دورة حياة النجوم – عندما ننظر إلى سماء الليل بعيننا المجردة نراها مرصّعة بألاف النقاط البيضاء التي هي في أغلبها نجوم تشبه الشمس . على الرغم من أن هذه الحقيقة واضحة للجميع اليوم، إلا أنها لم تلق قبولا عاما عند علماء الفلك إلا في القرن السابع عشر. كان ذلك في أعقاب اقتراح مفكّر عصر النهضة جيوردانو برونو (Giordano Bruno) في نهاية القرن السادس عشر، بأن النجوم في السماء هي أجسام مشتعلة مثل الشمس. لم يكن برونو هو الأول الذي اقترح هذا بل سبقه بعض الفلاسفة اليونانيون، مثل ديمقريطس، والمسلمون، مثل فخر الدين الرازي.
بقي مصدر الطاقة التي تُشْعل النجوم غير واضحا حتى بداية القرن العشرين حين تم اكتشاف الطاقة الذرية ونظرية أينشتاين النسبية الخاصة. في عام 1920 اقترح آرثر إدينجتون (Arthur Eddington) بأن الطاقة النووية هي المسؤولة عن اشعاع النجوم بواسطة تحويل الهيدروجين إلى هيليوم. لم يكن اقتراح إدنجتون سوى محض تخمين في الاتجاه الصحيح، لكنه لم يرتقِ إلى مستوى نظرية واضحة وذلك لأن في حينه كان فهم الطاقة النووية ما زال في بدايته. كان على النظرية التفصيلية لاشتعال النجوم بأن تنتظر عشرين عاما أخرى حتى ينضج فهمنا لهذه الطاقة وإمكانياتها، وذلك حين نشر هانس بيتي (Hans Bethe) عام 1938 مقالين حول عملية تحويل الهيدروجين إلى هيليوم داخل النجوم. من بعد هذا بسنوات، نشر فريد هويل (Fred Hoyle) سلسلة من الأعمال امتدت من عام 1946 حتى عام 1957، فسر بها هو وزملاؤه كيفية نشوء باقي العناصر مثل الكربون والأوكسجين في النجوم.
منذ تلك الأعمال الرائدة نضج فهمنا لمبنى النجوم وتطورها بشكل كبير جداً، بحيث أصبحنا نعرف بشكل دقيق مبناها الداخلي وطول حياتها، وحجمها، ولونها، وكيف تموت، وما إلى ذلك من خصائصها الفيزيائية. المذهل في الأمر أننا أصبحنا نعرف خواص مركز الشمس أكثر بكثير مما نعرفه عن خواص مركز الكرة الأرضية. ويعود هذا في الأساس إلى أن النجوم هي أجسام بسيطة نسبيا.
هناك عدة صفات تحدد مجريات حياة النجم، لكن أهمها من دون منازع هي كتلته، فهي التي تحدد حرارته، وطول عمره، وكيف سوف ينهي حياته. لهذا السبب نستطيع أن نقسم النجوم إلى مجموعتين واضحتين، الأولى هي النجوم العادية (الخفيفة)، وتكون كتلتها أصغر من 8 أضعاف كتلة الشمس، والثانية هي النجوم الثقيلة التي تكون كتلتها أكبر من ذلك.
إذن، النجوم هي كرات ضخمة ومضيئة من الغاز الذي يعيش في حالة توازن بين قوتين؛ الأولى هي قوة الجاذبية التي تشدّه إلى المركز، والثانية هي القوة الناتجة عن الضغط باتجاه الخارج الذي ينبثق عن الاشتعال النووي الذي يحدث في مركز النجم، والذي هو مصدر حرارته. في هذا المقال سوف أصف مبنى النجوم وتطورها وكيف تنتهي حياتها.
مبنى النجوم
الاشتعال النووي الذي يحدث في نواة النجم هو مصدر طاقته، إذ إنه يحول جزءا من كتلة العناصر المتفاعلة في نواته (مثل الهيدروجين حين يتحول إلى هيليوم) إلى طاقة تتحرر على شكل فوتونات. لكن الكثافة العالية للمادة داخل نواة النجم تعيق خروج الفوتونات إلى الفضاء نتيجة اصطدامها المستمر بجسيمات أخرى، بحيث يستهلك خروج هذه الفوتونات من قلب النجم إلى سطحه الخارجي وقتا طويلا جدا. وتتدفق الحرارة الهائلة من داخل النجم إلى الخارج بواسطة عمليات مختلفة تحدد مبنى النجم الداخلي.
لنأخذ على سبيل المثال نجمنا، الشمس. الطاقة التي ينتجها التفاعل النووي الاندماجي في داخل الشمس تجعل درجة حرارة مركزها تقارب الـ 15 مليون درجة مئوية. وتستهلك الفوتونات التي تنتجها التفاعلات النووية في مركز الشمس حوالي الـ 5000 آلاف عاما للخروج إلى الغلاف الخارجي للشمس (هذا مقابل الـ 8 دقائق و20 ثانية التي يأخذها الضوء ليقطع مسافة الـ 150 مليون كيلومتر بيننا وبين الشمس)، وحين تصل الفوتونات إلى سطح الشمس تكون قد بردت لتصبح درجة حرارتها حوالي الـ 6000 درجة مئوية.
