نصادف في حياتنا اليومية الكثير من الناس الذين يتلعثمون ويتأتؤون في كلامهم، فهل تساءلت ما هو سبب هذه المشكلة، ولماذا عندما يضع هؤلاء الناس السماعات ويرفعون صوت الأغاني يحدث السحر ولا يتلعثمون حينها، وكيف يستطيع المتأتؤون أن يغنوا بطلاقة بينما يكونون عاجزين عن التحدّث بتلك الطلاقة، وذلك كما أظهره فيلم “خطاب الملك”The King’s Speech الذي تكلم عن معاناة الملك البريطاني جورج السادس من الـتأتأة أثناء الخطب الرسمية.
عندما نتكلم يقوم الدماغ بالتحكم بحركة الفم والحبال الصوتية مستخدمًا صوت المتحدث نفسه كدليل، وعملية التنسيق بين الصوت والحركة تحدث عادةً في النصف الأيسر للمخ، لكن عند المتأتئين يحدث ذلك في النصف الأيمن للمخ (و يمكن أن يرجع ذلك الى وجود خلل في النصف الأيسر)، والغناء يتطلب أيضًا التنسيق بين المعطيات الصوتية والحركة لكن هذه العملية تحدث في النصف الأيمن، وهذا ما يفسّر قدرة المتأتئين في كلامهم على الغناء دون مشاكل.
أمّاعدم التلعثم عند الاستماع إلى الأصوات الصاخبة فيعود إلى اختلافات في التنظيم العصبي لأدمغة المتأتئين، حيث أظهرت دراسة جديدة أن أدمغة المتلعثمين تختلف في شكلها عن أدمغة غير المتلعثمين، وربما يكون ذلك بداية الطريق لحل هذه المشكلة أو حتى معرفة من منّا معرض لخطر التأتأة في المستقبل .
قام فريق من جامعة تولين بقيادة طبيب الأعصاب آن فونداسAnne Foundas بقياس حجم مناطق الدماغ المتعلقة بالنطق عند ثلاثة عشر رجل وثلاث نساء ممن يعانون من التأتأة منذ طفولتهم وستة عشر آخرين لا يتأتؤون، مستخدمين تقنية الرنين المغناطيسي، فوجدوا أن هناك العديد من العوامل المؤثرة كالجنس (حيث تعدّت أرقام المتأتئين الذكور الإناث بنسبة 4 إلى 1)، واستخدام اليد (نسبة التأتأة أعلى بضعفين عند اليساريين ) اضافة الى العمر و التعليم.
بعد ذلك قاموا بمقارنة المناطق الدماغية المسؤولة عن الكلام وهي منطقة بروكا Broca’s area في مقدمة الدماغ ومنطقة فرنيكا Wernicke’s area في مؤخرته، حيث لاحظ الباحثون أنّ البنى الموجودة في المستوى الصدغي عند منطقة فرنيكا المسؤولة عن اللغة ولحن الصوت تكون أكبر حجمًا وأكثر تناظرًا عند المتأتئين، حيث توصل الفريق الى أنّ هذه المنطقة تبرز عادة في النصف الأيسر من المخ عند الأشخاص الذين يستخدون يدهم اليمنى، كما لاحظوا كثافة أكبر للتلافيف في منطقة بروكا من سطح الدماغ عند المتأتئين، وحسب اقتراحات فونداس في هذا الخصوص فمن شأن ذلك أن يعيق الترابط والتنسيق بين المنطقة السمعية والحركية في الدماغ وبالتالي حدوث التأتأة .
أخيرًا أثبتت الدراسة بشكل قطعي وجود فروق تشريحية هامة بين أدمغة المتأتئين وغير المتأتئين، ويقول الأخصائي في أمراض واضطرابات الكلام روجر إنغهام Roger Ingham من جامعة كاليفورنيا أن من شأن ذلك أن يزيد من فرضية الأساس الجيني والفيزيولوجي لمشكلة التأتأة.
- اعداد: رغد سليمان
- تدقيق: وفاء بخوش
- تحرير: عيسى هزيم
- المصدر