رصد أقدم غبار في الكون حتى الآن في مجرة سحيقة
إلقاء الضوء على تاريخ الكون
(تُعزى هذه الصورة إلى كل من: الإدارة الوطنية للملاحة الجوية والفضاء (ناسا NASA)، ومختبر الدفع النفَّاث Jet Propulsion Laboratory (JPL)- معهد كاليفورنيا للتقنية (كالتيك Caltech)، وجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس University of California, Los Angeles (UCLA).)
كان الكون المُبكِّر مُلوثًّا للغاية. ويمكن الحصول على كثير من المعلومات عن تلك الحالة، من خلال اكتشاف جديد للغبار الكوني في إحدى المجرات، والتي يصل ضوءها إلينا عندما لم يكن عمر الكون سوى 600 مليون سنة.
وخلال السنوات العشر الماضية، أدرك علماء الفلك أن الغبار يتشكَّل نتيجة لانفجار المستعر الأعظم supernova الهائل الكتلة، وهي النجوم القصيرة الأمد. بيد أن هناك العديد من الألغاز التي تحيط بأصل الغبار الكوني. فلا يعرف علماء الفلك على سبيل المثال كيف يمكن أن يصمد الغبار أمام الموجات التصادمية العنيفة الناشئة عن انفجار المستعرات العظمى، وما المدة التي يستغرقها تشكُّله بدقَّة.
ومن هذا المُنطلق، حوَّل نيكولاس لابورت Nicolas Laporte وزملاؤه مصفوفة مرصد أتاكاما المليمتري وما دون المليمتري الكبير the Atacama Large Millimeter/submillimeter Array (والمعروف باسم مرصد ألما ALMA) صوب الكون المبكِّر، وتناولوا بالدارسة مجرة تتشكَّل فيها النجوم تُدعى بالمجرة A2744_YD4، والتي يعود تاريخ ضوءها إلى200 مليون سنة فقط بعد ولادة النجوم الأولى.
و اكتشف فريق لابورت الغبار، بمساعدة بسيطة من عنقود المجرات الأمامي المُسمَّى أيبل 2744 Abell، والذي يؤثر كعدسة تثاقلية gravitational lens تؤدي إلى تضخيم المجرة البعيدة إلى الضِّعْف. وفضلًا عن ذلك، فإن هناك الكثير من الغبار، والذي يمكن أن يكون أكبر من حجم الشمس ب 6 مليون مرة.
إن الكثير من الغبار الموجود في وقت مُبكِّر جدًّا يضع قيدًا صارمًا على الزمن المُستغرق في تشكُّله، وهذا ينبغي أن يساعد علماء الفلك على فهم أفضل لبعض الألغاز المحيطة بأصول الغبار. كما يُشير إلى أن الكون المُبكِّر ربما قد يبدو مألوفًا، مع وجود الأقراص الكوكبية البدائية الدوَّارة protoplanetary discs، أو حتى الكواكب الشبيهة بكوكب الأرض، والتي تدور حول تلك النجوم الأولى، كما يقول دارك واتسون Darach Watson من جامعة كوبنهاجن في الدنمارك.
ويرجع ذلك إلى أن الغبار هو حجر الزاوية في جميع الجزيئات- بداية من الهيدروجين الجزيئي داخل النجوم وحتى الجزيئات المعقدة داخل الكواكب، وحتى داخل جسدك. يقول دارك واتسون: «إنك بحاجة للغبار من أجل إنجاز أي شيء جدير بالاهتمام فعلا في الكون».
تغيير قواعد اللعبة
وتشير النتائج إلى أن اقتفاء أثر الغبار الكوني يمكن أن يكون مُفيدًا في سبر أغوار المجرات الأولى.
وعادةً ما يدرس علماء الفلك المجرات الأولى في الكون من خلال إحصاء أعدادها، وقياس ضيائيتها، ورصد ألوانها، كما يقول ريتشارد إليس Richard Ellis المؤلف المشارك من كلية لندن الجامعية. وتُعدُّ تلك المعلومات أقل كثيرًا من المعلومات التي يمكننا الحصول عليها من رصد المجرات القريبة، حيث يمكننا التقاط صورا فائقة الوضوح لها والكشف عن خطوط الطيف المنبعثة منها- أي ارتفاع أو انخفاض شدة الضوء الصادر عنها والذي يظهر عند أطوال موجية محدَّدة بناء على العناصر الكيميائية التي تحتوي عليها.
بيد أن الكشف عن الغبار البدائي يُغيِّر قواعد اللعبة؛ إذ يُعدُّ بمثابة بديل عن وجود العناصر الأثقل، والتي تتشكل على نحو مماثل من انفجارات المستعرات العُظمى. وقد يلقي الضوء على مدى سرعة تطور تلك المجرات الأولى في نهاية المطاف.
ثم يَودُّ علماء الفلك سبر أغوار تاريخ الكون في الماضي حينما ينقشع انبعاث الغبار. وسوف يشير ذلك إلى المجرات الأولى، والتي كانت بدائية جدًّا، حيث لم تكن تحتوى إلا على الهيدروجين والهليوم المُتخلِّف عن الانفجار العظيم Big Bang.
يقول واتسون: «وذلك ما نبحث عنه… إننا نحاول الإيغال في الماضي بما فيه الكفاية حتى يمكننا رصد تشكيل المجرات الأولى».
- ترجمة: د. خالد أبو زهرة
- تدقيق: رؤى درخباني
- تحرير: زيد أبو الرب