تأسست وكالة مشاريع الأبحاث الدفاعية المتقدمة (داربا – DARPA) عام 1958 بعد عام من إطلاق الاتحاد السوفييتي للقمر الصناعي سبوتنيك، وذلك بإيعاز من الرئيس أيزنهاور الذي خشي فقدان الولايات المتحدة لتفوقها التكنولوجي أمام السوفييت.

كان هدفها في البداية تنظيم مشاريع الصواريخ والفضاء الأمريكية وملاءمتها مع أهداف الحكومة الفيدرالية، ثم توسعت لاحقًا وبدأت النظر في مجالات أخرى من البحث، مثل الاتصالات والذكاء الاصطناعي، وتستمر اليوم ببناء مشاريع بحثية حول التكنولوجيا الجديدة.

معلومات سريعة

يقع المكتب الرئيسي لداربا في أرلينجتون فيرجينيا، وتعمل على إنشاء مشاريع تتناول الأبحاث الجديدة للجيش الأمريكي، وتنتج أبحاثًا مؤثرة مع إن عدد موظفيها محدود نسبيًا، وتبلغ ميزانيتها أكثر من 4 مليار دولار تقريبًا. وتمتاز هذه الوكالة بقاعدة السنوات الخمس، فبدلًا من متابعة مشاريع البحث الجارية، تعمل على تمويل مشاريع تستمر عادةً 3-5 سنوات.

تُعد نشاطات داربا واسعة النطاق في مجال الهندسة والعلوم اليوم، لكنها نفذت مهمة أساسية منذ أكثر من خمس عقود، وتمثلت باستثمارات محورية في التقنيات المبتكرة للأمن القومي.

وبوصفها وكالة أبحاث وتطوير فيدرالية تابعة لوزارة الدفاع، تسعى داربا إلى تحقيق تقدم تكنولوجي هائل بنتائج فورية وواقعية. وتُوظف الوكالة العسكرية باحثين من مختلف التخصصات العلمية والهندسية للعمل على مشاريع يستغرق إكمالها عادة 3-5 سنوات، وبحسب موقعها الإلكتروني: تسعى داربا وضوحًا إلى إحداث التغيير الجذري التحويلي لا التقدم التدريجي.

وقد أثرت التقنيات التي أنتجتها داربا -أو ساهمت فيها- بعمق كبير في حياة الناس العاديين حول العالم لا في الأمن القومي فقط، ومن أمثلة ذلك الإنترنت ونظام تحديد المواقع العالمي المصغر.

وفي مقال نُشر في مجلة هارفارد بيزنس ريفيو عام 2013، كتبت ريجينا دوغان (المديرة السابقة لوكالة داربا) وكيغهام جيه غابرييل (نائب المدير السابق): «مع إن الجيش الأميركي كان العميل الأصلي لتطبيقات داربا، فإن التقدم الذي أحرزته الوكالة أدى دورًا محوريًا في إنشاء مجموعة من الصناعات التي تقدر بمليارات الدولارات».

كيف بدأت داربا؟

أُنشئت وكالة مشاريع الأبحاث المتقدمة (ARPA) في فبراير 1958 بعد إطلاق السوفييت للقمر الصناعي سبوتنيك في أكتوبر 1957. إذ كان إطلاق سبوتنيك جرس إنذار يعكس قلق الشعب والحكومة بشأن التنازل عن التفوق التكنولوجي لدولة منافسة.

كانت الفكرة تنظيم مختلف برامج الفضاء المتنافسة بالولايات المتحدة وتحديد الأبحاث المتعلقة بالفضاء التي كانت من اختصاص الجيش الأمريكي بعكس الأبحاث المدنية. وبحلول عام 1960 استقلت داربا وانتقلت برامج الفضاء المدنية إلى وكالة ناسا وبرامج الفضاء العسكرية إلى الفروع العسكرية، وفي عام 1972 تغير اسم الوكالة إلى داربا ثم استُعيد الاسم الأصلي عام 1993، ثم أُضيف الحرف D مرة أخرى عام 1996.

