يُعرف داء ويلسون باسم التنكس الكبدي العدسي أو التنكس العدسي المتقدم، وهو اضطراب وراثي نادر يسبب تسمم الجسم بالنحاس، يؤثر على 1 من 30 ألف شخص حول العالم.
في الجسم السليم يرشح الكبد كمية النحاس الزائدة ويطرحها من طريق البول، أما في داء ويلسون، لا يستطيع الكبد التخلص من النحاس الزائد بطريقة صحيحة، فيتراكم النحاس الفائض في الأعضاء مثل الدماغ والكبد والأعين.
التشخيص المبكر أمر بالغ الأهمية لإيقاف تطور المرض، وقد يتضمن العلاج تناول الأدوية أو الخضوع لعملية زراعة كبد، وقد يؤدي التأخر في العلاج أو عدم تلقي العلاج إلى فشل كبدي وضرر دماغي وغيرها من الأعراض المُهددة للحياة.
يجب استشارة الطبيب إذا كان للعائلة تاريخ مع داء ويلسون، إذ يعيش العديد من الناس الذين لديهم هذه الحالة حياةً طبيعية وصحية.
أعراض داء ويلسون
تتنوع أعراض داء ويلسون كثيرًا تبعًا للعضو المصاب، وقد يُخلط بينها وبين أمراض وحالات أخرى، ولا يمكن الكشف عن داء ويلسون إلا من طريق اختبارات تشخيصية يجريها الطبيب.
الأعراض المرتبطة بالكبد:
- الضعف.
- الإحساس بالتعب.
- خسارة الوزن.
- الغثيان.
- التقيؤ.
- فقدان الشهية.
- الحكة.
- اليرقان أو اصفرار الجلد.
- وذمة الساقين والبطن.
- ألم أو انتفاخ البطن.
- أوعية دموية متفرعة مرئية على الجلد.
- تشنج العضلات.
تتشابه العديد من هذه الأعراض -مثل اليرقان والوذمة- مع أمراض أخرى مثل فشل الكبد والكلية، وسيجري الطبيب العديد من الاختبارات قبل أن يؤكد تشخيص الإصابة بداء ويلسون.
الأعراض العصبية:
يسبب تراكم النحاس في الدماغ الاعراض الآتية:
- ضعف الذاكرة واضطراب في الكلام والرؤية.
- اضطراب في المشي.
- الشقيقة (الصداع النصفي).
- سيلان اللعاب.
- الأرق.
- ضعف إتقان حركات اليدين.
- تقلب الشخصية.
- تقلب المزاج.
- اكتئاب.
- مشاكل دراسية.
قد تشمل الأعراض في المراحل المتقدمة تشنج عضلات ونوبات صرع وألم في العضلات عند الحركة.
حلقات كايزر فليشر وإعتام عدسة العين (الساد):
سيتحرى الطبيب ظهور حلقات Kayser Fleisher ( K-Fاختصارًا) والساد بشكل عباد الشمس sunflower cataract عند المريض، حلقات K-F هي ألوان غير طبيعية تتدرج بين البني والذهبي تظهر في عين المصاب، وتنتج عن ترسب النحاس الزائد في العين، وتظهر عند نحو 97% من المصابين بداء ويلسون.
يظهر الساد بشكل عباد الشمس في الأعين عند 1 من كل 5 مصابين بداء ويلسون، ويبدو المركز متعدد الألوان مع ما يشبه الأشعة نحو الخارج.
أعراض أخرى:
قد يسبب النحاس المتراكم في الأعضاء الأخرى:
- ازرقاق الأظافر.
- حصى الكلية.
- هشاشة العظام المبكرة أو نقص كثافة العظم.
- التهاب المفاصل.
- اضطرابات الحيض.
- انخفاض ضغط الدم.
من الأشخاص المعرضون للإصابة بداء ويلسون؟
يحدث داء ويلسون بسبب طفرة في مورثة ATP7B التي ترمز إلى نقل النحاس، تحدث الإصابة بالمرض نتيجة وراثة المورثة الطافرة من كلا الوالدين، ما يعني أن كلا الوالدين مصاب بالمرض او حامل لهذه المورثة الطافرة.
وقد تتخطى المورثة الطافرة جيلًا كاملًا، فيجب البحث في التاريخ المرضي لأبعد من الوالدين أو إجراء اختبار وراثي.
تشخيص داء ويلسون
قد يصعب على الأطباء تشخيص داء ويلسون في البداية، إذ تتشابه أعراضه مع مشكلات صحية أخرى مثل التسمم بالمعادن الثقيلة والتهاب الكبد C والشلل الدماغي.
