عانى الفيزيائيون لفهم طبيعة الزمن منذ بدء المجال بحد ذاته، لكن دراسة جديدة تقترح أن مفهوم الزمن هو محض وهم يطوف في مستويات كمية، فقد لا يكون الوقت عنصرًا أساسيًا في الكون، بل ربما مجرد وهم ناشئ عن التشابك الكمومي.

يبقى الوقت في الواقع مشكلة معقدة لعلماء الفيزياء؛ إذ تتسبب سلوكاته غير المتسقة مع أفضل نظرياتنا للكون في عرقلة البحث عن نظرية لكل شيء، أو إطار يفسر كل الفيزياء في الكون.

لكن في الدراسة الجديدة، يقترح الباحثون أنهم ربما وجدوا مفتاحًا لحل هذه المسألة، وذلك بجعل الزمن نتيجة للتشابك الكمومي، الاتصال الغريب بين جسيمات بعيدة عن بعضها، وقد نشروا نتائجهم في 10 مايو في مجلة Physical Review A.

يقول أليساندرو كوبو بوصفه المؤلف الأول للدراسة وفيزيائي في المجلس الوطني للبحوث في إيطاليا: «توجد طريقة لإدخال الوقت بطريقة تتفق مع القوانين الكلاسيكية والكمومية، وهي تجسيد للتشابك … الترابط بين الساعة والنظام يخلق ظهور الوقت، عنصرًا أساسيًا في حياتنا».

في الميكانيكا الكمومية -أفضل نظرياتنا للعالم المجهري- يعد الوقت ظاهرة ثابتة، تدفق لا رجعة فيه من الماضي إلى الحاضر، ويظل خارجيًا عن الأنظمة الكمومية الغريبة والمتغيرة باستمرار التي يقيسها، وبالوسع رصده فقط بملاحظة التغييرات في كيانات خارجية، مثل عقارب الساعة.

على الجانب الآخر، وفقًا لنظرية النسبية العامة لأينشتاين -التي تصف الأجسام الأكبر مثل أجسامنا والنجوم والمجرات- يتشابك الزمن مع الفضاء، وقد ينعكس ويتمدد بسرعات عالية أو في وجود الجاذبية، وهذا يترك نظريتينا الأفضل عن الواقع في مأزق أساسي، ودون حل له ستبقى نظرية متماسكة لكل شيء بعيدة المنال.

قال كوبو: «يبدو أنه يوجد تناقض خطير في نظرية الكم … هذا ما نسميه مشكلة الوقت».

لحل هذه المشكلة، توجه الباحثون إلى نظرية تُعرف بآلية بيج ووترز، وقد اقتُرحت هذه النظرية أول مرة عام 1983، وتُبرز أن الوقت ينشأ لجسم ما بتشابكه الكمومي مع جسم آخر يعمل كساعة. أما النظام غير المتشابك، على الجانب الآخر، لا يوجد وقت، ويدرك النظام الكون وكأنه مجمد ولا يتغير.

بتطبيق آلية بيج ووترز على حالتين كموميتين نظريتين متشابكتين ولكن غير تفاعليتين -الأولى متذبذبة كموجه مثبت، والثانية مجموعة من المغناطيسات الصغيرة تعمل كساعة. وجد الفيزيائيون أن بإمكانهم وصف نظامهم بطريقة مثالية بمعادلة شرودينغر التي تتنبأ بسلوك الأشياء الكمومية، ولكن في مكان الزمن، تشتغل نسختهم من المعادلة الشهيرة وفقًا لحالات المغناطيسات الصغيرة التي تعمل كساعة.

هذه الرؤية ليست جديدة، ولكن خطوة الفريق التالية كانت المحورية؛ إذ كرروا حساباتهم مرتين، فافترضوا في الأولى أن كل من ساعة المغناطيس بالترافق مع مذبذب هارمونيكي هما أجسام كبيرة (ماكروسكوبية). تبسطت معادلاتهم إلى تلك للفيزياء الكلاسيكية، ما يشير إلى أن تدفق الوقت هو نتيجة للتشابك حتى للأجسام على مقياس كبير.

صرّح كوبو: «نعتقد بقوة أن الاتجاه الصحيح والمنطقي هو البدء من الفيزياء الكمومية وفهم كيفية الوصول إلى الفيزياء الكلاسيكية، وليس العكس».

لقد عبّر كثير من الفيزيائيين عن حذرهم، فمع أنهم وجدوا آلية بيج ووترز فكرةً مثيرةً لأصل الزمن الكمومي، قالوا إنها لم تُنتج حتى الآن أي شيء يمكن اختباره.

قال فلاتكو فيدرال بوصفه أستاذ علم معلومات الكم في جامعة أكسفورد الذي لم يشارك في الدراسة: «نعم، من الاتساق الرياضي أن نفكر في الوقت العالمي كالتشابك بين حقول الكم والحالات الكمومية للمساحة الثلاثية الأبعاد … لكن لا أحد يعرف إن كان أي شيء جديد أو مثمر سينتج من هذه الصورة، مثل التعديلات على الفيزياء الكمومية والنسبية العامة، والاختبارات التجريبية المقابلة».

ومع كل هذه الشكوك، قد يكون بناء نظريات الزمن من الفيزياء الكمومية مكانًا واعدًا للبداية، طالما أنها يمكن تشكيلها لتتناسب مع التجارب.

يقول آدم فرانك بوصفه فيزيائيًا نظريًا في جامعة روتشستر في نيويورك لم يكن ضمن الدراسة: «ربما يوجد شيء يتعلق بالتشابك حيث يؤدي دورًا … ربما الطريقة الوحيدة لفهم الوقت ليست من منظور خارجي متعالٍ، ولكن من الداخل من منظور يسأل ما الذي يجعل الحياة تشكّل ظهورًا كهذا للعالم».

اقرأ أيضًا:

علماء ينجحون في صناعة أنحف عدسة على الإطلاق بواسطة فيزياء الكم

تقنية جديدة في الفيزياء الكمية قد تساهم في تغيير طريقتنا في دراسة الكون

ترجمة: زين العابدين بدور

تدقيق: محمد حسان عجك

مراجعة: هادية أحمد زكي

المصدر