الشكل رقم 1 يرينا مبنى الشمس والطبقات المختلفة فيها. في المركز نرى النواة التي يتم فيها الاشتعال النووي، ونصْف قطرها يعادل 150 ألف كيلومتر. ثم نرى المنطقة المعروفة باسم منطقة الإشعاع (Radiation Zone) التي تنتقل بها الطاقة الصادرة عن نواة الشمس إلى المناطق الخارجية منها، بواسطة الأشعة، والتي تمثلها الأسهم ذات اللون الأزرق السماوي في الشكل، وسُمك هذه المنطقة يعادل الـ 300 ألف كيلومتر. ثم هناك منطقة الحمل الحراري (Convection Zone) التي تنتقل بها الحرارة من الداخل الى الخارج بواسطة اختلاط الغاز الحار الداخلي في هذه المنطقة مع الغاز البارد نسبيا في الجزء الخارجي منها، ويمَثّل هذا الاختلاط الأسهم البيضاوية السوداء المبينة في الشكل رقم 1، وسُمْكُ هذه المنطقة يعادل الـ 200 ألف كيلومتر. والحمل الحراري هو إحدى الطرق الفيزيائية الهامّة لنقل الحرارة بشكل عام، فمثلا هي الطريقة التي تنتقل بها الحرارة في قدر الطبخ عندما يعلو الماء الساخن من قاع القدر إلى أعلاه ليستبدل الماء البارد؛ أو كما ينتقل الهواء الساخن إلى أعلى عندما ندفئ غرفةٍ ما ليحمل معه الحرارة ويوزعها على باقي أجزاء الغرفة. أما المنطقة الصفراء الدقيقة، المسماة بالغلاف الضوئي (Photosphere)، فهي المنطقة الأساسية التي نراها من الشمس، تتحرر منها فوتونات الضوء لتهرب إلى الفضاء الفسيح، وهذه الطبقة هي أرقّ طبقات الشمس وسُمكها حوالي الـ 500 كيلومتر فقط. أما المنطقة الأخيرة التي تظهر في الشكل فهي منطقة الهالة الشمسية (Solar Corona) وهي مكونة من غازات متأينة تحيط بالشمس وهي منطقة سميكة جدا، أذ قد تصل إلى ملايين الكيلومترات، وهي في الحقيقة تصل إلينا لكنها تصبح ضعيفة جدا عندما تصلنا، ويحمينا الغلاف المغناطيسي للكرة الأرضية مما تبقى منها من جسيمات ضارة. هناك طبقة أخرى للشمس لم أبيّنها في هذا الشكل مثل الغلاف اللوني (Chromosphere) الذي يشكل طبقة صغيرة نسبيا تقع خارج الغلاف الضوئي.
تقسيم الطبقات هذا ينطبق على مبنى باقي النجوم أيضا، ولكن مع اختلاف في كبر وموقع كل طبقة. ففي النجوم الصغيرة مثلا (أصغر من نصف كتلة الشمس) تكون منطقة الإشعاع صغيرة لا تذكر، أي أن الحرارة تنتقل من نواة النجم إلى سطحه الخارجي بواسطة الحمل الحراري فقط. أما في النجوم الكبيرة (أكبر من الشمس بـ 1.5 مرة على الأقل) فتقع منطقة الحمل الحراري داخل منطقة الإشعاع (بعكس حالة الشمس)، بحيث تكون منطقة الإشعاع في هذه النجوم أكبر بكثير منها في الشمس. هذا بالطبع لأن الطاقة الصادرة عن نواة النجوم ذات الكتلة الصغيرة هي أقل بكثير من الطاقة المنبثقة عن النجوم ذات الكتلة الكبيرة، مما يغير مبنى طبقاتها. إضافة إلى هذا ففي حالة النجوم ذات الكتلة الكبيرة على الحرارة أن تخترق كمية أكبر من المادة حتى إلى تصل الى منطقة الغلاف الضوئي. هذه العوامل تحدد مبنى الطبقات المختلفة في النجوم عامة. علينا أن نتذكر بأن هناك أيضا أنواعا أخرى من “النجوم” وهي تمثل المراحل المختلفة التي يمر بها النجم العادي خلال عملية موته وانتهاء حياته، كقزم أبيض، أو نجم نيوتروني، الخ.
