بفضل مصادم الهادرونات الكبير الموجود في سويسرا، استطاع الفيزيائيون إيجاد أدلة على قوة جديدة في الفيزياء، قد تكون مهدًا لأبحاث جديدة في هذا المجال.
نظرية النموذج العياري هي النظرية الأساسية لدينا حاليًا، التي تستطيع اختصار كل الفيزياء التي نعلمها الآن بدقة عالية.
مع ذلك لا يزال النموذج بحاجة إلى العديد من الإضافات ليصبح متكاملًا.
يصف النموذج ثلاث قوى الأساسية في الكون: القوة الكهرومغناطسية، والقوة النووية القوية والقوة النووية الضعيفة. لكن النموذج تنقصه القوة الرابعة، قوة الجاذبية. أيضًا، ينقص النموذج تفسير المادة المظلمة، أحد أسرار علم الفلك، والتي تُمثل أحجية للعديد من الباحثين. أيضًا لا يفسر النموذج قدرة المادة على التوسع والبقاء في بداية الكون.
يحاول الفيزيائيون حاليًا، بدراسة الجسيمات الأولية التي تُكون الجسيمات الأكبر، فهم شتى أسرار الكون وخباياه والتعرف عليها. إذ تُعد هذه الطريقة الأفضل للتعرف على خصائص المواد، والتعرف على أسرار القوى الأساسية في الكون.
الكواركات جسيمات أولية تُشكل جسيمات أكبر، تنقسم هذه الكواركات إلى عدة أنواع: الكوارك العلوي والسفلي والغريب والساحر والقمي والقاعي.
الكواركات القاعية غير مُستقرة، إذ لا يتجاوز عمرها 1.5 تريليون جزء من الثانية، ثم تتحلل إلى جسيمات أخرى. يتأثر هذا التحلل السريع بعدة عوامل، أهمها وجود جسيمات أولية أخرى وقوى أساسية.
بسبب تأثير القوة النووية الضعيفة، تتحول الكواركات القاعية إلى جسيمات أخف كالإلكترونات. يؤدي وجود قوة إضافية جديدة كالتي رصدها المصادم إلى تغير في نسبة تحلل الكواركات القاعية.
تعتمد الدراسة المنشورة على البيانات المُستقاة من دراسات داخل مصادم الهادرونات الكبير.
رصدت الدراسة تحلل الكواركات القاعية إلى إلكترونات وميونات بنسبٍ متفاوتة. هذه النتيجة مدهشة، لوجود الكثير من أوجه الشبه بين الميونات والإلكترونات، مع أن الميون أثقل بمئتي ضعف مقارنةً بالإلكترون.
هذا يعني أن القوى التي تؤثر في الإلكترون هي ذاتها تقريبًا في حالة الميون، ما يعني أن الكوارك القاعي سيتحول بنسب متقاربة بين الميونات والإلكترونات. إلا أن ما رُصد خالف ذلك، إذ لاحظ الباحثون أن نسبة اضمحلال الكوارك إلى ميون تساوي 85% مقارنةً بتحوله إلى الإلكترون، ما يعني وجود قوة إضافية تؤثر في عملية التحول وتحدث ذلك الفارق.
لهذه النتائج أهمية كبيرة عند الفيزيائيين، إذ حاول العديد من الباحثين سابقًا إيجاد دليل فعلي على وجود قوة إضافية لا يفسرها النموذج العياري.
يعد الفيزيائيون أن إيجاد هذه القوة باب لحل العديد من المعضلات الفيزيائية الأساسية.
مع أن هذه النتائج مهمة للغاية، فإنها ليست حتمية، إذ توجد نسبة من احتمال الخطأ لا يمكن تجاهلها.
بنسبة واحد إلى الألف، قد يكون سبب النتائج عشوائيًا. مع أن هذه النسبة صغيرة، فإن الأمر يختلف في فيزياء مصادم الهادرونات الكبير، إذ يوجد كم كبير من البيانات، لذا، يتوقع الباحثون أن نسبة الخطأ محدودة للغاية.
لتأكيد وجود تأثير قوة جديدة، يجب ألا تزيد النسبة على واحد إلى مليون، لذلك، على الباحثين الحصول على المزيد من البيانات، ما يعني رصد الكواركات ومراقبتها ورصد تحولاتها فترات أطول.
تخضع التجربة المتخصصة في الكواركات القاعية حاليًا للتحسين، للتمكن من رصد تصادمات أكثر في المستقبل. سيحسن ذلك من صحة النتائج التي يستخرجها الباحثون من التصادمات. ويمكن استخلاص معلومات مهمة أيضًا من البيانات الموجودة حاليًا، بمقارنتها ببيانات لتحولات جسيمات يصعب رصدها.
هذا ما فعله الفريق، إذ لم يدرسوا الكوارك القاعي مباشرة، لارتباطه الدائم بعدد آخر من الكواركات لتشكيل جسيمات أكبر.
ركزت الدراسة على الكواركات القاعية المرتبطة بالكوارك العلوي. ظهر جراء هذا الترابط تحليلان: كوارك قاعي مع كوارك سفلي، وكوارك قاعي مع كوارك علوي.
لا يؤثر اختلاف الكواركات المرتبطة في التحلل، إذ يجب الحصول على النتائج ذاتها تقريبًا حال وجود قوة غير مرصودة.
تظهر البيانات الجديدة أن تحلل الكوارك إلى الميون يحصل بنسبة 70% مقارنةً بالتحلل إلى إلكترون. لكن مع نسبة خطأ أعلى، يُحتمل بنسبة واحد إلى مئتين أن تكون هذه النتائج عشوائية.
يبذل الباحثون جهدهم للتحقق من النتائج بزيادة البيانات، والتحضير لتجربة أخرى للحصول على أدلة أفضل.
إضافةً إلى هذه التجربة، ستُجرى عدة تجارب أخرى، إحداها في مصادم الهادرونات، وأخرى في اليابان.
بالتأكيد ستكون السنون القادمة ذات أهمية كبيرة، إذ ستشهد تغيرًا أساسيًا في مستوى فهمنا لفيزياء كوننا.
اقرأ أيضًا:
ما تزال الشذوذات في مصادم الهادرونات الكبير تشير بقوة إلى فيزياء جديدة
ما هو مصادم الهادرونات الكبير ؟
المترجم: محمد علي مسلماني
تدقيق: باسل حميدي