حتى وسط جائحة كوفيد-19، حقق المجتمع الطبي تقدمًا في 2020، إليك الابتكارات الخمسة الأكثر تأثيرًا خلال العام.
لقد كان 2020 عامًا مضطربًا، لكن من منظور صحي، كان نقلة نوعية خلفتها الجائحة التي غيرت طريقة حياتنا وعلاقتنا مع الآخرين.
كان من الطبيعي أن تسود الجائحة العناوين الرئيسية وتجذب انتباه وسائل الإعلام، وصناع القرارات ومسؤولي الصحة على حد سواء.
وفي حين كانت الجائحة الحدث الأبرز في 2020 صحيًا وثقافيًا واقتصاديًا وسياسيًا ـ لا ينبغي حجب حقيقة ما تحقق من ابتكارات طبية عظيمة.
من فك ألغاز علم الأورام والعلاج الجيني والصحة القلبية، إلى تطوير لقاحات كوفيد-19، التي تُوزَّع الآن محليًا وفي أنحاء العالم، لدينا الكثير مما يجعل المجتمع الطبي فخورًا بإنجازه في 2020.
1- عام الشيفرة الجينية: كان التعديل الجيني أحد أهم أحداث العام
نال كل من إيمانويل كاربنتر وجينيفر دودنا جائزة نوبل للكيمياء في أكتوبر، بسبب اكتشافهم «المقصات الجينية: تقنية كريسبر». فاز بهذه الجائزة سابقًا خمس نساء فقط.
أداة القص الجيني كما يوحي الاسم، وكما يعرّفها د. ويليام موريس المدير الطبي التنفيذي لابتكارات كليفلاند كلينيك، هي إنزيمات تشطر أجزاءً من المادة الوراثية -الحمض النووي الريبوزي منقوص الأكسجين- بهدف استعادة وظائفها الطبيعية.
بيّن العالمان إمكانية التحكم في هذه الأدوات الجينية لتشطر كل أنواع المادة الوراثية في مواقع محددة، ولا يقتصر ذلك على الحمض النووي الخاص بالفيروسات، إذ توجد هذه الأدوات طبيعيًا.
يعني ذلك أساسًا قدرتنا على إعادة صياغة شيفرة الحياة، وفقًا للتقرير الرسمي للجنة جوائز نوبل. قال موريس إن هذا الاكتشاف له تطبيقات واسعة المجال لمن لديهم حالات جينية مختلفة.
وأشار إلى مرض الخلايا المنجلية، إذ تصبح كريات الدم الحمراء مشوهة منجلية الشكل وتسبب إعاقة جريان الدم، ما يمنع الهيموغلوبين من نقل الأكسجين بفعالية إلى أنحاء الجسم.
وأضاف موريس أن تلك الأدوات المجهرية تمنع حدوث هذه الاضطرابات، أما في الماضي فلم يوجد سوى القليل من الأدوية لعلاج حالات كهذه.
أما الآن، فيسمح لنا هذا التقدم بإزالة الشيفرة الجينية المسببة للاضطراب واستبدالها، مثل تحديث نظام الحاسوب أو الهاتف لإصلاح خلل في أحد التطبيقات.
وقال: «إنه لمن المذهل حقًا إخبار المرضى الذين عاشوا عمرًا من الألم والمعاناة بذلك، يمكننا الآن أن نعلن وجود علاج، وإنه لأمر مدهش».
وقال أوليفر إيليمنتو، مدير معهد الطب الدقيق التابع لكلية طب ويل كورنيل في نيويورك: «إن عام 2020 هو عام التشفير الجيني، نحن قادرون حقًا على توظيف الشيفرة الجينية في البشر والفيروسات بطرق لم تكن بحوزتنا ولم يكن بمقدورنا تطبيقها من قبل. إن العلاج الجيني عمومًا وتقنية كريسبر خصوصًا تُعد أحداثًا استثنائية».
يمتد الفهم الشامل لعلم الجينات إلى ما هو أبعد من جائزة نوبل، إذ أُعلن أخيرًا عن مبادرة لتحديد تسلسل جينوم الآلاف من المرضى.
كلما ازداد فهمنا لعلم الجينات والعلاج الجيني، كانت قدرتنا على تطوير الدواء أفضل، ما يتيح إنتاج علاجات موجهة لكل حالة.
