يبدو أن القول بأننا نتكون من غبار النجوم يتأكد أكثر كل يوم، فالذرات التي تشكلنا تُصنّع داخل هذه الأفران الكونية، ومن ذلك الكالسيوم. فحسب دراسة جديدة: فإن ما يصل إلى نصف الكالسيوم الموجود في الكون -بما في ذلك عظامنا وأسناننا- مصدره انفجار نجوم تُسمى «المستعرات العظمى».
مشهد نادر
تمكّن باحثون الآن باستخدام الأشعة تحت الحمراء والأشعة السينية من الحصول على رؤية غير مسبوقة للحظة احتضار هذه المستعرات العظمى النادرة للغاية وانفجاراتها المذهلة التي تقذف كميات كبيرة من الكالسيوم، وهو ما مكنهم من ملء القليل من الفجوات في معرفتنا العلمية لهذه العملية.
أشارت نتائج هذه الدراسة التي أسهم فيها ستة وسبعون مؤلفًا من خمس عشرة دولة أن هذه المستعرات العظمى الغنية بالكالسيوم تبدأ حياتها نجومًا مدمجةً، وتفقد كتلتها بسرعة في نهاية حياتها قاذفةً كمًا هائلًا من الأشعة السينية العالية التي تصطدم بالغازات المحيطة وتتفاعل معها محدثةً سلسلة من الانفجارات النووية.
يقول عالم الفيزياء الفلكية وين جاكوبسون جالان، من جامعة نورثوسترن: «تعد هذه الأحداث نادرة جدًا لدرجة أننا لم نكن نعلم أبدًا كيف تولد هذه المستعرات العظمى الغنية بالكالسيوم؛ لكن بمراقبة ما فعله هذا النجم في شهره الأخير وهو يحتضر نكون قد ألقينا نظرة على مكان غير مكتشف مسبقًا، وفتحنا آفاقًا جديدةً لمزيد من الدراسات العلمية».
رصد عالم الفلك الهاوي جويل شيبرد المستعر الأعظم SN 2019ehk الكائن بمجرة Messier 100 التي تبعد عنا 55 سنة ضوئية. ولأن مثل هذه الأحداث قصيرة المدى والعجلة مطلوبة؛ أسرع المراقبون في تتبعهم لهذا المستعر الأعظم الذي كان يطلق أشعة سينية عالية فاقت توقعات الفلكيين الذين سرعان ما أدركوا أنهم بصدد رصد طوفان من الأشعة السينية عالية الطاقة وهي تصطدم بالغاز المحيط بالمستعر الأعظم، وهذا ما وفّر لهم أدلة عن ماهية المواد المقذوفة وكميتها.
ماذا كان يحدث؟
ساعدت الملاحظات المتتابعة للنجم المحتضر العلماء على الخروج بخلاصة لما كان يحدث: تلك التفاعلات القديمة بين المواد المقذوفة والغاز المحيط قد أنتجت درجات حرارة عالية وضغطًا شديدًا؛ ما أدى بدوره إلى حدوث تفاعل نووي أنتج لنا الكالسيوم حينما كان النجم يحاول التخلص من الحرارة والطاقة بأسرع وقت ممكن.
يعلق عالم الفلك ريجيس كارتييه من المختبر الوطني لبحوث علم الفلك NOIRLab بالولايات المتحدة: «تُنتج معظم النجوم العملاقة كمياتٍ صغيرةٍ من الكالسيوم خلال حياتها؛ لكن أحداثًا مثل انفجار النجم SN2019ehk قد أنتجت لنا كميات هائلة من الكالسيوم وقذفتها في الفضاء الكوني بين المجرات؛ ليجد هذا الكالسيوم في نهاية المطاف طريقه إلى الكواكب ثم إلى أجسادنا ليشكل عظامنا وأسناننا».
يُذكر أن هذه هي المرة الأولى التي يُرصد فيها نجم يحتضر وهو ينتج كمياتٍ بهذا القدر الهائل من الكالسيوم، ما أتاح للعلماء معرفة آلية عمل هذا النوع من المستعرات العظمى، ومن المؤكد أن ذلك سوف يفتح لنا أبوابًا جديدةً أمام البحث العلمي للتأكد أكثر من كيفية ظهور الكالسيوم في الكون وكيفية تشكيله لعظامنا وأسناننا.
وتعطينا هذه الدراسة أيضًا مثالًا جيدًا عن التعاون الحاصل في المجتمع العلمي العالمي لرصد ما يطرأ من أشياء ذات أهمية كبرى في عالمنا ولتابعتها، مثل متابعة أفضل التلسكوبات للانفجار اللامع لهذا المستعر الأعظم في السماء بعد عشر ساعات فقط من رصده من قبل فلكيٍّ هاوٍ.
تقول عالمة الفيزياء الفلكية رافاييلا مارجوتي من جامعة نورثوسترن: «قبل هذا الحدث كانت لدينا معلومات غير مباشرة حول ماهية المستعرات العظمى الغنية بالكالسيوم؛ لكننا الآن نستطيع -وبثقة- استبعاد عدة احتمالات».
اقرأ أيضًا:
نحن عبارة عن غبار من النجوم. نجم الكربون يحمل التفسير والدليل
دراسة جديدة: لم تكن الحياة لتوجد من دون النجوم الميتة
ترجمة: رضوان بوجريدة
تدقيق: محمد الصفتي