يزيد عدد المصابين بالخرف عن 55 مليون شخص حول العالم، ويعد مرض ألزهايمر النوع الأكثر شيوعًا لهذا الاضطراب. تتضمن العوامل التي تعزز خطر الإصابة بالخرف ارتفاع ضغط الدم وقلة النوم والخمول البدني، في حين تقل عرضة الإصابة عند الحفاظ على النشاط الذهني والبدني والاجتماعي إضافةً إلى تقليل استهلاك الكحول.
مؤخرًا، لاحظ باحثون في دراسة سويدية ضخمة أن التوتر المزمن والاكتئاب مرتبطان بزيادة خطر الإصابة بمرض ألزهايمر؛ إذ وجد الفريق أن المصابين مسبقًا بالتوتر المزمن والاكتئاب كانوا أكثر عرضةً إلى الإصابة بالمرض مقارنةً بغيرهم.
يبلغ عدد المصابين بالاكتئاب حول العالم قرابة 280 مليون شخص، في حين يصاب نحو 300 مليون شخص بالقلق؛ لذا يجدر بنا أن نتساءل عن أهمية العلاقة الواضحة بين هذين الاضطرابين النفسيين ومرض ألزهايمر بما أنهما يصيبان العديد من الأشخاص في مرحلة ما من حياتهم.
كيف أجريت الدراسة؟ وماذا كانت النتيجة؟
تضمنت هذه الدراسة السجلات الصحية لأكثر من 1.3 مليون شخص في السويد تراوحت أعمارهم بين 18 و65 عامًا، قارن فيها الباحثون بين الأشخاص الذين شُخصوا بالاكتئاب أو التوتر المزمن أو كليهما بين عامي 2012 و2013، وآخرين لم يشخصوا بأي من هذين الاضطرابين خلال تلك الفترة.
تابع الباحثون بعدئذ المشاركين في الدراسة منذ عام 2014 إلى عام 2022 كي يحددوا أيًا منهم يشخّص بقصور إدراكي طفيف أو باضطرابات الخرف، ولا سيما مرض ألزهايمر. غالبًا ما يُعد القصور الإدراكي الطفيف علامةً رئيسيةً تنذر بالإصابة بالخرف، لكن هذا لا يعني بالضرورة أن كل المصابين به تتفاقم حالتهم إلى الخرف.
لوحظ طيلة فترة الدراسة أن عرضة الأشخاص المشخصين مسبقًا بالتوتر المزمن أو الاكتئاب إلى الإصابة بالقصور الإدراكي الطفيف أو مرض ألزهايمر تزيد عن نظرائهم بمقدار الضعف؛ في حين تزيد عرضة المشخصين بكل من التوتر المزمن والاكتئاب عن غيرهم بأربعة أضعاف.
نقاط مهمة ينبغي مراعاتها
يجب أن نأخذ بعض الأمور في عين الاعتبار عند تفسير نتائج هذه الدراسة. أولًا، سجّل الباحثون في الواقع حالات «اضطراب الإرهاق الناتج عن التوتر المزمن» وليس التوتر المزمن. يقتصر هذا الاضطراب على النظام الطبي السويدي فقط وهو يتميز بالإصابة بتوتر شديد طوال ستة أشهر على الأقل دون تعافٍ تام، تتضمن أعراضه الإرهاق واختلال النوم وصعوبة التركيز وضعفًا ملحوظًا في الأداء. بيد أن التوتر الطفيف قد لا يزيد خطر الإصابة بالخرف بالمقدار ذاته.
ثانيًا، كان الخطر المطلق أو نسبة تشخيص المشاركين بالخرف في هذه الدراسة منخفضًا جدًا؛ إذ تضمنت الدراسة نحو 1.3 مليون مشارك، وبلغ عدد المشخصين بمرض ألزهايمر لدى المشاركين المصابين بالتوتر المزمن 14 بين 4346، والمصابين بالاكتئاب 148 بين 40101، والمصابين بكليهما 9 بين 1898. أي أن نسبة الإصابة بألزهايمر لدى كل مجموعة بلغت 0.32% و0.37% و0.47% على التوالي.
