يعد تأثير المراقبة أحد أهم المحاور الغريبة لنظريّة الكم، وتكمن الفكرة في أن فعل المراقبة، وقياس شيءٍ ما – فقط المراقبة والقياس دون أي شيءٍ آخر- بإمكانها تغيير الحالة بطريقةٍ ما.
وتثبت دراسةٌ جديدةٌ تعتمد على النَّمذجة النَّظريّة أن هذا التَّأثير يمكن أن يغير تدفُّق جسيمات الطاقة في التَّيار؛ لتتحرك بالاتجاه المعاكس له.
وأُثبتت الفكرة بورقةٍ بحثيّةٍ شهيرةٍ نشرها باحثون في معهد وايزمان عام 1998م، إذ أثبتت أن عمليّة المراقبة تغيّر من الطريقة التي تتصرف بها الإلكترونات عندما تعبر خلال الفتحات، فعند المراقبة تتصرف الإلكترونات على أنها جزيئاتٍ ودون مراقبةٍ تتصرف على أنها جزيئاتٌ وأمواجٌ.
وقد درس العلماء هذا المجال بشكلٍ جيدٍ في ورقةٍ بحثيّةٍ أخرى نشرت عام 2011م، أثبتت أيضًا انتشار زخم الحركة الناتج عن الفوتون عند عبوره خلال الثُّقوب مع بدايّة القياسات.
أما البحث الجديد بقيادة أنجيل روبيو (Ángel Rubio) من جامعة الباسك ومعهد ماكس بلانك، فيتعلَّق بمراقبة الحرارة والجسيمات في التّيار.
إن الحرارة في نظام الديناميكا الحراريّة الكلاسيكي، تتدفق من الجسم الأكثر سخونةً إلى الأكثر برودةً، ويعمل هذا المبدأ بشكلٍ جيّدٍ بالنسبة إلى كلِّ أشكال الطاقة مثل الكهرباء، من الجهد الأعلى إلى الأقل، والأمر نفسه ينطبق على النُّظم الكميّة، ولكن الفريق وجد أن الحالة الشَّاذة عن هذا المبدأ تحدث عندما يتدخل المراقب الخارجي في النّظام الكمّي لينعكس تدفق الطاقة والجسيمات.
وجاء في الورقة البحثيّة، ما مفاده: “لقد برهنا أن من يتحكم بتدفُّق التّيار والسّخونة في الأجهزة الحراريّة الكهربائيّة النانويّة المعياريّة ليست درجة الحرارة وحدها بتدرجها المحتمل، بل عمل المراقب الكمّي، فهو يتدخل أيضًا في ذلك، واعتمادًا على كيفيّة ومكان المراقبة، يمكن التَّحكم في اتجاه الحرارة وتيارات الجسيمات بشكلٍ مستقلٍ، وفي الواقع تبيَّن أن تدفُّق التيار والحرارة في مادةٍ كميّةٍ يمكن أن يتعارض مع تدرجات الجهد والحرارة العادية”.
ووجد الباحثون أنه عند قياس المراقب الكمّي للنظام في بعض النّقاط، تأثيرٌ على اتجاه التيار، وعندما لا يكون هناك مراقب، تتدفق الحرارة من الأعلى حرارة إلى الأبرد، وكما هو متوقعٌ عندما يحدث القياس في مكانٍ معينٍ، يتضخم تدفق التَّيار الطبيعي، أما عندما يكون القياس في موقعٍ معاكسٍ فإنه يتغير اتجاه التيار؛ ليتحرك من الأبرد للأسخن.
ويمكنك أن ترى انطباع الفنان الذي يلعب في الصورة أدناه دور المراقب الكمّي وملاحظة تدفق المياه المشابه لتدفق التيار.
واعتمادًا على المكان الذي يختاره المراقب، والجزء الذي يختاره من المشهد يكون شكل تدفق المياه مختلفا كما تدفق التَّيار تمامًا.
قد يبدو أن هذه الدراسة تتعارض مع منطوق رودولف كلازيوس (Rudolf Clausius) الذي أطلق عام 1954م، والقانون الثاني للديناميكا الحراريّة الذي ينص على: “من المستحيل على آلةٍ معزولةٍ تعمل بشكلٍّ دوريٍّ دون أي قوة خارجيّة، أن تنقل الحرارة من جسمٍ في درجة حرارةٍ منخفضةٍ إلى جسمٍ درجة حرارته أعلى”.
ولكن، وفقًا لروبيو ليس هناك شيء من هذا القبيل، أو أي انتهاكٍ للقانون الثاني للديناميكا الحراريّة، يقول: “إن ما يحدث هو أن عمليّة المراقبة أو إدخال مراقبٍ إلى النظام، تشكل عقبةً كما لو كنت تغلق قناةً في خط أنابيب تتدفق المياه عن طريقه”.
ويضيف: “من الواضح أنه إذا بدأت عمليّة زيادة الحمل فسينتهي التّيار بالاتجاه المعاكس، وبعبارةٍ أخرى، فالمراقب سيراقب حالة النّظام حتى ينتقل التّيار أو الطاقة في اتجاهاتٍ متعاكسةٍ”.
ويمكن استخدام هذا الاكتشاف في النّقل الكمّي مع التّحكم في الاتجاه، إضافةً إلى تطبيقاتٍ محتملةٍ في أنظمة النَّانو تغطي مجالاتٍ مختلفةٍ في الأجهزة الحراريّة الكهربائيّة، والصَّوتيات، والاستشعار.
إلا أن هذا الطريق يعد طويلًا، فإنشاء نظامٍ كهذا في العالم الحقيقي، يحتاج إلى الكثير من العمل، يقول روبيو: “كان عملنا من منظورٍ نظريٍ، اقترحنا فيه نموذجًا بسيطًا ونظريّةً يمكن بسهولة التّحقق منها؛ لأن الطاقة والأنتروبيا محفوظة”.
أما إجراء هذه العمليّة تجريبيًا فسيكون مسألةً أخرى، وعلى الرغم من أن نوع الجهاز الذي يجب تصميمه موجودٌ أساسًا وإنتاجه ممكن، إلا أنه في الوقت الراهن ليس لدينا الإمكانيّة للقيام بذلك بطريقةٍ يمكننا السيطرة عليه بها”، وفي هذه الأثناء على تلك الجسيمات الكمّية الاستمرار في الدّوران فقط.
ترجمة: دعاء عساف.
تدقيق: رجاء العطاونة.
تحرير: رؤى درخباني.