اليوم، يبدو المريخ باردًا وجافًا. لكن منذ مليارات السنين، كان هناك ماء سائل على سطحه، ولطالما كان العلماء مفتونين بما كان يمكن أن يكون عليه الكوكب في ذلك الوقت.

دراسة جديدة، نُشرت في مجلة “Communications Earth and Environment” في 7 يوليو، تفحص بيانات من عينات تربة جمعها مسبار كيريوسيتي Curiosity التابع لناسا وتقارنها بتربة مشابهة على الأرض. توفر هذه العينات نافذةً إلى ما كان عليه سطح المريخ قبل مليارات السنين، وتشير البيانات إلى أنه كان في الواقع كوكبًا باردًا ورطبًا ومقفرًا.

قضى مسبار كيريوسيتي أكثر من عقد في فوهة Gale، وهي معلم بارز على المريخ، حيث هبط في عام 2012. تشكلت الفوهة التي يبلغ عرضها 100 ميل جراء اصطدام كويكب منذ حوالي 3.5 إلى 3.8 مليار سنة.

اختيرت هذه الفوهة موقعًا لهبوط مسبار كيريوسيتي بسبب العديد من الدلائل على أنها كانت بحيرة في السابق. إذ تحتوي عينات التربة التي جمعها كيريوسيتي من الفوهة على عدة ميزات مميزة: فهي تحتوي على السيليكا، وغنية بالحديد ولكنها تفتقر إلى الألومنيوم.

على الأرض، يتشكل هذا النوع من التربة بسبب التحول إلى السربنتينيت، وهي عملية جيولوجية تؤدي إلى تحويل العديد من المعادن إلى السربنتينيت. الأهم من ذلك، أن هذه العملية تتطلب الماء السائل، وبالتالي فإن وجود مادة ذات تركيبة مشابهة في فوهة Gale يوفر دليلًا إضافيًا على أن الفوهة كانت مملوءة بالماء في السابق.

السمة الرئيسية الأخرى لعينة المريخ هي أنها بشكل كبير غير متبلورة بالأشعة السينية، ما يعني أنها تفتقر إلى بنية بلورية متكررة يمكن فحصها بواسطة حيود الأشعة السينية. جاءت الطبيعة غير المتبلورة للعينة مفاجئةً للعلماء، لأن المادة غير المتبلورة تُعد عادةً غير مستقرة مؤقتًا. وكما تلاحظ الدراسة، فهي عرضة للتحول إلى مراحل معدنية أكثر استقرارًا حراريًا وأكثر تبلورًا.

لماذا لم يحدث هذا في فوهة Gale؟ يبقى السبب غير واضح، ولكن إحدى النظريات هي أن عملية التحول تُعيقها ظروف محدودة حركيًا مثل درجات الحرارة الباردة. إذا كان هذا هو الحال، فهذا يشير إلى أن المريخ كان دائمًا مكانًا باردًا.

نظرًا لعدم قدرتهم على دراسة تربة المريخ مباشرةً، أجرى مؤلفو الدراسة خطوة أفضل: وجدوا عينات مشابهة على الأرض ودرسوا خصائص تلك العينات بدلاً من ذلك. بحثوا في عدة مواقع ذات تركيبات تربة مشابهة: موقعين في جبال كلاماث في كاليفورنيا، وواحد في غرب نيفادا، وواحد في حديقة جروس مورن الوطنية الواقعة في جزيرة نيوفاوندلاند الكندية.

من المهم أن العينات من نيوفاوندلاند كانت غير متبلورة بالأشعة السينية، بينما العينات من كاليفورنيا ونيفادا لم تكن كذلك. هذا يشير إلى أن المناخ البارد في كندا كان حاسمًا في الحفاظ على البنية غير المتبلورة، ويدعم النظرية بأن شيئًا مشابهًا حدث على المريخ: وجود مادة غير متبلورة غنية بالحديد بوفرة في فوهة “Gale يتوافق مع ظروف باردة ورطبة أثناء تكوينها، تلتها ظروف باردة وجافة تدعم بقاءها.

يقول أنتوني فيلدمان، عالم التربة وعالم الجيومورفولوجيا في معهد الأبحاث الصحراوية (DRI) الذي شارك في تأليف الدراسة: «هذا يُظهر أنك تحتاج إلى الماء هناك لتكوين هذه المواد. ولكن يجب أن تكون درجة الحرارة السنوية المتوسطة قريبة من التجمد للحفاظ على المادة غير المتبلورة في التربة».

تقدم الدراسة رؤيةً مثيرةً حول كيفية تمكن العلماء من استنتاج معلومات عن الماضي البعيد لبيئة ما من سجلها الجيولوجي. وتقترح أنه حتى في الأيام البعيدة التي جرى فيها الماء السائل على سطحه البارد والنائي، لم تكن بيئة المريخ مضيافة للحياة.

اقرأ أيضًا:

نيازك المريخ التي وصلت إلى الأرض تكشف سرًا بركانيًا قديمًا

ثقب غامض على سطح المريخ، وما زال مبهمًا ولم تعرف ماهيته حتى الآن

ترجمة: أمير المريمي

تدقيق: بسام موسى

المصدر