هل الكون أزلي؟ إذ كان كذلك فربما يعود إلى نقطة التفرد ثم يبدأ من جديد في سلسلة من الانفجارات والارتدادات العظيمة في دورة لا نهائية، إذ ترتد المادة كلها وتنسحق على بعضها في مُفردة. ومن ثم ينطلق منها الكون مجددًا وتستمر الدورة مرارًا وتكرارًا.
مع ذلك، لم تنجح الحسابات الرياضية لتلك النظرية بالدرجة التي قد تخبرنا هل يعمل كوننا بتلك الدورة اللا نهائية أم أن له بداية ونهاية واحدة؟ حديثًا تطلع فريق من النظريين إلى نظرية الأوتار أنها قد تمثل حلًا للغز الكون المبكر. ستعطينا النتائج الدفعة النظرية التي نحتاج إليها لبناء الكون، ومن ثم دعم نظرية الكون المتكرر.
إذا كنت تريد إنشاء نموذجك النظري الخاص بالكون، فأهلًا بك! لا أحد سيمنعك من بناء علم الكونيات الخاص بك. لكن إذا وددت أن تمارس لعبة الكون، يجب أن تلتزم قواعدها. أي إنه لا يهم كثيرًا ما يحتويه نموذجك الكوني، بقدر حتمية خضوعه لما سيواجهه من بعض الأدلة الرصدية القاسية.
مثلًا نحن نعلم أننا في كون متمدد. حيث تبتعد النجوم والمجرات عنا بسرعة متزايدة. يمكن العلماء التيقن من ذلك باستخدام تقنيات حسابية مختلفة تمكنهم من حساب سرعة المجرات المتحركة على مسافات مختلفة منا. إضافةً إلى صورة الكون المبكر في إشعاع الخلفية الكونية الميكروي، حين كان يبلغ من العمر 380,000 سنة فقط، وهذا مبكر جدًا، فعمر الكون الحالي 13.8 مليار سنة.
في صورة الكون المبكرة يمكننا أن نرى أنماطًا مثيرة للاهتمام، كبقع صغيرة أظهرت تباينات ضئيلة في درجات الحرارة والضغوط في الكون المبكر.
يمكننا تفسير كل تلك الملاحظات المرصودة وأكثر من ذلك بما يُسمى علم كونيات الانفجار العظيم، إضافةً إلى فكرة التضخم، الذي نعتقد أنه حدث عندما كان عمر الكون أقل من ثانية واحدة. في تلك العملية -التي استغرقت أجزاء من الثانية- توسع الكون جدًا، ما جعل اختلافات التقلبات الكمية الحادثة حينها أكبر.
تلك الاختلافات الطفيفة، نمت في النهاية على شكل بقع ذات كثافة عالية مقارنةً بغيرها، ما جعل جاذبيتها أكبر. مع الوقت، أصبحت تلك الاختلافات كبيرة بما يكفي لتدمغ نفسها كبقع في صورة الكون الأولي. وبعد مليارات السنين، نشأت الأجرام مثل النجوم والمجرات، لكن هذه قصة أخرى.
ملك الكون المبكر
أمللت نظرية الانفجار العظيم المعروفة وترغب في النموذج الخاص بك؟ حسنًا، لكن يجب أن تفسر لنا أشياء مثل توسع الكون والبقع مختلفة الحرارة في صورة الكون المبكر. بمعنى آخر، يجب أن تقدم عملًا أفضل من نظرية التضخم يشرح لنا الكون.
هذا يبدو بسيطًا، لكنه ليس كذلك. لقد شوهت تلك الاختلافات في الحرارة والضغط والكثافة في الكون المبكر الكثير من النظريات الكونية البديلة، متضمنةً إحدى أشهر النظريات. لنذهب معًا إلى ما هو أكبر من الانفجار العظيم، هل أنت مستعد؟ إنها الكون الملتهب (Ekpyrotic universe). تأتي كلمة (ekpyrotic) من الكلمة اليونانية (conflagration) التي تعني الحريق. وتشير إلى فلسفة يونانية قديمة تناولت الكون المتكرر باستمرار.
