تفاجأ العلماء مؤخرًا بعد اكتشاف فقدان كتلة كبيرة من الجليد عقب العاصفة القطبية، مع أن النماذج عادةً ما تُعطي معلومات دقيقة عن تأثيرات العاصفة القطبية.
في بداية عام 2022، تعرض القطب الشمالي لأقوى إعصار مُسجل حتى الآن، إذ بلغت سرعة الرياح 100 كيلومتر في الساعة. مع أن العواصف ليست ظاهرة جديدة في القطب المتجمد، فإن المفاجأة كانت بالنسبة للباحثين فقدان كمية كبيرة من الكتلة الجليدية.
يطفو جليد القطب الشمالي على سطح المحيط في المناطق القطبية، وبحسب مجلة Live Science، يقول الباحثون إن هذا الجليد يغطي أكبر مساحة في المنطقة القطبية في شهر مارس، ويصل إلى ذروة كثافته الجليدية في شهر أبريل.
لكن، أدت كارثة طبيعية على شكل عاصفة قطبية إلى انخفاض كمية الجليد تدريجيًا في بداية العام الحالي.
بدأت عاصفة قطبية تتشكل بين 20 وحتى 28 من شهر يناير 2022 في منطقة غرينلاند Greenland، واتجهت بعد ذلك إلى الشمال الشرقي نحو بحر بارنتس، ما أدى إلى تشكل أمواج هائلة وصل ارتفاعها إلى 8 أمتار.
تسببت الأمواج العنيفة بتكسير الجليد من الأعلى ومن الأسفل على حافة حزمة متجمدة طولها متران، وعصفت أمواج أكبر من التي سبقتها بنحو 100 كيلومتر من مساحة الحزمة المتجمدة وصولًا إلى مركزها.
مع أن نماذج التنبؤ بالأحوال الجوية تمكنت من تحديد التطور الذي ستمر به العاصفة، فإن النماذج المعنية بدراسة حال المياه المتجمدة لم تكن دقيقة في تحديد الخسارة في الكتلة الجليدية بعد العاصفة.
بعد مضي ستة أيام على انتهاء العاصفة، وجد الباحثون أن المياه المتجمدة انخفضت بمقدار نصف متر، أي نحو ضعف ما تنبأت به النماذج سابقًا. أجرى الباحثون الدراسات التحليلية على تأثير العاصفة، وُنشرت النتائج في Journal of Geophysical Research: Atmospheres في 26 أكتوبر.
صرّح المسؤول عن البحث وعالم المناخ في جامعة واشنطن في سياتل إد بلانشرد-ريغلزسورث: «لم نشهد من قبل خسارةً في كمية المياه المتجمدة خلال فترة ستة أيام فقط منذ 1979، وهنا كانت الخسارة أكثر بنحو 30% من العاصفة السابقة. لقد تنبأت نماذج المياه المتجمدة بخسارة في الكتلة الجليدية بالفعل، ولكن كانت النتائج المتوقعة تُعادل نصف ما شاهدناه على أرض الواقع».
وجد الباحثون أيضًا أن الحرارة المناخية الناجمة عن العاصفة لم تؤثر كثيرًا على المياه، لذلك لا بد أن شيئًا آخر كان السبب في ذوبان الكتلة الجليدية.
اقترح كل من شارك في إعداد البحث فكرة عن سبب ذوبان الكتلة الجليدية بهذه السرعة وبهذا القدر. إحداها لها علاقة بعدم دقة النماذج الموضوعة بالتنبؤ بمقدار الذوبان الذي خلفته العاصفة القطبية، وتناولت فكرة أخرى الأمواج العنيفة التي ولدتها العاصفة، وما نتج عنها من تكسير الجليد أكثر من المتوقع.
من الممكن أيضًا أن العاصفة قد تسببت في وصول المياه الدافئة من الأعماق وحتى السطح، ما أدى إلى ذوبان الكتلة الجليدية من القاع. من المعروف أن نمذجة الثخانة الجليدية ودراستها أمران صعبان.
يصعب على العلماء تفسير ما يحدث بسبب تفاعل كل من الجليد ومياه المحيط والغلاف الجوي مع بعضها، وكل ذلك يؤثر على الثخانة الجليدية. أيضًا، عادة ما تحدث هذه التفاعلات على نطاق يجعل من عملية النمذجة أمرًا غير ُمجدٍ.
على سبيل المثال، يُدرك العلماء أن البحيرات المتشكلة من ذوبان المياه أعلى طبقة الجليد في فصل الصيف لها تأثير مباشر على ثخانة الجليد، ولكن لا يُمكن الوصول إلى نتائج دقيقة باستخدام النمذجة في هذه الحالة.
بالإضافة إلى ما سبق، تُربك بحيرات المياه الذائبة الأقمار الصناعية التي مهمتها قياس ما يحدث في الفضاء، إذ تتعرف الأقمار الصناعية على هذه البحيرات بوصفها جزءًا من المحيط بدلًا من كونها موجودة فوق المياه المتجمدة.
مع احترار المناخ أكثر، سيصبح من الضروري فهم طبيعة العواصف القطبية وتأثيرها على المياه المتجمدة أكثر من أي وقت سبق.
وجد فريق من علماء ناسا أن ذوبان الكتلة الجليدية إضافةً إلى تزايد احترار المناخ سيعني المزيد من العواصف القطبية العنيفة بحلول نهاية القرن، وسجل الفريق هذه النتائج في ورقة بحثية نشرتها مجلة Nature Communications.
ستتسبب هذه العواصف القطبية بزيادة هطول الأمطار، ما يعني ذوبان الجليد. سيتبع ذلك درجات حرارة أكثر دفئًا، ودفع المياه الدافئة نحو الأعلى من أسفل قاع البحر أو المحيط.
يُنهي إد بلانشرد-ريغلزسورث قائلًا: «من الضروري أخذ كل ما سبق بعين الاعتبار مستقبلًا، فهذه الكوارث ستؤدي إلى خسارة كبيرة في المياه المتجمدة، فهي أحداث مشابهة للعاصفة القطبية الأخيرة».
اقرأ أيضًا:
اكتشاف نهر ضخم تحت جليد أنتاركتيكا
اكتشاف فيروسات يقارب عمرها 15 ألف عام في عينات جليدية
ترجمة: طاهر قوجة
تدقيق: جعفر الجزيري
مراجعة: نغم رابي