المقوسات القندية المسؤولة عن داء المقوسات هي طفيليات منتشرة على نطاق واسع تسبب أخماجًا لدى ملايين الناس حول العالم وقد ترتبط بحدوث انفصام الشخصية والعديد من الإضطرابات العصبية لكنّ الدليل لم يكن واضحًا دائمًا. فبينما تظهر العديد من الدراسات وجود علاقة بين هذه الطفيليات و تغيرات السلوك أو الأشكال الغريبة للأنشطة البشرية فإن مصادر أخرى تنفيها.
توجد دراسة حديثة بإشراف طبيب مقيم في الطب النفسي في كندا فنسنت باكوين من جامعة McGill قد تساعد على توضيح هذا التناقض في كون بعض مخاطر الطفيلي غير صحيحة.
المقوسات القندية هي متعضيات مجهرية وحيدة الخلية، لا تنتمي إلى الفيروسات أو الجراثيم وترتبط بالطفيلي الذي يسبب الملاريا. ينتقل داء المقوسات الذي تسببه عند تناول القوارض أو الطيور أو الحيوانات الأخرى المصابة. نحو 40 % من القطط مصابة في الولايات المتحدة.
معظم المصابين لا يبدون أية أعراض ولكن قد يصابون باليرقان أو العمى أو اضطرابات الشخصية عندما ينتقل الطفيلي إلى الكبد أو الجهاز العصبي.
تنتج القطط في الأسابيع الأولى بعد الإصابة الملايين من الأكياس البيضية المسؤولة عن المرض. ومع أن بعض البشر يصابون بداء المقوسات بعد التعرض المباشر لبراز القطط المصابة فإن الكثير منهم يصابون بسبب الأكياس البيضية التي تنتشر في المياه والتربة وتبقى حية لعام أو أكثر.
يشكل المصابون في الولايات المتحدة نسبة 11% مع أن معدلات الإصابة أعلى في المناطق التي يتناول الناس فيها اللحوم النيئة أو ذات المستوى الصحي المنخفض، فعلى سبيل المثال تتجاوز الإصابات نسبة 90% في أوروبا وأمريكا الجنوبية.
قد يسبب داء المقوسات لدى الأصحاء مرضًا شبيهًا بالإنفلونزا وقد لا يسبب أي أعراض. ولكن في بعض الحالات قد يكون خطيرًا لدرجة الموت عند المضعفين مناعيًّا.
تعالج المضادات الحيوية هذه الأمراض لكنها قد لا تتخلص من الطفيلي بشكل تام.
لماذا يعتقد العلماء أن داء المقوسات يسبب اضطرابات ذهنية؟
معظم الأدلة بسبب القوارض؛ فهي عندما تصاب يتطور لديها سلوك غريب، إذ تفقد الخوف من رائحة بول القطة وفي بعض الحالات تسير تجاه القطط القادمة لاصطيادها.
يعتقد العلماء أن المقوسات القندية تؤثر على وظيفة الدماغ بسبب الأكياس البيضية التي تتشكل في المناطق الدماغية المسؤولة عن الخوف واتخاذ القرار، وقد تؤثر على السلوك عبر رفع مستويات الدوبامين وهو الناقل العصبي المسؤول عن حس المكافأة ويتدخل في مواجهة الخطر.
توجد بعض الأدلة على قدرة المقوسات القندية على تغيير الدماغ تغييرًا شبه دائم، ما يجعل الفئران لا تخاف من القطط حتى بعد خروج الطفيلي منها.
تشكل المقوسات القندية أكياسًا داخل الخلايا العصبية للإنسان وقد تنمو وتتضاعف عند مرضى الإيدز وضعيفي المناعة وتسبب التهاب دماغ مميتًا والخرف والذهان.
وبينما يفترض العلماء أن الأكياس لا تسبب مشكلات عند الأصحاء، تقترح أعداد متزايدة من الأبحاث تأثير المقوسات القندية على الشخصية وازدياد فرصة حدوث انفصام الشخصية والاضطرابات الذهنية الأخرى. وحتى دون الإصابة المباشرة للدماغ فإن الخمج المزمن بالمقوسات القندية قد يزيد الالتهاب الذي يرتبط بحدوث اضطرابات ذهنية كانفصام الشخصية والتوحد وداء ألزهايمر.