في سيناريو نظرية الكون الملتهب، يتكرر الكون باستمرار. وفي ظل ذلك المنظور نحن حاليًا في مرحلة الانفجار، التي سوف تنتهي ببطء بطريقة ما، يتوقف الكون ويعكس تمدده إلى أن تنسحق المادة كلها ويعود إلى درجات حرارة وضغط لا تصدق. وبطريقة ما يرتد الكون ويعيد إشعال مرحلة الانفجار العظيم.
تكمن المشكلة في صعوبة تكرار اللطخات والبقع متباينة الحرارة والضغط في الصورة المبكرة للكون وفقًا لنظرية الكون الملتهب. عندما نحاول وضع بعض الفيزياء الغامضة لشرح دورة الارتدادات والانفجارات العظيمة للكون -وأنا أؤكد أنها غامضة، لأن تلك العمليات تتضمن طاقات ونطاقات لم نقترب حتى من فهمها في الفيزياء المعروفة- فكل شيء يخرج بسلاسة دون وجود بقع ذات درجات حرارة وضغط وكثافة مختلفة.
هذا لا يعني أن النظرية لا تتطابق مع الملحوظات الرصدية للكون المبكر فحسب، بل يعني أيضًا أن هذا الكون لن يؤدي إلى الكون الذي نعرفه، بل سيؤدي بنا إلى كون خال من المجرات والنجوم والبشر.
الغشاء (S) المنقذ
تحاول نظريات الكون الملتهب مطابقة الملحوظات الرصدية كما فعلت نظرية التضخم. في محاولة أخيرة للتغلب على تلك العقبة وتكوين نظريات أدق قائمة على علم كونيات الكون الملتهب، توقع فريق من الباحثين أن يكون الحل في الغشاء (S).
هل سمعت عن نظرية الأوتار؟ إنه كون حيث الجسيمات أوتار مهتزة صغيرة جدًا. لكن من سنوات قليلة مضت، أدرك العلماء أن الأوتار لا يمكن أن توجد في بُعد واحد، لذلك أطلقوا اسم غشاء على الوتر متعدد الأبعاد.
معظم الأغشية في نظرية الأوتار تطفو بحرية مطلقة عبر الزمان والمكان، لكن الغشاء (S) الافتراضي قد يوجد في لحظة واحدة فقط من الزمن، تحت ظروف خاصة جدًا.
في نظرية الكون الملتهب، عندما كان الكون في أصغر حجم وأعلى كثافة ممكنة. ظهر الغشاء (S)، وأعاد تمدد الكون المليء بالمادة والإشعاع -الانفجار العظيم- مع اختلافات في درجات الحرارة والضغط، المعروفة حاليًا على شكل لطخات في صورة الكون المبكر لدينا. هذا ما زعمه 3 فيزيائيين في ورقة بحثية جديدة نُشرت على خادم ما قبل الطبع (arXiv)، ما يعني أن الورقة لم تخضع للمراجعة بعد.
هل هذا صحيح؟ من يعلم! تُعَد نظرية الأوتار نظرية حديثة، لكن محاولات إثباتها لم تنجح، مثل تجربة مسارع الهادرونات الكبير، التي حاولت إيجاد أي إشارة معروفة لما يُسمى التناظر الفائق، الذي يُعد الأساس الحاسم لنظرية الأوتار. أيضًا يمثل مفهوم الغشاء (S) نفسه فكرة جدلية داخل مجتمع نظرية الأوتار، لأنه ليس معروفًا حقًا هل يُسمح للأغشية بالوجود للحظة واحدة فقط في الزمن؟
حقيقة أخرى: الكون لا يتمدد فقط إنما يتمدد بتسارع، ولا توجد أي إشارة إلى تباطئه -فضلًا عن انهياره- في أي وقت قريب. إن معرفة ما يجعل تسارعه يُكبح ويعكس مساره أمر صعب حقًا.
ومع ذلك يستحق الكون الملتهب وغيره من الأفكار أن تُستكشف أكثر، لأن الكون المبكر قدم لنا بعض الألغاز والأسئلة المحيرة التي استعصت على الفيزياء الحديثة.
اقرأ أيضًا:
أنواع النجوم.. كيف تصنف النجوم ؟
ترجمة: آية قاسم
تدقيق: عون حدّاد
مراجعة: أكرم محيي الدين