نعلم أن الثقوب السوداء موجودة بالفعل، لكن ماذا لو كانت طبيعة هذه الثقوب السوداء مختلفة كليًا؟

يستعرض بحث جديد يتناول فكرة بديلة عن ماهية الثقوب السوداء، مشيرًا إلى أنها قد تكون مختلفة تمامًا عن تصورنا التقليدي لها. الثقوب السوداء مصادر هائلة للجاذبية، كما تنبَّأت بها نظرية “النسبية العامة” لأينشتاين، وتتميز بوجود منطقة خارجية تدعى أفق الحدث، وهي الحد الذي لا يمكن لأي شيء حتى الضوء الهروب منه. إضافةً إلى ذلك، من المتوقع أن الثقوب السوداء تحتوي على نقطة ذات كثافة لا نهائية تعرف بالتفرد، حيث تنهار قوانين الفيزياء المعروفة، ولا يصبح لأي شيء معنى.

لكن هذا التصور التقليدي تغير مع ظهور ما يعرف ب “مفارقة معلومات الثقب الأسود”. إذا كان للثقب الأسود كتلة (وهو يمتلك الكثير منها)، إذًا وفق القانون الأول للديناميكا الحرارية يجب أن تكون له درجة حرارة، لذا، وفقا للقانون الثاني للديناميكا الحرارية، فلا بد أن يشع حرارة. لقد أثبت ستيفن هوكينج أن الثقوب السوداء لا بد أن تصدر إشعاعًا -يُطلق عليه الآن إشعاع هوكينج- الذي يتشكل عند حدود الثقب الأسود.

قال عالم الفيزياء الفلكية الفرنسي جين بيير لوميني في مقالة عام 2016: «حينها أشار هوكينج إلى مفارقة، فإذا كان الثقب الأسود يتبخر، فإن جزءًا من المعلومات التي يحتويها تكون قد ضاعت إلى الأبد». وأضاف لوميني: «إن المعلومات التي تحتويها الإشعاعات الحرارية المنبعثة من الثقب الأسود تتحلل، فهي لا تلخص المعلومات المتعلقة بالمادة التي ابتلعها الثقب الأسود سابقًا. إن المعلومات تُفقَد بطريقة تجعلها غير قابلة للاسترجاع وهذا ما يتعارض مع أحد المُسلَّمات الخاصة بمبادئ ميكانيكا الكم. وفقًا لمعادلة شرودنجر، لا يمكن للأنظمة الفيزيائية التي تتغير بمرور الوقت إنشاء المعلومات أو تدميرها، وهي الخاصية المعروفة باسم (الوحدة)».

قد عمل علماء الفيزياء باستمرار منذ أن وصف كارل شوارزشيلد لأول مرة “الثقب الأسود غير الدوار” في عام 1915 من أجل حل هذه المشاكل.

في حين أننا نعلم أن هناك أجسامًا تشبه الثقوب السوداء، اقترح بعض علماء الفيزياء تفسيرًا بديلًا لماهية هذه الأجسام. إحدى هذه التفسيرات تقول أنها ليست حقيقةً الثقوب السوداء التي تنبأت بها معادلات أينشتاين (مع أن فكرة الثقوب السوداء تسبق أينشتاين بأكثر من 100 عام)، ولكنها أجسام فائقة الاكتناز يطلق عليها “النجوم المتجمدة”.

أوضح رامي بروستين، أستاذ الفيزياء في جامعة بن جوريون في إسرائيل، لموقع لايف ساينس: «النجوم المتجمدة تحاكي الثقوب السوداء، فهي أجسام فلكية فائقة الصغر خالية من التفردات، وتفتقر إلى الأفق، ولكنها مع ذلك يمكن أن تحاكي جميع الخصائص التي يمكن ملاحظتها للثقوب السوداء». وتابع: «إذا كانت موجودة بالفعل، فإنها تشير إلى الحاجة إلى تعديل نظرية النسبية العامة لأينشتاين تعديلًا كبيرًا وجوهريًا».

إحدى الطرق التي حاول فيها علماء الفيزياء تفسير كيفية منع التفردات -وهي مناطق ذات كثافة لا نهائية داخل ثقب أسود- هي أن عدم اليقين الكمي يمنع هذا الانهيار. باختصار، ينص مبدأ عدم اليقين لهايزنبرج على أنه كلما زادت معرفتك بموقع الجسيم، قلت معرفتك بزخمه. فعندما تُجبر المادة على دخول الثقب الأسود في نقطة واحدة، فإن الجسيمات ستقاوم الضغط في نقطة محددة وتُوَلِّد نوعًا من “الضغط الكمي” الذي يندفع إلى الخارج ويمنع التفرد.

في حين أن النجوم المتجمدة تبدو مشابهة إلى حد كبير للثقوب السوداء التي نرصدها ونستنتجها عندما ننظر إلى مجرتنا والكون الواسع، لكنها تختلف من نواحٍ عديدة.

يشرح الفريق في ورقتهم البحثية: «يعتمد نموذج البوليمر على فكرة مفادها أن الجزء الداخلي لأي جسم منتظم يجب أن يكون في حالة غير كلاسيكية تمامًا ليحاكي بنجاح ثقبًا أسودًا، الذي تنص عليه فكرة أن عدم اليقين الذي يمنع انهيار المادة إلى نقطة تفرد، بنفس الطريقة التي تكون بها ذرة الهيدروجين الكمومية مستقرة ضد الانهيار، الحالة غير الكلاسيكية تمامًا تعادل الحصول على أقصى كثافة إنتروبيا، ما يؤدي بدوره إلى أقصى ضغط شعاعي إيجابي لحالة كثافة ذات طاقة ثابتة. يهدف نموذج النجم المتجمد إلى محاكاة خصائص هذه الحالة الكمومية من حيث الهندسة الكلاسيكية، التي تقلب اتجاه الضغط الشعاعي من أقصى اتجاه موجب إلى أقصى قيمة سالبة».

هذا الاقتراح البديل المبني على نظرية الأوتار الذي عُبر عنه رياضيا في الورقة البحثية، من شأنه أن يصف ثقباً أسوداً مشابهاً للثقوب السوداء التي نعرفها، من حيث الإشعاع الحراري والانتروبيا، ولكن من دون التفردات المرتبطة بها التي تسبب الكثير من الصداع. الفكرة البديلة تقترح أيضًا أن النجوم المجمدة تمتلك جدار حماية في حالة شديدة الاستثارة تحميهم من الانهيار. والأمر الأكثر أهمية، أنه يمكن ملاحظة الاختلافات عن طريق اكتشافات موجات الجاذبية في المستقبل عبر تصادم الثقوب السوداء.

اقرأ أيضًا:

تلسكوب جيمس ويب الفضائي يؤكد “مقتل” مجرة بعيدة بواسطة ثقب أسود!

آينشتاين محقّ مرة أخرى! اكتشاف منطقة غريبة حول ثقب أسود، فما هي؟

ترجمة: محمد الشرقاوي

تدقيق: بسام موسى

مراجعة: باسل حميدي

المصدر