تأثير إشعاع تشيرنكوف. تمامًا كالطائرة التي تتحرك بسرعة أكبر من سرعة الصوت وتسبب انفجارًا صوتيًا (دوي اختراق حاجز الصوت)، فإن الجسيم الذي يتحرك بسرعة أعلى من سرعة الضوء عبر وسط يبطئ سرعة الضوء (مثل الماء) يكون قادرًا على إحداث وهج أزرق خافت. يمكن أن يحدد العلماء مسارات الجسيمات الثانوية التي نتجت بعد أن ضربت النيوترينوات نواة ذرية ميتة عبر البحث عن هذا التوهج.
ما يزال العلماء يمتلكون تصورًا ضئيلًا لأنواع النيوترينوات عالية الطاقة التي تنتج عندما تصطدم الجسيمات ببعضها داخل مسرعات الجسيمات على الرغم من هذه التجارب للكشف عن إشارات النيوترونات التي تصل إلى الأرض من الشمس، ما دفع العلماء القائمين على تجربة FASER لإنشاء كاشف جديد يسمى FASERnu للعثور على هذه النيوترينوات المحلية.
يشبه كاشف FASERnu كاشف s’more لاكتشاف الجسيمات، ويتكون من صفائح معدنية سميكة من الرصاص والتنغستين وتحوي طبقات متعددة من المادة اللزجة التي تكشف الضوء تسمى المستحلب.
أولاً، تصطدم النيوترينوات بنواة الذرة في الصفائح المعدنية السميكة لإنتاج الجسيمات الثانوية، بعد ذلك وفقًا لفنغ تعمل طبقات المستحلب بطريقة مشابهة لفيلم التصوير الفوتوغرافي القديم حيث تتفاعل مع الجسيمات الثانوية للنيوترينو لتترك أثرًا لتتبع خطوط الجسيمات في أثناء مرورها عبرها.
اكتشف الفيزيائيون أن بعض العلامات أنتجتها النيوترينوات بتطوير المستحلب وتحليل آثار الجسيمات، ويمكنهم حتى تحديد أي من الجسيمات الثلاثة للنيوترينو (التاو أو الميون أو الإلكترون) قد اكتشفوه، وهذا يؤكد أنهم لم يختاروا فقط المكان الصحيح داخل الحلقة العملاقة التي يبلغ طولها 27 كيلومترًا للكشف النيوترونات، ولكن الكاشف الجديد كان قادرًا بالفعل على رؤيتها.
بدأ الفيزيائيون في بناء نسخة أكبر من الكاشف السابق، سيكون أكثر حساسيةً لاكتشاف الجسيمات بعيدة المنال وسيكون قادرًا على اكتشاف الفرق بين النيوترينوات وأضدادها من المادة. يخطط العلماء لاستخدام الكاشف لدراسة النيوترينوات التي ينتجها مسرع الجسيمات عندما يُشغَل مصادم الهدرونات الكبير مرةً أخرى في عام 2022.
قال كاسبر: «بالنظر إلى قوة كاشفنا الجديد وموقعه الرئيسي في سيرن، نتوقع أن نكون قادرين على تسجيل أكثر من 10000 تفاعل نيوترينو في المرة القادمة، بدءًا من عام 2022، سوف نكتشف النيوترينوات الأعلى طاقة التي أنتجها الإنسان».
ليست النيوترينوات حجر الأساس الوحيد لعلماء FASER، إذ يعمل الفريق أيضًا على تجربة لاكتشاف الفوتونات المظلمة الافتراضية التي يعتقد الفيزيائيون أنها قد تكون مرتبطةً ارتباطًا وثيقًا بالمادة المظلمة، وهي المادة الغامضة غير المضيئة التي يُعتقد أنها تمثل 85٪ تقريبًا من المادة في الكون.
اقرأ أيضًا:
البحث عن الجسيم الشبح ( النيوترينو )
نتائج جديدة من مصادم الهدرونات الكبير تتطلب فيزياء جديدة لتفسيرها
يوحي مصادم الهدرونات الكبير بوجود جسيمات غريبة وجديدة.. ربما سنحتاج إلى فيزياء جديدة لاكتشافها
ترجمة: عمرو أحمد حمدان
تدقيق: حسام التهامي