ما هي أبحاث داربا؟

الأولوية الأولى لداربا هي الدفاع الوطني، لكن لأبحاثها أثر واضح في الحياة اليومية. ففي عام 1958 بدأت مشروع أقمار المراقبة التلفزيونية والأشعة تحت الحمراء (TIROS)، وهو أول قمر صناعي للطقس في العالم، الذي انتقل إلى وكالة ناسا في العام التالي.

وفي ذلك العام أيضًا حصل مشروع (Centaur) على الموافقة، وهو معني بتطوير صاروخ المرحلة العليا من الأكسجين السائل والهيدروجين، وما يزال أحد إصداراته مستخدمًا إلى اليوم.

في منتصف الستينيات بدأ العمل على شبكة وكالة مشاريع الأبحاث المتقدمة (ARPANET)، وهي شبكة سمحت بالمشاركة بين الحواسيب في أماكن مختلفة. كانت ARPANET هي الشبكة الأولية التي أرست الأساس للإنترنت الحديث.

ساهمت داربا في تطوير تكنولوجيا التخفي العسكرية في منتصف السبعينيات من خلال طائرة هاف بلو، أول طائرة شبح حديثة للقتال. ثم تابعت الوكالة العمل بطائرة تاسيت بلو، التي كانت الأساس لتطوير قاذفة الشبح بي-2.

وفي عام 1983، عملت داربا على تصغير أجهزة استقبال نظام تحديد المواقع العالمي، ما ساعد على تخفيف العبء عن الجنود على الأرض الذين كانوا يحملون أجهزة استقبال كبيرة، وحسّنت قدرة الجيش الأمريكي على توجيه ضربات دقيقة على أهداف بعيدة. واليوم، تستخدم الهواتف الذكية التكنولوجيا وفي تنقّل السيارات.

في عام 2021، عملت داربا مع كثير من الوكالات الأمريكية والجامعات والقطاع الخاص، من أجل إيجاد حلول لمعالجة جائحة كوفيد-19، وتضمن ذلك الاختبارات لتشخيص المرضى المصابين بالفيروس.

وتشارك داربا أيضًا في أبحاث الذكاء الاصطناعي، وفي عام 2024 قال مات توريك بوصفه نائب مدير مكتب الابتكار المعلوماتي في داربا إن نحو 70% من برامج داربا تستخدم بعض أشكال الذكاء الاصطناعي أو التعلم الآلي أو الاستقلالية.

كيف تبحث داربا في مجال التكنولوجيا الجديدة؟

عادة ما يشكل مديرو البرامج فريقًا لمشروعهم يضم أعضاء من الأوساط الأكاديمية والقطاع الخاص. وبدلًا من متابعة مشاريع بحثية مفتوحة، تمنح داربا عقودًا لمشاريع تستمر 3-5 سنوات، وكتب دوغان وجابرييل: «إن كثافة المشاريع وتركيزها الشديد وإطارها الزمني المحدود يجعلها جذابة للمواهب من أعلى المستويات، وطبيعة التحدي تلهم مستويات غير عادية من التعاون. بعبارة أخرى، تستقطب المشاريع أشخاصًا عظماء لمعالجة مشكلات عظيمة مع أشخاص عظماء آخرين».

في حين أن الشركات الخاصة والجامعات غالبًا ما تكون متحفظة إلى حد ما في أبحاثها لأنها تميل الى أن تكون مكلفة ولا تؤتي ثمارها دائمًا، فإن داربا تتبنى نهجًا مختلفًا تمامًا، إذ تمول الوكالة مشاريع عالية المخاطر وعالية العائد تهدف إلى تحقيق قفزات كبيرة في مجال مختار.

اقرأ أيضًا:

عمالقة التكنولوجيا يطالبون بوقف تجارب الذكاء الاصطناعي لما تمثله من خطر كبير على المجتمع!

كل ما تريد معرفته عن أنظمة الطاقة الشمسية: آفاق استخدام التكنولوجيا الشمسية

ترجمة: شهد حسن

تدقيق: إشراق بن ثاير

المصدر