تُعد حبوب منع الحمل دواءً ثوريًا غيّر حياة الملايين حول العالم. إذ دمج البروجسترون والإستروجين بالشكل الصحيح لا ليمنع الحمل فحسب، بل يمكن استخدامه أيضًا لعلاج حب الشباب وآلام الدورة الشهرية والصداع النصفي وأعراض انتباذ بطانة الرحم.

لكن حبوب منع الحمل لها مخاطر وآثار جانبية تختلف بين شخص وآخر، ويبدو أن الاكتئاب هو أحد هذه المخاطر.

كشفت دراسة رصدية حديثة أُجريت على 264557 شخصًا في البنك الحيوي بالمملكة المتحدة، دليلًا إضافيًا على ارتباط وسائل منع الحمل المركبة الفموية بزيادة خطر الإصابة بالاكتئاب بعد وقت قصير من بدء استخدامها.

أجرى البحث علماء جامعة أوبسالا في السويد، وجامعة ملبورن في أستراليا، وجامعة كوبنهاغن في الدنمارك، ورغم عدم إثبات العلاقة السببية، فإن النتائج تستحق المزيد من الدراسة.

مقارنةً بالمشاركات اللائي لم يسبق لهنّ تناول حبوب منع الحمل بالفم في حياتهن، وجد الباحثون أن من بدأن تناول الحبوب فمويًا واجهن خطرًا متزايدًا بنسبة 80% للإصابة بالاكتئاب في العامين الأولين. ويبدو أن المراهقات هن الفئة الأكثر عرضة للإصابة.

في العامين الأولين من استخدام الحبوب فمويًا، واجه الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 20 عامًا خطرًا متزايدًا للإصابة بالاكتئاب بنسبة 95%؜.

رغم أهمية النتائج، لا ينبغي أن تمنع الناس من تناول وسائل منع الحمل الفموية لأن هذه الأدوية تساعد الكثيرين وهي فعّالة للغاية.

ومع ذلك من المهم أن يكون الأطباء والمرضى على دراية بالآثار الجانبية الخطيرة التي قد تنشأ في السنوات الأولى.

مع أن خطر الإصابة بالاكتئاب محتمل، فيبدو أنه يتراجع بمرور الزمن.

في دراسة البنك الحيوي، كان خطر الإصابة بالاكتئاب مدى الحياة بين من تناولن حبوب منع الحمل أكثر بنسبة 5٪؜ فقط مقارنةً بمجموعة الأشخاص الذين لا يتناولونها.

قالت باحثة الأدوية تيريز جوهانسون من أوبسالا: «يجب على الأطباء النفسيين التفكير في مناقشة هذا الخطر المحتمل مع مرضاهم، ومراقبة أي تغيرات في الحالة المزاجية أو الصحة العقلية من كثب في أثناء استخدام وسائل منع الحمل».

أكدت الدراسة الحاجة إلى مواصلة البحث والحوار في هذا المجال، بهدف توفير رعاية ودعم أفضل للنساء في إدارة صحتهن الإنجابية مع الحفاظ على سلامتهن العقلية.

«يُعد المزاج السلبي والاكتئاب من أكثر الآثار الجانبية شيوعًا المُبلغ عنها نتيجة استخدام وسائل منع الحمل الهرمونية، مع ذلك ظلت العلاقة بين حبوب منع الحمل واضطرابات المزاج (لم تُعالج بما يكفي)».

وجدت الدراسات الرصدية الكبيرة في الدنمارك والسويد أيضًا ارتباطات بين وسائل منع الحمل الهرمونية وخطر الاكتئاب لدى المراهقين، إلا أن التجارب السريرية العشوائية لم تكشف عن علاقة سببية واضحة. قد يكون جزء من المشكلة انسحاب المرضى الذين يعانون اضطرابات المزاج بمعدل أعلى.

توفيرًا للمزيد من المعلومات حول الموضوع، حلل فريق دولي من الباحثين، بقيادة جوهانسون وزملاؤها في أوبسالا، بيانات الصحة العقلية من مجموعة فرعية مكونة من 82232 امرأة في البنك الحيوي في المملكة المتحدة، ووجدوا في هذا التحليل الإضافي أن من استخدمن وسائل منع الحمل الفموية واجهن خطرًا مضاعفًا للإصابة بالاكتئاب في أول عامين من بدء تناول الأدوية مقارنةً بمن لم يستخدمنها مطلقًا.

بالمقارنة، واجه المراهقون خطرًا أعلى بنسبة 130٪؜ للإصابة بأعراض الاكتئاب خلال العامين الأولين.

لاحظ المؤلفون أن النساء في مرحلة البلوغ قد مررن بالفعل بتغيرات هرمونية كبيرة، التي قد تكون جزءًا من سبب عدم تأثير موانع الحمل الفموية عليهن بالقدر ذاته.

يرى باحثون آخرون أن هذا التأثير الأقوى لدى النساء الأصغر سنًا يمكن تفسيره من خلال النسبة الأعلى من المستخدمين للمرة الأولى، وليس بسبب العمر الأصغر بذاته.

توجد حاجة إلى المزيد من البحث لفهم هل وسائل منع الحمل الهرمونية تؤثر في مزاج الشخص من خلال علاقة سببية؟ وكيف يتغير تأثيرها قبل البلوغ وبعده؟

اختتمت جوهانسون: «شملت الدراسة حبوب منع الحمل المركبة، من ثم لا يمكننا استخلاص استنتاجات حول خيارات منع الحمل الأخرى، مثل الحبوب الصغيرة، أو لصقات منع الحمل، أو اللوالب الهرمونية، أو الحلقات المهبلية، أو قضبان منع الحمل».

يهدف الباحثون لتوفير المزيد من المعلومات حول الأنواع الأخرى في المستقبل، حتى يتمكن المرضى من اتخاذ قرارات مستنيرة بشأن خيارات منع الحمل المتاحة لهم.

اقرأ أيضًا:

هل تسبب حبوب منع الحمل السمنة؟

حبوب منع الحمل وتأثيرها على تعامل الدماغ مع الخوف

ترجمة: وفاء محمد بالوش

تدقيق: آلاء ديب

المصدر