كشف تصادم نجمين نيوترونيين سنة 2017 عن الأمواج الثقالية أو الجاذبية gravitational waves، مؤكدًا بذلك نظرية النسبية لأينشتاين. يؤكد هذا التصادم الملحمي فرضية عمرها عقود حول الثقوب السوداء. يعتقد علماء الفلك أن البيانات المُجمَّعة المتعلقة بأمواج الجاذبية تقدم أدلةً على وجود أصداء، وهي ظاهرة لن تحدث إلا في وجود زغب كمي quantum fuzz، ناتج عن ما يُعرف بـ إشعاع هوكينغ Hawking radiation.
يقول الفيزيائي الفلكي ناييش أفشوردي Niayesh Afshordi من جامعة ووترلو: «وفقًا لنظرية أينشتاين النسبية العامة، لا يستطيع أي شيء الهروب من الثقب الأسود، فور تجاوزه نقطة اللا عودة المعروفة باسم أفق الحدث event horizon، وظلت هذه الفرضية سائدةً فترةً طويلة حتى توصل ستيفن هوكينغ مستخدمًا قوانين ميكانيكا الكم إلى توقع أن الجزيئات الكمية تتسرب ببطء من الثقوب السوداء، وهو ما يُسمى إشعاع هوكينغ».
الخاصية الأكثر إثارة للثقوب السوداء هي الجاذبية الهائلة. فهي شديدة لدرجة أن أي جسم -وفق النسبية العامة- فور اقترابه من النقطة المعروفة باسم أفق الحدث، لا يمكنه الهرب، بما في ذلك الضوء الذي هو أسرع شيء في الكون.
لكن ميكانيكا الكم قد تكون أقدر من النسبية العامة على تفسير هذه التفاصيل الكونية. وفقًا لطرح هوكينغ سنة 1974، ينبعث شيء ما من الثقب الأسود، هذا الشيء نظريًّا هو إشعاع كهرومغناطيسي يُسمى اشعاع هوكينغ.
يشبه ذلك نظريًا طيف الضوء الناتج عن الأجسام مرتفعة درجة الحرارة، لكن مع مراعاة قواعد الثقب الأسود، ففي هذه الحالة تسبب الكتلة الفائقة إصدار موجات منخفضة الطاقة.
إن وجود هذا الإشعاع يعني أن الثقوب السوداء تتبخر ببطء، ما يمثل حلًا لمفارقة معلومات الثقب الأسود، وهذا يشبه إلى حد ما أمواج الجاذبية التي لم تُكتشَف إلا قريبًا، لأنها خافتة للغاية ما يُصعِّب اكتشافها.
يشير نموذج محاكاة الثقب الأسود إلى وجود إشعاع هوكينغ بالفعل، لكن هذا قد يناقض موجات الجاذبية، لأنه إن كان إشعاع هوكينغ حقيقيًّا، فلابد من وجود زغب كمي حول الجزء الخارجي من أفق الحدث، ويجب أن ينتج عن ذلك صدى لأمواج الجاذبية.
يقول أفشوردي: «لم يتمكن العلماء من تحديد ما إذا كانت أي مادة قادرة على الهرب من الجاذبية الهائلة للثقوب السوداء، إلى أن اكتُشفت الموجات الثقالية حديثًا».
«إذا كان الزغب الكمي المسؤول عن إشعاع هوكينغ موجودًا حول الثقوب السوداء، فإن الموجات الثقالية قد ترتد عنه، ما يؤدي إلى صدور أمواج جاذبية أصغر من الأمواج الأصلية الناتجة عن حدث التصادم الرئيسي، على غرار تكرار الصدى».
يعتقد فريق الباحثين أن نتائج أبحاثهم تتطابق مع نماذج المحاكاة التي توقعت أن الثقوب السوداء تُصدر إشعاع هوكينغ.
لكن توجد بعض التحفظات على هذه النتائج، مثلًا لم يقدم تحليل أمواج الجاذبية المرصودة سابقًا أي دليل على وجود إشعاع هوكينغ.
إضافةً إلى ذلك، أجرت دراسة أخرى أُجريت العام الماضي تحليلًا دقيقًا لجميع إشارات الأمواج الثقالية المرصودة حتى الآن، لكنها لم ترصد أي أدلة على وجود أصداء لموجات الجاذبية.
ربما يعود ذلك إلى عدم دقة الأدوات المستعملة لرصد ظاهرة إشعاع هوكينغ، ويضيف أفشوردي أن الإشارة التي رصدها الفريق قد تكون في الواقع مجرد ضجيج في البيانات.
ينتهج الفريق حاليًا البحث عن إشارات مماثلة في مجموعات بيانات أمواج الجاذبية الأخرى.
يقول أفشوردي: «الآن بعد أن عرف العلماء ما يجب البحث عنه، يمكننا البحث عن المزيد من الأمثلة، والحصول على تأكيد أقوى لوجود هذه الإشارات».
مثل هذا التأكيد سيكون أول تقصي مباشر للبنية الكمِّية للزمكان.
اقرأ أيضًا:
تقاطع أينشتاين: نجم زائف يساعدنا على قياس معدل دوران الثقوب السوداء
كيف تستطيع الثقوب السوداء فائقة الكتلة أن تؤثر في حياة المجرة ؟
ترجمة: ياسمين نصر الله
تدقيق: أكرم محيي الدين