تنتقل المقوسات القندية عبر الطعام أو الماء الملوثين واللحوم غير المطبوخة جيّدًا، وقد تنتقل عند تعرّض الإنسان لبراز القطط المنزلية المصابة بالطفيلي وفقًا لدراسة عام 1995، فقد لاحظت وجود ارتباط بين اقتناء قطة منزلية في الطفولة وخطر تطور أمراض عصبية لاحقة في مرحلة البلوغ. لكن بعد فشل الدراسات في إثبات علاقة اقتناء القطة بهذه الأمراض فإن الدراسات الأخرى تقترح وجود سبب آخر.
كتب باكوين وزميله في ورقتهم أن القطط المنزلية تُصاب بالمقوسات القندية عند تناولها القوارض وتصبح مُعدية خلال أيام أو أسابيع. يبين هينس أن القطط التي تخرج من المنزل و تصطاد القوارض قد تعطي دليلًا أقوى لاحتمال التعرض للمقوسات القندية مقارنة بالقطط المنزلية.
يشرح باكوين بعبارة أخرى أن القطط لا تضمن التعرض للطفيلي بنفسها لكن القطط التي تصطاد القوارض أكثر عرضة للتعرض للمقوسات القندية مقارنة بالقطط المنزلية.
نظريًا، قد ينتقل داء المقوسات من القطط للأطفال الذين يطورون أمراضًا نفسية عند البلوغ كما أظهرت بعض الدراسات، وخاصة بسبب تأثيرها على جهاز المناعة.
لإثبات السلسلة النظرية للعدوى أجرى الباحثون دراسة على 2200 مشارك تتضمن أسئلة عن: اقتناء قطة في الطفولة، مواجهة اضطرابات نفسية، بجانب أسئلة عن تاريخهم الشخصي مثل تقدير وقت الخروج من المنزل في الطفولة والتعرض لرضوض على الرأس والتدخين وغير ذلك.
لاحظ الفريق عند تحليل النتائج أنّ المشاركين الذكور الذين كانوا يمتلكون قطة تصطاد القوارض لديهم خطر أكبر للإصابة بالذهان عند البلوغ وهذا لم يظهر عند الإناث.
لم يلاحظ الفريق هذا الخطر عند الأشخاص الذين اقتنوا قططًا منزلية خلال الطفولة أو لم يمتلكوا قطة أبدًا، وهذا يتوافق مع النظرية التي تعتمد على دورة حياة المقوسات القندية كآليّة مفترضة لهذا الارتباط. ويبدو أنّ العوامل الأخرى في الدراسة كالتدخين ورضوض الرأس وغيرها لها تأثير تآزري بعيد عن مجرد العدوى بالطفيلي.
بينما كانت الدراسة مقيدة بمعلومات مأخوذة من قبل الأشخاص فقد أظهرت النتائج أهمية دراسة التفاعل بين أنواع عديدة من التجارب البيئية التي قد تساعدنا في المستقبل على تحديد منشأ الأمراض التي يسببها التعرض للمقوسات القندية.
صرح باكوين إلى Medscape Medical News بوجود بعض الأدلة ولكن يهمنا معرفة ما إذا كان السبب هو تشارك مجموعة من عوامل الخطر، وحتى إن كان الخطر منخفضًا على مستوى الفرد فإنّ القطط والمقوسات القندية موجودة في مجتمعنا وإذا جمعنا كل هذه الآثار فهذا يطرح قضية للصحة العامة.
نُشرت هذه النتائج في Journal of Psychiatric Research.
اقرأ أيضًا:
داء المقوسات: الأسباب والأعراض والتشخيص والعلاج
داء المقوسات (داء القطط) .. رسالة لمقتني القطط
ترجمة: فرح علي محمد
تدقيق: رغد أبو الراغب