تكون العناصر
لم ينتج الكون في بدايته أيا من العناصر ما عدا الهيدروجين والهيليوم ونظائرهما، وقليلا جدا من الليثيوم، إذ أن باقي العناصر تَصنعها النجوم. يحدث ذلك من خلال عملية الاندماج النووي للعناصر الخفيفة التي ينتج من خلالها عناصر أثقل، كالكربون والأكسجين. وعندما تندمج العناصر الخفيفة نوَوِيّا ببعضها البعض تنتج طاقة، وذلك حتى تصل إلى عنصر الحديد. بعد هذا لا تنتج التفاعلات الاندماجية طاقة بل على العكس تستهلكها، لهذا لا تُنتج التفاعلات الاندماجية النووية في بطون النجوم كل العناصر، بل فقط تلك التي تنتج طاقة خلال اندماجها مع بعضها البعض، أي كل العناصر الخفيفة حتى نصل إلى عنصر الحديد. هذا وسوف أذكر كيف تتكون العناصر الأثقل من الحديد لاحقا في المقال.
لكي يتكوّن النجم ويبدأ بالاشتعال النووي عليه أن يكون أكبر من كتلة معينة. وذلك لكي تتغلب البروتونات، ذات الشحنة الكهربائية الموجبة، الموجودة في مركز هذا النجم على قوى التنافر الكهربائية فيما بينها، ولتقترب من بعضها البعض بشكل كاف لكي تبدأ بالاندماج وتحويل الهيدروجين إلى هيليوم، وذلك بفضل ظاهرة النفق الكمّي (Quantum Tunneling) التي ذكرتها في مقال “نظرية الكمّ وطبيعتها العجيبة”. تحصل هذه العملية عندما تصل الحرارة في مركز هذا النجم إلى مليون ومائة ألف درجة مئوية تقريبا، وهذا يتطلب أن تكون كتلة النجم حوالي الـ 0.08 من كتلة الشمس على الأقل. أي أن كرة غاز ذات كتلة أصغر من ذلك لن تشتعل، بل تبقى كرة غازية سابحة في الفضاء، مثل كوكب المشتري مثلا.
خلال المرحلة الأولى من حياة النجم يتم تحويل الهيدروجين في نواته إلى هيليوم. لكن عندما ينتهي الهيدروجين يتوقف هذا الاشتعال النووي، وقد يحدث عندها إمكانية واحدة من اثنتين؛ الإمكانية الأولى تحدث عندما تكون كتلة النجم صغيرة، بحيث تتوقف عملية الإشتعال وتبدأ نواة النجم في السقوط على نفسها حتى تصبح كثافتها عالية جدا لدرجة أن ضغط الإلكترونات يوازن قوة الجاذبية ويوقف إنهيار النواة على نفسها، وضغط الإلكترونات هو ضغط من نوع خاص، سأعود إليه بعد قليل. في هذه الحالة، تبدأ الطبقات الخارجية للنجم بالانتفاخ رويدا رويدا وتصبح حمراء لأنها تبرد نتيجة هذا الانتشار، لهذا يظهر لنا النجم على شكل ما يسمى عملاق أحمر (Red Giant)، الذي يستمر بالانتشار والبرود حتى يكون سديما كوكبيا (Planetary Nebula). أما نواة هذا النجم فتتحول إلى كرة صغيرة تسمى بالقزم الأبيض (White Dwarf) بحيث تتوازن قوة الجاذبية فيها والتي تشد الغاز إلى المركز مع ضغط الإلكترونات.
أما الإمكانية الثانية فتحدث إذا كانت كتلة النجم أكبر قليلا، عندها ينكمش النجم قليلا حتى ترتفع درجة حرارة مركزه بشكل كافٍ لكي يبدأ تفاعلا نوويّا اندماجيّا جديدا، يتحول من خلاله الهيليوم إلى كربون. يُنْتج هذا التفاعل ضغطا كافيا لوقف انهيار النجم بتأثير قوة الجاذبية، بحيث يخلق توازنا جديدا بحيث يبقى النجم في حالته العادية لوقت أطول قليلا. لكن عندما ينتهي الهيليوم يتوقف التفاعل وإنتاج الطاقة وبالتالي الضغط الذي يقاوم الجاذبية، عندها يتحول النجم إلى عملاق أحمر ونواته إلى قزم أبيض، كما ذكرنا أعلاه. لكن إذا كانت كتلة النجم أكبر بقليل ينكمش النجم قليلا وترتفع درجة الحرارة بشكل كافي ليبدأ تفاعلاً نووياً جديدا يتحول به الكربون إلى أكسجين. يُنتِجُ هذا التفاعل بدوره ضغطا كافيا لوقف انهيار النجم وخلق توازن جديد، وهكذا دواليك حتى نصل إلى نجوم ذات كتلة كافية لإشعال تفاعلات نووية تنتج نواة عنصر الحديد. حينها تتحول نواة النجم إلى نواة من الحديد. هذه العملية تتوقف هنا، وذلك لأن إنتاج العناصر الأثقل من الحديد بواسطة الاندماج لا يصدر طاقة بل بالعكس يستهلكها. لهذا، عندما ينتهي التفاعل النووي الذي يُنتج الحديد لا يستطيع أي تفاعل نووي آخر بأن يوقف الانهيار، بل قد توقفه قوى أخرى سنذكرها بعد قليل.
