منذ أكثر من عقد، أجاب رحّال آلي أُرسل إلى المريخ عن أكثر الأسئلة إلحاحًا، وأصبح من الجليّ أن الكوكب الأحمر يحتوي على مواد عضوية مدفونة في رواسب جوفه القديمة. منذ ذلك الحين، ما زلنا نجد جزيئات عضوية على المريخ تثبت أن كيمياء الكربون منتشرة على الكوكب الأحمر المجاور لنا.

لكن هذا لا يعني أننا وجدنا إشارات على وجود حياة فضائية، على العكس تمامًا، يوجد الكثير من المعالجات غير البيولوجية التي تستطيع أن تنتج جزيئات عضوية، إلا أن مصدر المواد يُعد أحجية غامضة.

الآن، كشف فريق من الباحثين على رأسهم العالم الكوكبي يشيرو يونو من معهد طوكيو للتكنولوجيا عن دليل يتعلق بمصدر هذه المواد في الغلاف الجوي، حيث يوجد ثاني أكسيد الكربون في أشعة الشمس فوق البنفسجية، فيتفاعل ليشكل سحابة من جزيئات الكربون التي تمطر على سطح الكوكب.

حسنًا، إن هذا ليس مثيرًا للاهتمام مثل بيولوجيا المريخ، ولكن قد يساعدنا الاكتشاف على معرفة الطريقة التي وصلت بها مكونات الحياة إلى هنا على كوكب الأرض قبل مليار سنة مضت.

قال الكيميائي ماثيو جونسون من جامعة كوبنهاغن: «قد يظن بعض الناس أن الجزيئات المقعدة التي تُصنع من الكربون تُعد من المتطلبات السابقة للحياة والحجر الأساس في بناء الحياة».

أضاف أيضًا: «لذلك، فإن هذا شبيه بالسؤال المتداول القديم أيهما أتى أولًا، البيضة أو الدجاجة. نحن نثبت أن المواد العضوية التي وجدناها على المريخ تشكّلت عن طريق تفاعلات كيميائية ضوئية في الغلاف الجوي، بعيدًا عن الحياة، وهذه هي “البيضة” التي تُعد من المتطلبات السابقة للحياة، وما زال أمامنا مهمة إثبات جدلية عضوية المواد التي تشكلت على المريخ».

الاعتقاد بأن التحلل الضوئي، وهي عملية تكسير الجزيئات بواسطة الضوء، يؤدي دورًا في الكيمياء العضوية المُكتشفة على سطح المريخ كان متداولًا من فترة من الزمن.

لقد نشر جونسون واثنين من زملائه ورقة بحثية عن الفرضيات التي انتشرت في عام 2013 على أساس المحاكاة، وتحقق آخرون من صحتها فيما بعد.

إن ما نحن بحاجة إليه هو دليل دامغ من المريخ يتوافق مع نتائج المحاكاة.

ينتج عن التحلل الضوئي لثاني أكسيد الكربون أحادي أكسيد الكربون وذرات من الأكسجين، ولكن يوجد اثنين من النظائر الفيزيائية أو الكتل للكربون الثابت، والأكثر شيوعًا هو الكربون-12 الذي يحتوي على ستة بروتونات وستة نيوترونات، وثاني أثقل كتلة هي كربون-13 الذي يحتوي على ستة بروتونات وستة نيوترونات.

يعمل التحلل الضوئي بطريقة أسرع على النظير الفيزيائي الأخف وزنًا، لذلك عندما تفكك الأشعة فوق البنفسجية خليط الكربون -12 و-13 في الغلاف الجوي، تتفكك جزيئات الكربون -12 بطريقة أسرع، ما يترك الكثير من ثاني أكسيد الكربون -13 خلفه.

اُكتشف هذا الغنى بالكربون -13 في الغلاف الجوي منذ سنين مضت. حلل الباحثون النيزك الذي جاء من المريخ ووقع في القارة القطبية الجنوبية الذي يحتوي على معادن كربونية تشكّلت من ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي المريخي.

استفاض جونسون في الشرح قائلًا: «إن الدليل النهائي هنا هو أن نسبة النظير الكربوني بها مطابقة تمامًا لتوقعاتنا محاكاة الكيمياء الكميّة، ولكن تنقص الأحجية قطعة واحدة».

تابع أيضًا: «كنا نفتقد للمنتج الآخر لهذه العملية الكيميائية لتأكيد النظرية، وقد حصلنا عليه الآن».

وُجدت القطعة المفقودة من الأحجية في البيانات التي حصل عليها (متجول كريوسيتي= Curiosity rover) في حفرة غالا. يوجد كربون -13 بكثرة في عينات معادن الكربون المُكتشفة على أرض المريخ توافق تمامًا الكربون -13 الموجود بوفرة في النيزك المريخي.

قال جونسون: «لا توجد طريقة أخرى لتفسير وفرة كربون -13 في كل من المواد العضوية والنيزك المريخي، كلاهما يشبه تركيب الحمم البركانية لثاني أكسيد الكربون المنبعثة من المريخ التي تحتوي على تركيب ثابت مشابه للحمم البركانية الخاصة بالأرض وتشكّل الأساس في التركيبة».

يقول الباحثون أن هذا دليل قوي على أن مواد الكربون العضوية التي اكتشفها متجول كريوسيتي تشكّلت من ثاني أكسيد الكربون الناتج عن عملية التحلل الضوئي، وهذا يعطينا فكرة عن أصل المواد العضوية الموجودة في الأرض.

قبل مليار سنة، عندما لم يكن النظام الشمسي ليس إلا طفلًا رضيعًا، كان الغلاف الجوي للأرض وكوكب الزهرة والمريخ متشابهًا إلى حد كبير، ما يوحي أن العملية ذاتها حصلت على كوكبنا الأم.

منذ ذلك الوقت، تطورت الكواكب الثلاثة بمناحي مختلفة؛ إذ إن المريخ والزهرة غير صالحين للحياة نظرًا إلى المعلومات التي لدينا عنهما، ولكن البيئة الحمراء للمريخ قدمت لنا فكرة تتعلق بأصولنا.

قال جونسون: «لم نجد بعد تلك المادة “التي تقطع الشك باليقين” هنا على الأرض لإثبات أن العملية حصلت، ربما لأن سطح الأرض نابض أكثر بالحياة، من الناحية الجيولوجية والحرفية، لذلك هي دائمة التغيير».

تابع أيضًا: «إلا أن عثورنا على هذه المادة على المريخ تُعد خطوة كبيرة منذ أن كان الكوكبان متشابهين».

نُشرت نتائج الفريق في مجلة (علوم جيولوجيا الطبيعة = Nature Geoscience).

اقرأ أيضًا:

نيازك المريخ التي وصلت إلى الأرض تكشف سرًا بركانيًا قديمًا

ثقب غامض على سطح المريخ، وما زال مبهمًا ولم تعرف ماهيته حتى الآن

ترجمة: خضر نعامة

تدقيق: زين حيدر

مراجعة: هادية أحمد زكي

المصدر