مع أن مستوى فهمنا للكون قد تطور مع مرور الوقت، لا تزال العديد من الأمور الأساسية تقف عائقًا في رحلتنا نحو فهم فيزياء العالم الذي يحيط بنا. أحد هذه العوائق هي قدرتنا على قياس المسافات، خصوصًا ما يتعلق بالضوء القادم من أماكن بعيدة عشوائيًا. حديثًا، تمكن فريق من الباحثين من التقاط إحدى هذه الومضات لأشعة غاما قادمة عبر مسافة 13.4 مليار سنة ضوئية.
في بحثين لفريقين من علماء الفلك، رُصد ضوء منعكس عن سطح بقايا قطع صاروخ فضائي تدور حول الأرض.
في الدراسة الأولى، التي أجراها فريق بقيادة الفلكي شارلز شتينهاردت من جامعة كوبنهاغن في الدنمارك، تبين أن الضوء مصدره داخل المنظومة الشمسية.
الدراسة الثانية أجراها فريق بقيادة الفلكي ميشال ميكالوفسكي من جامعة آدم ميتسكيفيتش في بولندا، وقد رصد فيها المصدر بدقة، إذ تبين أنه ضوء منعكس عن أحد المخلفات الفضائية التي تعود إلى صاروخ بروتون الروسي.
الدراسة الأصلية التي رصدت مصدر الضوء أجراها فريق بقيادة الفلكي لينوا جيانغ من معهد كافلي للفيزياء الفلكية في الصين، توقعت أن مصدر الضوء أبعد بكثير من ذلك.
علق ميكالوفسكي على هذا التناقض قائلًا: «إن عدم قدرتنا على قياس المسافات تُعد مشكلة أساسية».
«إن جرمًا ذا درجة سطوع معينة، قد يكون جرمًا قريبًا خافت السطوع، أو جرمًا بعيدًا شديد السطوع، في كلتا الحالتين، سيظهر الجرم بدرجة السطوع ذاتها بالنسبة إلينا، لذا تتعدد الفرضيات في هذه الحالة».
«تبين أن الجرم المقصود قطعة قريبة جدًا من الخردة الفضائية، لكن سطوعها كان متوافقًا بنفس القدر مع انفجار نجمي ضخم على حافة الكون المرئي».
رُصد ضوء GN-z11 في أبريل 2017، عندما كان فريق جيانغ يراقب مجرة بعيدة تُسمى GN-z11 باستعمال مرصد كيك في هاواي. أظهرت البيانات التي جمعها الفريق، رصد ومضة ضوئية قصيرة الأمد، استمرت أقل من 245 ثانية، تزامنت مع وجود المجرة.
استبعد الفريق وجود جسم متحرك، مثل قمر صناعي، إذ ظهر الضوء بعد عدة ساعات من غروب الشمس، واستبعدوا وجود كواكب صغيرة معروفة، إذ لا يتناسب ذلك مع تلك المنطقة من السماء. لذلك كان التفسير الأكثر احتمالًا هو وجود وميض فوق بنفسجي مرتبط بانفجار أشعة جاما من المجرة GN-z11.
لم يقتنع العديد من الباحثين بهذه الفرضية، إذ إن أشعة غاما المنبعثة في بدايات الكون كانت قليلة للغاية، وتُعد المجرة GN-z11 من المجرات القديمة، ودراسة قصيرة كالتي أجراها الفريق لن تكفي لرصد هذه الأشعة، إذ استمرت المراقبة 5 ساعات فقط.
قال شتينهاردت: «أن يكون الضوء المرصود هو انفجار أشعة غاما في الكون المبكر هو احتمال ضعيف للغاية، ويرتبط باستبعاد الكثير من البدائل المعقولة».
«رُصد العديد من الإشارات المماثلة، وتفسيرها بوجود مصادر للضوء –طبيعية أو صناعية- داخل المنظومة الشمسية، هو الأقرب إلى الصحة».
حدد فريق ميكالفوسكي الجرم الذي يعكس هذه الأشعة، إذ درسوا عددًا من المخلفات الفضائية، ووجدوا قطعة من صاروخ بروتون الروسي الذي أُطلق عام 2015. مدار هذا الصاروخ يبعد 13758 كيلومترًا. ويُحتمل أنه ظهر في مجال الرؤية بالتزامن مع رصد الضوء.
أيضًا فإن وجوده على هذا الارتفاع يجعله بعيدًا عن ظل الأرض، ما يشير إلى احتمالية انعكاس ضوء الشمس عنه.
عارض جيانغ وفريقه هذه الفرضية، إذ إن البيانات لا تتناسب مع الأجسام القريبة من الأرض. قالوا إن الحسابات قد تشير إلى جسم آخر غير معروف، لكن تظل تلك الاحتمالية محدودة للغاية.
صرح الفريق: «ما زال من المحتمل وجود قمر صناعي أو مخلفات فضائية، مع أن بياناتنا تشير إلى أن استنتاجنا الأول هو المرجح».
قد يكون التفسير الأبسط هو الصحيح كما تنص قاعدة أوكام القديمة، أو كما قال كارل ساغان، فإن الإدعاءات الخارقة تتطلب أدلة خارقة لإثباتها.
هذا يعني أن ربط الضوء المرصود بمجرة بعيدة يتطلب وجود دليل قاطع ليكون هذا التفسير مقنعًا. هذا ما يجعل ميكالوفسكي أكثر اقتناعًا بتفسيره للظاهرة.
اختتم ميكالوفسكي قائلًا: «إن رصد وجود أشعة غاما قادمة من مجرة بعيدة هو حدث عظيم، سيغير من فهمنا للكون، لهذا من الجيد أنني أستطيع المساهمة في دفع عجلة العلم بالاتجاه الصحيح، لكن على الجانب الآخر، من المحبط أن يكون لهذه الظاهرة مثل هذا التفسير البسيط».
اقرأ أيضًا:
الوميض الناتج عن انفجارات أشعة غاما يبدو كأنه يعود في الزمن الى الخلف!
ترجمة: محمد علي مسلماني
تدقيق: آلاء رضا
مراجعة: أكرم محيي الدين