2- تقدم الأبحاث المعنية بالأمراض القلبية والسكتة الدماغية
صدر حديثًا عن الجمعية الأمريكية لأمراض القلب قائمة بإنجازات الجمعية في مجال العلاج الطبي.
سُلِّط الضوء على دراسة في مرحلتها الثالثة، يمكنها تغيير آلية علاج اعتلال عضلة القلب الضخامي، وهي حالة يتضخم فيها القلب ويتصلب.
سُلط الضوء أيضًا على علاج جديد ربما سيغير أدوية الخط العلاجي الأول المستخدمة في حالات الرجفان الأذيني، وهو تدخل جراحي صغير يقي من السكتة.
قال د. ميشيل إيلكيند، رئيس الجمعية الأمريكية لأمراض القلب: «تعكس الإنجازات المحققة العام الماضي الصلة بين المجالات الطبية التي قد نظن أنها منفصلة، وحقيقة أننا نكون في قمة نجاحنا عندما نهدم الحواجز بين تلك المجالات».
تتطلب معالجة قضية واسعة النطاق مثل الأمراض القلبية نهجًا شاملًا يجمع بين عدة اختصاصات.
وأضاف: «تعلمنا هذا العام المزيد عن الطرق الجديدة التي تُصمم بها أدوية علاج السكري، مثل مثبطات نواقل غلوكوز الصوديوم 2، التي تفيد مرضى فشل القلب، وإن كانوا غير مصابين بالسكري».
وأشار إلى نمو استيعابنا لكيفية ارتباط الأمراض المعدية مثل الإنفلونزا وكوفيد-19 بخطر أكبر على أمراض القلب والسكتة الدماغية. وكتب: «تحدث الإنجازات الأهم غالبًا عندما يعمل خبراء من اختصاصات مختلفة بوسائل إبداعية لحل المشكلات الصعبة».
وعندما سُئل عن الابتكارات البارزة المتعلقة بصحة القلب في رأيه، قال إيلكيند إنه شيء ليس ذا صلة بالأدوية باهظة الثمن أو الأبحاث الكبرى.
إذ يبين تحليل عينة من الأشخاص من أنحاء الولايات المتحدة أن معدلات ضبط ضغط الدم كانت قد بدأت بالانخفاض بعد قرابة عقدين من ضبطها جيدًا. يُعد ارتفاع ضغط الدم أحد أهم العوامل المؤثرة في السكتة والأمراض القلبية مع أنه أسهل هذه العوامل علاجًا، ولذلك يكون ذلك التدهور منذرًا خصوصًا».
وأكد ما أشارت إليه الدراسة حول تأثير امتلاك التأمين الصحي في ضبط ضغط الدم، فمن يملكون إحدى صيغ التأمين الصحي يكون ضغط الدم لديهم مضبوطًا بنسبة 43-54%، في حين كانت المعدلات الخاصة بمن لا يملكون هذا التأمين 24% فقط.
وأضاف: «إن أحد أفضل أساليب تحقيق التقدم الصحي هو تحسين الوصول إلى الرعاية الجيدة، وهذا ما سنوجه إليه جهودنا في السنوات اللاحقة في الجمعية الأمريكية لأمراض القلب».
3- إنجازات علم الأورام من التقنيات الدفاعية إلى العلاجات الموجهة
قال بنيامين نيل، مدير مركز برلماتر للسرطان في جامعة نيويورك: «شهدنا عام 2020 تقدم أبحاث السرطان عدة خطوات إلى الأمام، إذ إن تقنيات الكشف المبكر عن السرطان بواسطة اختبارات الدم قيد التطوير. نعرف منذ زمن أن الأورام تحرر بقايا من المادة الوراثية في مجرى الدم. تتطور الآن تقنيات حساسة لمراقبة الأورام، مثل الاختبارات التي تفحص احتمال عودة الورم والاختبارات المعتمدة على البروتين».
وأشار إلى التقنية التي تعدل أنماط تسلسل الحمض النووي التنظيمي، وهو جزء من الحمض النووي يعدل التعبير الجيني في الكائنات الحية، لتحديد متى تشير أنماط المثيلة إلى احتمال نشوء سرطان.
وقال إن أحد أهم أبحاث العام الماضي هو تطوير الباحثين طرقًا جديدة لتعطيل الطفرات الجينية، ونوع باكتمال العمل على تطوير مركبات تثبط مستقبلات الأندروجين -التي تسمح بنمو السرطان- على سطح خلايا سرطان البروستات.
