اكتُشف العام الماضي إشارات راديو متكررة غريبة من الفضاء، تُعَد خامس تدفق راديوي سريع استطعنا تتبعه من مصدره.
يختلف موقع هذه الإشارات عن موقع أي إشارات أخرى، ما دفع علماء الفضاء إلى إعادة النظر في الفرضيات التي وضعوها سابقًا عن كيفية تولد مثل هذه الإشارات.
تصدر تلك الإشارات المتكررة من مجرة حلزونية تبعد 500 مليون سنة ضوئية، ما يجعلها حتى الآن أقرب مصدر للتدفق الراديوي السريع FRBs. تنبثق هذ الإشارات تحديدًا من منطقة تبعد 7 ملايين سنة ضوئية فقط عن منطقة حية بتشكل النجوم.
يقول عالم الفضاء كينزي نيمو Kenzie Nimmo من جامعة أمستردام: «يختلف موقع الجسم جذريًّا عن مواقع التدفقات الراديوية السريعة المتكررة في كل الدراسات السابقة لها، ما يصعب التفرقة بين التدفقات الراديوية السريعة المتكررة وغير المتكررة. قد تنتج هذه الإشارات في مناطق واسعة عبر الكون، وتحتاج إلى بعض الشروط الخاصة ليمكن رصدها».
تُعَد التدفقات الراديوية السريعة من أغرب أسرار الكون، فهي ومضات صغيرة جدًّا من الإشعاع الكهرومغناطيسي، يُمكن رصدها باستخدام التلسكوبات، وتدوم لأجزاء من الثانية فقط، لكنها في هذا الوقت تصدر طاقة تفوق 500 مليون مثل طاقة الشمس.
رصدت كل من الإشارات الراديوية المُكتشفة حتى الآن مرةً واحدة فقط، ويستحيل التنبؤ بها، ويصعب تعقبها، إذ لم نستطع تحديد الأصل المجري إلا لثلاث منها فقط.
في السنوات القليلة الماضية، رصدنا إشارات راديو متكررة لكن دون نمط قابل للتمييز، واستطاع العلماء سنة 2017 تتبع أصل إحداها.
وفي العام الماضي، أعلن العلماء أن تجربة كيم CHIME الكندية رصدت 8 تدفقات راديوية سريعة كبيرة، ليبلغ عددها 10 حتى الآن، وتمكن العلماء من تعقب مصدر إحدى الإشارات الجديدة، التي تسمى FRB 180916.
استخدم فريق دولي من علماء الفضاء 8 تلسكوبات مُشاركة في شبكة التداخل الأوروبية بالغة الطول the European Very Long Baseline Interferometry Network، لمواصلة تتبع جهة الإشارة FRB 180916، ونجحوا في رصد 4 تدفقات أُخرى، ما مكنهم من التوصل إلى مصدرها، وهو مجرة حلزونية عادية تُسمى SDSS J015800.28+654253.0.
كانت FRB 121102 أول تدفق راديوي سريع معروف المصدر، إذ تمكن العلماء من التقاطها تنبثق من مجرة قزمة فقيرة بالمعادن تبعُد 3 مليارات سنة ضوئية، وطرأ عليها تشوه بسبب ما يُعرف بتأثير فاراداي Faraday effect، الذي ينتج عن تفاعل إشعاع كهرومغناطيسي مع حقل مغناطيسي.
يدل هذا على أن الإشارة FRB 121102 نتجت في بيئة قاسية، كتلك المنطقة حول الثقب الأسود في مركز المجرة، ومن المثير للاهتمام أن المنطقة تبدو قريبةً لمنطقة تشكل نجمي أيضًا.
أما الإشارات الثلاث الأخرى فكان مصدرها مجرات تقليدية، إحداها فقط كان مصدرها قريبًا من منطقة تشكل نجمي.
لكن الإشارة FRB 180916 كانت أقل تشوهًا بسبب تأثير فاراداي من الإشارة FRB 121102، ما يعني أن المصدر لم يكن بنفس القدر من المغناطيسية، وكان بعيدًا عن مركز المجرة أيضًا.
يقول عالم الفضاء بينيتو ماركوتي Benito Marcote من المعهد المشترك للشبكة الأوروبية VLBI ERIC : «نشأت الومضات المتعددة التي شهدناها في أول تدفق راديوي سريع متكرر في ظروف خاصة متطرفة في مجرة قزمة.
قدم هذا الاكتشاف لنا أول أجزاء حل اللغز، ولكنه أيضًا زاد من عدد الأسئلة بدلًا من الحلول، فمثلًا هل تختلف التدفقات الراديوية السريعة المتكررة جوهريًّا عن غير المتكررة؟ لقد حددنا موقع تدفق راديوي سريع ثان، ما جعل افتراضاتنا السابقة حول مصدر هذه التدفقات محل تساؤل».
تتضمن التفسيرات المحتملة للإشارات الراديوية حتى الآن النجوم النيوترونية، والثقوب السوداء، والنجوم النابضة مع النجوم المرافقة، وانفجار النجوم النابضة، ونجوم Biltzar، وتدفقات أشعة غاما (التي قد يسببها اصطدام النجوم النيترونية)، والنجوم المغناطيسية التي ينبع منها توهجات عملاقة.
لم يجب هذا البحث عن السؤال، لكنه قد يساعدنا على استبعاد بعض الإجابات.
قال راميش كاربوسامي من معهد ماكس بلانك لعلم فلك الراديو في ألمانيا: «مع خصائص هذا المصدر، تضعف احتمالية كون أصل الإشارات الراديوية المتكررة مصدرًا شبيهًا بالنجوم النابضة. لقد صار تحديد مثل هذه المواقع متاحًا لنا بفضل التلسكوبات الحديثة، التي قد تتيح لنا فهمًا حقيقيًّا لطبيعة هذه المصادر».
اقرأ أيضًا:
وأخيرًا حدد العلماء مصدر أحد التدفقات الراديوية الكونية الغامضة
تصميم أداة بتقنية الذكاء الاصطناعي لتعقب الإشارات الراديوية الغامضة
ترجمة: عروة ضوا
تدقيق: محمد حسان عجك
مراجعة: أكرم محيي الدين