إذن فالكربون الذي هو العنصر الأساس في المواد العضوية التي تُرَكِّبُنا، والأكسجين الذي نتنفسه، والنيتروجين، والكلور، والسيليكون، وغيرها من العناصر الأساسية التي نحتاجها، تُنتِجُها النجوم خلال اشتعالها. هذه الحقيقة هي لربما من أجمل الحقائق العلمية قاطبة، فهي ببساطة تقول بأن كل ذرة في جسمنا، باستثناء الهيدروجين (الهيليوم عنصر خامل لا يتفاعل كيميائيا مع شيء)، كانت في وقت ما في نواة نجم ما. إذ أننا نحن وجميع الكائنات الحية أبناء النجوم، التي بتطورها تمهد الطريق لوجودنا وتسمح ببقائنا أكثر مما كان من الممكن أن نتخيل. فالنجوم تزودنا بالطاقة التي نحيا بفضلها، وبالعناصر التي تُكوِّنُنا، وكما سنرى لاحقا، فهي خلال دورة حياتها وموتها تصنع أيضا العناصر الثقيلة (الأثقل من الحديد)، بل وأكثر من ذلك فنحن نرى بشكل واضح اليوم، وذلك عندما نرصد المادّة البَيْن النجمية (أي الغاز المتواجد بين النجوم)، الكثير من المواد العضوية التي تتكّون منها الحوامض الأمينية، وهي حجارة الأساس للدي-أن-إيه الذي يملك المفتاح للغز الحياة. أي أن المواد التي تطلقها النجوم حين تموت هي حجر الأساس لنشوء الحياة (أنظر\ي مقال”الحياة في الكون”الذي نشرته سابقا).
لكن حتى نفهم ما هو ضغط الإلكترونات الذي يوقف انهيار نواة النجوم العادية على نفسها علينا أن نحيد قليلا عن مسار قصتنا لنعرّج على تفاصيل العملية الفيزيائيّة التي تكمن وراء هذا الضغط. والمفتاح وراء هذه الظاهرة هو نظرية الكمّ التي خصّصت لها ثلاث مقالات في الماضي (أنظر\ي سلسلة مقالات ” شيء من عدم”).
نظرية الكمّ مرة أخرى: الفرميونات والبوزونات
في عام 1930 أبْحَر سابرامانين تشاندراسخار (Subrahmanyan Chandrasekhar))، وهو بالكاد ابن 19 عاما، على متن سفينة تقلّه من الهند إلى إنجلترا. كان قد حصل هذا الشاب لتوّه على منحة من الحكومة الهندية لكي يبدأ في التحضير لرسالة الدكتوراه في جامعة كامبريدج، وذلك تحت إرشاد الفيزيائي الإنجليزي رالف فاولر (Ralph Fowler). خلال الرحلة الطويلة في عباب البحر، ابتدأ تشاندراسيخار بالتفكير في تأثير الخواص الكمومّية للإلكترونات في النجوم، وتوصل في حساباته لهذا التأثير إلى استنتاج مذهل، وهو أنه إذا كانت كتلة نواة النجم أكبر من 1.44 مرات من كتلة الشمس عندما ينهي حياته، عندها لا يستطيع ضغط الإلكترونات أن يوقف انهيار النجم بعد أن يستهلك كل الوقود النووي في نواته. كان لهذه النتيجة أبعاد فيزيائية كبيرة على تطور النجوم، إذ إنها تعني أنه ابتداءً من كتلة معينة (أكبر من كتلة الشمس بـ 20 ضعفا)، لا يستطيع أي شيء أن يوقف انهيار الغاز في النجم الميت حتى تصبح كثافته في المركز لا نهائية، أي ليتحول إلى ثقب أسود، الذي كان في حينه مجرد إمكانية نظرية. كانت هذه النتيجة أغرب من أن تصدق، لهذا واجهت مقاومة وتجاهل من أغلب الفيزيائيين في حينه، وعلى رأسهم إدينجتون، الذي كان يتمتع باحترام خاص جدا بينهم. في الحقيقة، هناك من يدعي أن موقف إدينجتون السلبي تجاه نتائج تشاندراسخار أدى إلى تأخر تطور فيزياء الفلك لعشر سنين على الأقل.
كانت نظرية الكمّ قد اكتشفت قبل أن يكتب تشاندراسيخار ورقته البحثيّة بخمس سنوات فقط، والكثير من خواصها الفيزيائية كانت لا تزال قيد الاكتشاف. حتى نفهم جوهر مصطلح ضغط الإلكترونات الذي استعمله تشاندراسخار في حساباته علينا أن نعود لنظرية الكمّ وخواصها. عليّ أن أذكر بأني كنت قد عرضت نظرية الكم في مقالات سابقة، لكن الجانب الذي يهمنا هنا لم يُذكر من قبل.