يستبعد الطبيب أحيانًا داء ويلسون عند ظهور أعراض عصبية مع غياب حلقة K-F، لكن الحال ليس بهذه السهولة دائمًا، إذ تقتصر الأعراض أحيانًا لدى بعض المرضى على أعراض الكبد، وتغيب أي أعراض أخرى عند آخرين.
سيسأل الطبيب عن الأعراض ويطلب التاريخ الصحي للعائلة، وسيجرى أيضًا مجموعة متنوعة من الاختبارات لتحري الأضرار الناجمة عن تراكم النحاس.
الفحوصات الجسدية:
يجري الطبيب الاختبارات الجسدية كالتالي:
- فحص جسد المريض.
- الاستماع للأصوات في البطن.
- البحث عن حلقات K-F أو ساد عباد الشمس في العينين تحت ضوء ساطع.
- اختبار ذاكرة المريض ومهاراته الحركية.
الفحوصات المخبرية:
فيما يتعلق بفحوصات الدم، سيسحب الطبيب عينات دم ويحللها في المخبر للتحقق من:
- شذوذ إنزيمات الكبد.
- مستويات النحاس في الدم.
- انخفاض مستويات السيريوبلازمين ceruplasmin، وهو البروتين الذي يحمل النحاس في الدم.
- وجود مورثة طافرة (اختبار المورثات).
- انخفاض سكر الدم.
قد يطلب أيضًا فحصًا للبول للكشف عن تراكمات النحاس.
الفحوص الشعاعية:
قد يساعد التصوير بالرنين المغناطيسي MRI أو التصوير المقطعي المحوسب CT على إظهار أي خلل في الدماغ، خاصةً عند ظهور أعراض عصبية، هذه النتائج غير كافية لتشخيص الحالة، لكنها قد تساعد على تأكيد التشخيص أو التحقق من مدى تقدم الحالة. وسيتحرى الطبيب أيضًا ضعف إشارات جذع الدماغ وخلل الدماغ والكبد.
خزعة الكبد:
قد يقترح الطبيب خزعة الكبد بحثًا عن علامات التلف وارتفاع مستويات النحاس، يتطلب هذا الإجراء التوقف عن تناول بعض الأدوية والصيام مدة 8 ساعات قبله.
سيطبق الطبيب مخدرًا موضعي قبل إدخال إبرة لأخذ عينة من الأنسجة، ويمكن استخدام المهدئات والمسكنات عند الحاجة، ويجب الاستلقاء على الجنب ساعتين والانتظار 2-4 ساعات إضافية قبل الذهاب إلى المنزل.
عند تشخيص إحدى حالات داء ويلسون يُنصح إخوة المريض بإجراء اختبار وراثي أيضًا، وقد يساعد ذلك على الحد من خطورة نقل المرض للجيل القادم من العائلة. ويُوصى أيضًا بفحص المولود الجديد في حال كانت الأم حاملًا ومصابة بالمرض.
علاج داء ويلسون
يعتمد العلاج الناجح لهذا المرض على التوقيت الصحيح أكثر من الدواء، ويُطبق العلاج غالبًا على 3 مراحل ويستمر مدى الحياة، وإذا توقف المريض عن تناول الأدوية قد يتراكم النحاس مرةً أخرى في الجسم.
المرحلة الأولى:
الخطوة الأولى هي إزالة النحاس الفائض، وذلك بتطبيق العلاج بالاستخلاب chelating therapy، وتشمل العوامل المخلبة أدوية مثل دي-بنسيلامين d-penicillamine وترينتين trientine أو سيبرين Syprine، إذ تزيل هذه الأدوية النحاس الفائض من الأعضاء إلى مجرى الدم، ثم تطرحه الكليتان في البول.
الآثار الجانبية الناجمة عن العلاج بترينتين أقل من دي-بنسيلامين، وتشمل الآثار الجانبية المحتملة للعلاج بدي-بينسلامين:
- حمى.
- طفح جلدي.
- مشاكل كلوية.
- مشاكل بنقى العظم.
سيخفض الطبيب الجرعات المعطاة من الأدوية المخلبة إذا كانت المريضة حُبلى إذ قد تسبب تشوهات خلقية.
المرحلة الثانية:
تهدف المرحلة الثانية إلى الحفاظ على مستويات طبيعية من النحاس بعد إزالة الفائض منه، سيصف الطبيب الزنك أو تتراثيوموليبدات Tetrathiomolybdate بعد انتهاء المرحلة الأولى من العلاج أو في حال تشخيص الإصابة بداء ويلسون دون ظهور أعراض.