4- إتاحة الوصول إلى الرعاية الطبية
تجلى أحد أكبر تحولات العام في كيفية تأثير نمط الحياة الجديد -العمل من المنزل- في الطب.
كلما زاد عدد الأشخاص الذين ينقطعون عن المكاتب والأماكن العامة، لجؤوا أكثر إلى الطب من بُعد، وأصبحت شاشة برنامج زووم هي عيادة الطبيب الجديدة.
قال موريس: «مع أن هذا لا يُعد هذا ابتكارًا طبيًا، فإنه إنجاز مصيري وبطريقة ما منقذ للحياة، في مجال علاقتنا مع إطار الرعاية الصحية في حياتنا. أحد الأشياء التي اكتشفناها من تجربة الجائحة أن علينا معاينة المرضى في أماكنهم دون دفعهم إلى قطع المسافات، وفي وقت توفر الطب من بُعد سنحت لنا الفرصة أن نرى بعض المرضى عبر سكايب ومكالمات الفيديو، إذ توجد روادع واضحة وسياسات تحول دون قدرة المرضى على مغادرة منازلهم طلبًا للرعاية الصحية».
وقال إن الجائحة سهلت وجود تنظيم اجتماعي وفدرالي للضغط على الحكومة لتقليل الحواجز التي تعترض تلك الأدوات، التي تُعد شريان حياة للمرضى.
وحتى عند عدم قدرة مختصي الرعاية الصحية على رؤية المرضى شخصيًا هذا العام، فإن اللجوء إلى الطب من بُعد أنتج زيادة غير مسبوقة في استخدام تلك الأجهزة وطلب الرعاية.
وأكد أيضًا أن الجائحة جعلتنا نتفقد مفاهيمنا القديمة وسياساتنا، وذلك أمر إيجابي. وأضاف: «ليس بالضرورة أن يكون الابتكار شيئًا ماديًا توصلنا إليه في المخبر. من المؤسف أننا احتجنا إلى الجائحة أو إلى تحد ما كي ندرك ما يعيقنا، أحيانًا يكون ذلك الحاجز هو نحن».
5- اختبار داء ألزهايمر الدموي
ظهر هذا العام تقدم محتمل في أبحاث داء ألزهايمر وعلاجاته، في صورة اختبار دموي بإمكانه تشخيص هذا الاعتلال المتدهور.
ومع إن الاختبار لا يزال في طور التجربة فتلك أخبار مدهشة، إذ يغير هذا الاختبار البسيط معلوماتنا عن المرض.
يوجد نحو 5 ملايين مصاب في الولايات المتحدة، وهذا الرقم سيتضاعف 3 مرات بحلول عام 2060، وفقًا لمراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها
ومع أن الاختبار ما زال بحاجة إلى عدة موافقات ليصير معتمدًا، بدأت إحدى الشركات بتوزيع الاختبار الدموي ليصبح متاحًا للعامة.
ما نطمح إليه في المستقبل:
يتطلع الخبراء بحلول نهاية عام 2020 إلى عام جديد أكثر تفاؤلًا.
أصدرت كليفلاند كلينيك -التي تحين الذكرى المئوية لتأسيسها العام المقبل- قائمة بأهم عشرة ابتكارات متوقعة عام 2021.
قال موريس إنه رغم ما يظنه الكثير بأنه كان عامًا مفعمًا بالسلبية والخلاف، تبين إعادة النظر في تلك الابتكارات أنه يوجد دائمًا ما يستحق الامتنان والتطلع إليه.
يتوقع إيليمنتو أن السنوات القليلة اللاحقة تحمل ازدهارًا في الصيدلة والتقنيات الحيوية، مشيرًا إلى أن ما تحقق من إنجازات في مجالات العلاج الجيني والتعديل الجيني يعد بمزيد من الإنجاز في مجال التقنيات الطبية. وأضاف: «نعلم جميعنا الآن بوجود هذه التقنيات وإمكانية استخدامها، ما سيساعد على تحقيق طفرة جديدة».
اقرأ أيضًا:
يمكن لأجهزة متحكم بها عبر الهاتف الذكي أن توصل الأدوية إلى الدماغ
ترجمة: حيدر بوبو
تدقيق: نغم رابي
مراجعة: أكرم محيي الدين