إحدى الصفات التي تميز نظرية الكم هو طبيعتها الإحصائية، تلك التي تعبر عنها الدالة الواصفة لحالة المجموعة الفيزيائية، والتي تسمى دالة الموجة (أنظر\ي مقالي بعنوان “نظرية الكم وواقعها العجيب”). لكل مجموعة فيزيائية هناك عدد كبير من دالات الموجة الممكنة، والتي تميزها عن بعضها البعض أعداد معينة تسمى بالأعداد الكمّية (Quantum Numbers). يطلق على كل دالة من هذه الدوال المحتملة، والتي تميزها أعداد كمية معينة، اسم الحالة الكمومية (Quantum State)، وهي من أهم المفاهيم في نظرية الكمّ قاطبة.
من أهم اكتشافات نظرية الكمّ هو أن الجسيمات الأولية تقسم إلى نوعين، فرميونات (Fermions) و بوزونات (Bosons). وما يميز بينها هو عدد كمّي معين يسمى اللف المغزلي (Spin)، الذي يعبر عن ما يشبه كمية الحركة الزاويّة في الميكانيكا الكلاسيكية والتي تُعبِّر عن عزم دوران الجسم حول نفسه. وهذا الرقم الكمي يستطيع أن يأخذ القيم التالية فقط: 0، ½، 1، 3/2، 2، 5/2،… الخ، أي أعداد صحيحة ونصف-صحيحة فقط. من هنا نستطيع أن نقسم الجسيمات إلى فرميونات، وهي تلك الجسيمات التي تحمل لفا مغزليا ذا قيمة نصف-صحيحة، و بوزونات، وهي الجسيمات التي تحمل لفا مغزليّا ذا قيمة صحيحة. على سبيل المثال الإلكترون هو فرميون ولفه المغزلي ½، أما الفوتون فهو بوزون ولفه المغزلي 1. لهذا التقسيم أهمية كبيرة جدا في الطبيعة، فمثلا في النموذج المعياري للجسيمات الأولية، جميع الأجسام التي تحمل شحنات القوى هي فرميونات (مثل الإلكترونات والكواركات و الخ)، أما الجسيمات التي تنقل القوى بين الفرميونات المختلفة فجميعها بوزونات (مثل الفوتونات و الغلوونات و الخ) .
لكن أهم الفروق بين نوعَيْ الجسيمات هو الفرق التالي: كل حالة كمومية معينة تستطيع أن تحمل فرميونا واحدا ووحيدا على الأكثر، في المقابل تستطيع البوزونات أن تشترك مع عدد لا نهائي من البوزونات الأخرى على نفس الحالة الكمومية. أي أن الفرميون يمنع أي فرميون آخر من أن يشاركه نفس الحالة الكمومية، بينما البوزون لا يبالي المشاركة. تسمى هذه الظاهرة الذي تخص الفرميونات مبدأ استبعاد باولي (Pauli Exclusion Principle) وذلك نسبة للعالم النمساوي فولفغانغ باولي (Wolfgang Pauli). من الصعب المبالغة في أهمية مبدأ استبعاد باولي، الذي قد يكون من أغرب صفات الجسيمات في نظرية الكمّ. إذ إن هذا المبدأ، الذي ينطبق على الإلكترونات، هو الذي يقف خلف الصفات الكيميائية للذرات وكيفية تعبئة المدارات المختلفة بها.
نتيجة لهذا الفرق بين نوعي الجسيمات هناك فرق في تصرفاتها الإحصائية، أي صفاتها العامة حين تكون معا بأعداد كبيرة. اكتشف الصفات الإحصائية للبوزونات عالم هندي اسمه ساتيندرا ناث بوز (Satyendra Nath Bose)عن طريق الصدفة، وذلك نتيجة لخطأ ارتكبه حين كان يعلم طلابه عن صفات الفوتونات الإحصائية. لِدهشته، وجد أنه على الرغم من الخطأ الذي ارتكبه، إلا أن نتائج حساباته لاءمت المعطيات التجريبية بدقة. لخص بوز استنتاجه الغريب في ورقة بحثية لأينشتاين، الذي أعجب بها والذي أضاف لها بدوره مقالاً من عنده، ومنذ ذلك الوقت تُعرف الجسيمات ذات أعداد اللف المغزلي الصحيحة باسم بوزونات، ويُعرف توزيعها الإحصائي بإسم توزيع بوز-أينشتاين.
أما النوع الآخر من الجسيمات، أي تلك التي عددها الكمّي للّف المغزلي نصف-الصحيح، فقد كان أول من درسها الفيزيائي الإيطالي الشهير إنريكو فيرمي (Enrico Fermi) ومباشرة من بعده العالم الإنجليزي الكبير بول ديراك (Paul Dirac). استطاع فيرمي و ديراك حساب الخواص الإحصائية لهذه الجسيمات وأثبتا أنها تتبع توزيعا معينا أصبح يسمى توزيع فيرمي-ديراك، وأصبحت الجسيمات التي تتبع هذا التوزيع تعرف باسم فرميونات. حساب هذا التوزيع يعتمد على أنه لا يمكن لأكثر من فرميون أن يشغل نفس الحالة الكمومية، أي إما أن تحوي هذه الحالة فرميون أو لا تحوي شيئا. إضافة إلى الإلكترونات التي ذكرتها سابقا، البروتونات والنيوترونات أيضا هي فرميونات.