يؤخذ الزنك فمويًّا في صورة أملاح أو خلات Galzin فيمنع الجسم من امتصاص النحاس من الأطعمة، وقد يعاني المريض ألمًا خفيفًا في المعدة بسبب تناول الزنك، ويُعطى الزنك للأطفال المصابين بداء ويلسون دون أعراض لمنع تفاقم المرض أو إبطاء تطوره.
المرحلة الثالثة:
بعد تحسن الأعراض وعودة النحاس إلى مستوياته الطبيعية، يركز الأطباء على العلاج المداوم طويل الأمد، ويتضمن استمرار تناول الزنك أو العلاج بالاستخلاب وتنظيم مستويات النحاس.
يمكن الحفاظ على مستويات النحاس في الحدود الطبيعية بتجنب الأطعمة الغنية به مثل:
- الفواكه المجففة.
- الكبد.
- الفطر.
- المكسرات.
- المحار.
- الشوكولا.
- الفيتامينات المتعددة.
يمكن فحص مستويات النحاس في المياه في المنزل أيضًا إذا كانت الأنابيب المستخدمة في تمديدات المياه نحاسية، فقد يحتوي الماء على نسبة نحاس إضافية.
قد يستغرق العلاج بالأدوية 4-6 أشهر حتى تعطي النتائج المرجوة، وقد يتطلب الأمر زراعة كبد في حال لم يستجب المريض للعلاج، وتبلغ نسبة نجاح هذه العملية 85%.
اختبارات سريرية
تجري بعض المراكز الطبية حاليًا اختبارات سريرية على دواء جديد يسمى WTX101 طورته شركة ويلسون ثيرابيوتيكس Wilson Therapeutics لعلاج داء ويلسون، ويحتوي تيتراثيوموليبدات، الذي يمنع الجسم من امتصاص النحاس، وقد أثبت فعاليته في علاج المصابين بداء ويلسون في المراحل المبكرة، خصوصًا من يعانون أعراضًا عصبية.
ما توقعات داء ويلسون
قد يتطور المرض إلى فشل في الكبد وتلف في الدماغ إذا تُرك دون علاج. كلما اكتُشفت الإصابة بداء ويلسون مبكرًا كان أفضل، إذ يساعد العلاج المبكر على إيقاف المشاكل العصبية وتلف الكبد، وقد يمنع العلاج في مرحلة متأخرة تطور المرض، ولكنه لن يصلح الضرر الحاصل، أيضًا يجب أن يتعلم مرضى المراحل المتقدمة التعايش مع أعراضهم وإدارتها مدى حياتهم.
هل يمكن الوقاية من داء ويلسون؟
داء ويلسون سببه مورثة طافرة تنتقل من الآباء إلى الأبناء، إذا كان لدى الوالدين طفل مصاب بداء ويلسون، فمن المحتمل أن يكون إخوته مصابين به أيضًا.
لا يمكن منع الإصابة بداء ويلسون، لكن يمكن تأخير أو إبطاء ظهور المرض، وعند اكتشاف الإصابة مبكرًا، يمكن منع ظهور الأعراض بتناول الأدوية مثل الزنك، ويستطيع أخصائي الوراثة مساعدة الوالدين على تحديد المخاطر المحتملة لنقل المرض لأبنائهم.
الخطوات التالية
يجب استشارة الطبيب إذا ظهرت أعراض فشل الكبد أو معرفة الإصابة بمرض ويلسون من أحد أفراد العائلة، وأكبر مؤشر لهذا المرض هو تاريخ العائلة، ولكن قد تتخطى المورثة الطافرة جيلًا بأكمله، لذا يمكن إجراء اختبار وراثي إلى جانب الاختبارات الأخرى التي سيحددها الطبيب.
يجب بدء العلاج فور التشخيص بداء ويلسون، إذ يساعد العلاج المبكر على إبطاء تطور المرض خاصةً إن لم تظهر الأعراض بعد، يتضمن العلاج العوامل المخلبة والزنك وقد يستغرق نحو ستة أشهر، ويجب استمرار تناول الدواء حتى بعد عودة النحاس إلى مستواه الطبيعي، لأن المرض يستمر مدى الحياة.
اقرأ أيضًا:
تليف الكبد: الأسباب والأعراض والتشخيص والعلاج
الفشل الكبدي ، الأسباب والأعراض وطرق العلاج
ترجمة: يمام نضال دالي
تدقيق: محمد حسان عجك
مراجعة: أكرم محيي الدين