ضغط الفرميونات والنجوم
بعد انتهاء الوقود النووي في مركز النجم يبدأ هذا بدوره بالانهيار على نفسه، وكلما انهار النجم أكثر على نفسه كل ما كبرت كثافته وكذلك قوة الجاذبية التي تعمل عليه. حتى تصبح كثافة عدد الإلكترونات التي تتركز في مركز النجم خلال هذا الانهيار كبيرة جدا. ولكي نفهم العلاقة بين خواص الفرميونات وما يحدث في النجوم علينا أن ندرك بأن هناك عددا نهائيا من الحالات الكمومية الممكنة للفرميونات في هذا النجم (كما في كل مجموعة فيزيائية). تبدأ الإلكترونات، خلال عملية انهيار نواة النجم، بتعبئة الحالات الكموميّة الواحدة تلو الأخرى.
يرينا الشكل رقم 2 تشبيها لما يحدث فكل مكعب صغير يعبر عن حالة كمومية معينة، والمكعب الكبير يعبر عن مجمل الحالات الكمومية، نتيجة للجاذبية تملأ المكعبات الصغيرة المكعب الكبير، أي تحتل الإلكترونات الحالات الكمومية المتاحة لها الواحدة تلوى الأخرى، حتى تمتلئ جميعها ولا تعد تسمح لإلكترونات إضافية بأن تنضم اليها. علينا أن نتذكر هنا بأن الإلكترونات، كونها من الفرميونات، لا تستطيع أن تشارك بعضها في الحالات الكمومية، بل كل حالة كهذه تستطيع أن تستوعب إلكتروناً واحداً على الأكثر. هذه الظاهرة، التي تنتج عن مبدأ استبعاد باولي، تقاوم الجاذبية التي تحاول تجميع المادة، وبالذات الإلكترونات، في مركز النجم. هذه المقاومة هي ظاهرة ضغط الإلكترونات (Electron Degeneracy Pressure)، و تعرف أيضا بشكل عام باسم ضغط غاز فيرمي.
الحساب الذي قام به تشاندراسيخار، وهو على متن السفينة، هو لقيمة ضغط الإلكترونات داخل النجم الذي توقف عن الاشتعال، وتوصل إلى أنه من الممكن لهذا الضغط، الذي ينبع من مقاومة الإلكترونات في أن تتواجد في نفس الحالة الكمومية، أن يوقف قوة الجاذبية. بيّن تشاندراسخار بأن ضغط الإلكترونات يتعلق بالكثافة فقط، لهذا كلما كبرت الكثافة كلما ازداد ضغط الإلكترونات المقاوم للجاذبية. إضافة إلى ذلك، استطاع تشاندراسخار أن يبرهن بأن هناك حدّا أعلى لقيمة هذا الضغط، إذ أنه عندما تكون قيمة الكتلة أكبر من 1.44 مرات كتلة الشمس لا يستطيع ضغط الإلكترونات أن يقف أكثر في وجه الجاذبية.
سنعود لما يحدث في هذه الحالة لاحقا، لكني أود أن أنوه هنا أن هذا هو السبب الذي يقف من وراء تقسيم دورة حياة النجوم إلى نجوم عادية ونجوم كبيرة. وذلك لأنه عندما تنتهي حياة النجوم العادية، وتبدأ نواتها بالانهيار، تستطيع قوة ضغط الإلكترونات أن تتصدى لتأثير الجاذبية، وأن توقف عملية انهيار النجم. أما حين تنهار نواة النجوم الكبيرة فهذه القوة لا تكفي ولهذا تستمر نواتها في الانهيار حتى تؤدي إلى إنفجار كبير جدا هو من أعظم الانفجارات في الفضاء.
موت النجوم
هل يستطيع ضغط الإلكترونات هذا أن يوقف الانهيار دائما بعد أن يتوقف الاشتعال في مركز النجم؟ الإجابة هي لا. لقد ذكرت في بداية هذا المقال بأن العامل الأساسي الحاسم في تطور النجم هو كتلته، فإذا كانت أقل من حوالي ثمانية أضعاف كتلة الشمس فهو يتطوّر بشكل معين، أما إذا كانت أكبر من ذلك فيتطوّر بشكل آخر.
يبين الشكل رقم 3 دورة حياة وموت النجوم بحيث تبدأ من يسار الصورة بسديم (غمامة) نجمي من الغاز الذي ينهار نتيجة الجاذبية حتى يشتعل في مركزه نوويا ليكوّن نجماً. إذا كانت كتلة هذا النجم صغيرة، يتبع عندها تطور النجم المسار العلوي الذي يصفه الشكل. أي عندما تنتهي حياته تتحول طبقاته الخارجية إلى عملاق أحمر ومن ثمّ إلى سديم كوكبي ينتشر في الفضاء لينثر مكوناته مجددا في الفلك الفسيح لتكون وقودا تنتج منها نجوم الجيل القادم (كما يظهر السهم الطويل في أعلى الصورة). أما نواة هذا النجم فتتحول عندما ينتهي وقوده النووي إلى قزم أبيض. يأخذ هذا القزم بالبرود رويدا رويدا حتى يصبح جسما داكنا يسمى قزما أسودا (Black Dwarf).
أما إذا كانت كتلة النجم الأولية أكبر بثماني مرات من كتلة الشمس فعندها تكون كتلة نواته في آخر عمره أكبر من كتلة تشاندراسخار (أي أكبر من 1.44 مرات كتلة الشمس)، لهذا عندما ينتهي الوقود النووي في المركز، لا يستطيع ضغط الإلكترونات أن يوقف إنهيار النواة. ما يحدث فيزيائيا هو أن الضغط الكبير الذي تواجهه المادة المنهارة على نفسها في نواة النجم، يجبر البروتونات والإلكترونات على الاندماج معا لتكوين نيوترونات، بحيث تصبح المادة في هذه الحالة مكونّة من نيوترونات فقط. في المراحل الاولى من هذه العملية تبدأ الطبقات الخارجية من النجم بالتضخم ويتحول لونها إلى أحمر، تسمى هذه المرحلة بمرحلة العملاق الأحمر الضخم أو الفائق (Red Supergiant)، وهي نجوم عملاقة الحجم تنتج في المراحل الأخيرة من حياة نجم كبير. خلال عملية الانهيار المتسارع لنواة النجم الكبير تتحرر منها طاقة هائلة تؤدي إلى أعظم الإنفجارات التي نراها في الكون إطلاقا (باستثناء الانفجار الكبير نفسه)، والمعروفة باسم المستعر الأعظم (Supernova)، بحيث يقذف هذا الانفجار بطبقات النجم الخارجية إلى الفضاء بشكل عنيف جدا. يضيء النجم المنفجر خلال تحريره لهذا القدر الهائل من الطاقة، بقدر مجرة كاملة من النجوم، أي بقدر ما يعادل 10 إلى 100 مليار نجم، ويدوم هذا لعدة أيام يتبعه أفول بطيء لكن مستمّر يدوم عدة أشهر.
خلال هذا الانفجار، ونتيجة الطاقة الهائلة التي تنتج عنه، تتكون العناصر الأثقل من الحديد، أي تحدث عملية اندماج عناصر خفيفة نسبيا لتكون عناصر أثقل من الحديد (مثل الزنك والفضة والذهب واليورانيوم وغيرها). أود أن أُذكر القارئ\ة هنا بأن مثل هذه الاندماجات لا تحدث في باطن النجوم لأنها اندماجات مستهلكة وليست منتجة للطاقة، لكن في مرحلة المستعر الأعظم هناك فائض كبير من الطاقة الذي تستطيع تلك العناصر استعماله لكي تندمج وتكوّن العناصر الثقيلة. هناك طريقة أخرى لإنتاج مثل هذه العناصر تحدث عندما يندمج نجمان نيوترونيان مع بعضهما البعض، وهذه العملية قد رصدها مؤخرا مرصد لايجو لأمواج الثقالة.
لكن ماذا يحدث لنواة النجم الذي انهار على نفسه ليكوّن المستعر الأعظم؟ في الحقيقة، هناك إمكانيتان لتطور هذه النواة، الإمكانية الأولى هي الإمكانية التي تسمى نجم نيوتروني، وهو جسم يتكون من نيوترونات له كثافة مذهلة تعادل تريليون مرة تقريبا كثافة الكرة الأرضية. أي أن ملعقة شاي صغيرة من المادة التي تصنع النجم النيوتروني تزن مليار طنّ، وهي كثافة خيالية. ولهذا الجسم حقل مغناطيسي قوي جدا ويصدر عنه نفاثين (Jets) نستطيع أن نرصد تأثيرهما بسهولة نسبيا.
تُوازن قوة الجاذبية، في حالة النجم النيوتروني، قوة أخرى تنتج عن ضغط النيوترونات. هذه القوة تشبه تلك التي تنشأ نتيجة ضغط الإلكترونات في القزم الأبيض، وهذا لأن النيوترونات هي أيضا فرميونات تقاوم أن تكون في نفس الحالة الكموميّة. لكنْ هنا أيضا يوجد حد للكتلة التي تستطيع النيوترونات أن تتحملها، وهي حوالي 3 أضعاف كتلة الشمس، التي هي كتلة النواة في نجم ذي كتلة كلية تعادل 20 مرة كتلة الشمس.
أما الإمكانية الثانية فتحدث إذا كانت كتلة النجم الأولية أكبر من عشرين مرة من كتلة الشمس، أي كتلة نواته أكبر من ثلاث مرات من كتلة الشمس، فعندها لا توجد أي قوة تستطيع أن توقف انهيار النواة الى المركز بحيث تكون كثافتها لانهائية. الذي يحدث في هذه الحالة هو أن الكثافة الهائلة التي تنتج عن الانهيار تحدث شرخا في الزمكان وتغيير صفاته الأساسية. الكثافة الهائلة التي يُحدثها هذا الانهيار تمنع أي شيء، حتى الضوء نفسه، من الهروب منه، لهذا نسمي هذه الأجسام بالثقوب السوداء (Black Holes). هذا وأصبحنا نعرف اليوم أن هذه الأجسام الغريبة منتشرة جدا في الكون وتلعب دورا هاما في الكثير من الظواهر التي نراها، وتتراوح كتلتها من 3 أضعاف إلى مليارات أضعاف كتلة الشمس. لن أسهب هنا في الحديث عن الثقوب السوداء، لكنها أجسام تستحق لوحدها أن تكتب عنها كتب كاملة.
نعود الآن الى المسار السفلي من الشكل رقم 3 الذي يصف تطور النجوم الكبيرة التي تنتهي بكوكب نيوترونات أو ثقب أسود. نرى هنا أيضا أن مرحلة المستعر الأعظم، مثلها مثل مرحلة السديم الكوكبي، تؤدي إلى قذف المادة التي تُكَوِّن النجم الى الفضاء، بحيث تصبح بدورها المادة الخام التي تتكون منها النجوم الجديدة مرة أخرى. وفي كل مرة يحدث هذا، تزداد نسبة العناصر الثقيلة (تلك الأثقل من الهيدروجين والهيليوم) في الغازات التي تكوّن المادة البين نجمية، لهذا يكون كل جيل من النجوم الجديدة أغنى من ذلك الذي سبقه بمثل هذه العناصر. في الحقيقة، بما أننا نعرف نسبة العناصر “الثقيلة” في شمسنا، نستطيع أن نستنتج أنها نجم من الجيل الثالث، أي إنه قد سبقها جيلان من النجوم.
هناك تأثير آخر للمستعر الأعظم لم أتناوله بعد، وهو أن هذا الإنفجار يصدر موجة صادمة (كتلك التي تصدر عن الطائرة التي تخترق سرعة الصوت) تنتشر في رحاب المادة البَيْن نجميّة. هذه الموجة الصادمة تضغط الغاز المتواجد بين النجوم بعض الشيء، وبالتالي تزيد من كثافته. في مواقع معينة، قد يكفي هذا الازدياد في الكثافة بأن يبدأ الغاز بالانهيار البطيء على نفسه ليتحوّل إلى سديم نجمي، يبدأ بدوره عملية نشوء النجوم من جديد. أي أن موت النجم هو في نفس الوقت بداية عملية ولادة نجوم جديدة، مكملا بذلك دورة ولادة، حياة، وموت النجوم الرائعة. يبيّن الشكل رقم 4 هذه العملية التي تبدأ مع النجوم الكبيرة الأولى، الظاهرة في الشق اليساري من الشكل، والتي تنهي حياتها كمُستعر أعظم، كما يظهر في الشقّ الأوسط من الشكل، مما يؤدي بالتالي إلى ولادة نجوم جديدة، كما يظهر في الشقّ الأيمن من الشكل.
في النهاية، علي أن أذكر أنه خلال عملية انهيار السديم النجمي وتكوينه لنجم جديد، ينشأ قرص رقيق جدا من المادة، يحيط بالنجم ويدور حوله. مع مرور الزمن تبدأ بعض الأجسام الصغيرة التي تتكون داخل القرص بالنموّ والكِبَر على حساب المادة المنتشرة في القرص الدقيق. هذه الأجسام هي الكواكب السيارة التي تحيط بالنجم. تكون كتلة هذه الكواكب في البداية صغيرة جداً، حيث تكبر وتكبر على حساب المادة المنتشرة في القرص الذي يدور حول النجم، حتى لا تُبقي تقريبا أي مادة أخرى فيه. أي أننا نتوقع أن تتكون مثل هذه الكواكب السيارة حول كل نجم. ونتوقع أيضا أن تكون كتلة الكواكب صغيرة جدا نسبة لكتلة النجم الأم ، وذلك لأنها تنمو من بقايا مادة السديم النجمي، الذي تنتهي الغالبية الساحقة منها في داخل النجم الجديد. على سبيل المثال تحوي الشمس أكثر من 99,8% من الكتلة المجملة في المجموعة الشمسية، أي أن الكواكب السيارة هي نواتج ثانوية لعملية تكون النجوم.
هذا ينطبق علينا أيضا، إذ أننا نعيش على كوكب سيار صغير وثانوي يدور حول نجم عادي وغير مركزي، تكوّن في مجرّة عادية لا يميزها شيء خاص. أي أنه من المرجّح أن الحياة على الأرض هي ليست الحياة الوحيدة في الكون، بل بالعكس، فالحياة على الأغلب هي ظاهرة عادية ومنتشرة جدا في رحاب الفضاء الفسيحة. لهذا الموضوع خصصت مقالا بعنوان “الحياة في الكون: هل هناك غيرنا؟”.
إعداد البروفيسور سليم زاروبي