قد يرجع انخفاض نسبة الإصابة بالمرض لدى المشاركين إلى صغر سن الفئات العمرية التي تضمنتها الدراسة؛ إذ بلغ متوسط أعمارهم عند بداية الدراسة بين عامي 2012 و2013 نحو 40 عامًا؛ ما يعني أن متوسط أعمار المشاركين في عام 2022 لم يتجاوز 50 عامًا، لكن يشخَّص مرضى الخرف عادةً بعد بلوغهم 65 عامًا، لذا قد يكون تشخيص الخرف لدى المرضى الأصغر سنًا أقل مصداقية.
علاوةً على ذلك، قد تجسد أعراض التوتر والاكتئاب في الواقع إدراك المريض بضعف ذاكرته، بدلًا من أن تمثل عوامل خطر تزيد احتمالية إصابته بضعف الذاكرة. تبرز هذه الفكرة حقيقة أن الدراسة كانت وصفية؛ أي أنها لا تكشف سوى وجود علاقة بين الأمرين، لكنها ليست مصممة لتحديد أيهما كان سببًا في حدوث الآخر.
ماذا تقول الأدلة الأخرى؟
تشير العديد من الدراسات إلى أن شدة أعراض الاكتئاب والقلق والتوتر مرتبطة بارتفاع خطر الإصابة بالخرف، بيد أن طبيعة هذا الرابط ليست واضحة؛ إذ لم تحدد هذه النتائج -على سبيل المثال- إن كانت أعراض القلق والاكتئاب بحد ذاتها عوامل خطر للإصابة بمرض ألزهايمر، أم أنها عواقب تدهور القدرات الإدراكية في المرض.
قد يكون الواقع خليطًا من الاحتمالين؛ إذ تشيع الإصابة بأعراض الاكتئاب والقلق الشديد لدى المشخصين بالقصور الإدراكي الطفيف، في حين تشير الدراسات التي أجريت على الشباب والبالغين في منتصف العمر إلى أن الاكتئاب والقلق يعدان أيضًا من أهم عوامل خطر الإصابة بالخرف.
فضلًا عن ذلك، توصلت دراسات أخرى إلى نتائج مشابهة للدراسة السويدية؛ إذ وجد الباحثون سابقًا أن عرضة مرضى الاكتئاب إلى الإصابة بالخرف تزيد عن غيرهم بمقدار الضعف، في حين يرتبط القلق الشديد لدى البالغين في منتصف العمر بضعف القدرات الإدراكية وارتفاع خطر الإصابة بالخرف في مرحلة لاحقة من عمرهم.
ما سبب الرابط بين هذه الاضطرابات النفسية ومرض ألزهايمر؟
بإمكان التوتر والقلق والاكتئاب زيادة خطر الإصابة بالخرف عبر عدة مسارات محتملة.
مثلًا، تشير بعض الدراسات التي أجريت على الحيوانات إلى أن هرمون الكورتيزول الذي يُفرز عند التوتر يزيد خطر الإصابة بمرض ألزهايمر عبر ترسيب بروتينات جوهرية لهذا المرض مثل بروتين تاو والتجمعات النشوانية في الدماغ. يسبب تراكم هذه البروتينات التهابًا يصيب الأعصاب الدماغية والخلايا التي تدعمها ويؤدي في نهاية المطاف إلى انكماش الدماغ وضعف الذاكرة.
قد تسبب هذه الاضطرابات مرض ألزهايمر أيضًا بسبب اختلال النوم، إذ تشيع اضطرابات النوم بين المصابين بالتوتر المزمن والاكتئاب، ويشتكي منها معظم مرضى ألزهايمر أيضًا. يرتبط اختلال النوم بضعف أداء الذاكرة حتى خلال المراحل المبكرة من مرض ألزهايمر. علاوةً على ذلك، تشير بعض الدراسات الحيوانية إلى أن قلة النوم قد تفاقم تراكم البروتين تاو والتكتلات النشوانية في الدماغ.
ما يزال على العلماء إجابة الكثير من الأسئلة حول سبب وجود هذا الرابط، لكن قد تؤدي الوسائل المثبتة علميًا التي تستهدف التوتر المزمن والقلق والاكتئاب دورًا في تقليل خطر الإصابة بالخرف.
اقرأ أيضًا:
ما الذي يحدث في دماغ شخص مصاب بالاكتئاب والقلق معًا؟
خمسة أمور يفعلها علماء الأعصاب للحفاظ على أدمغتهم سليمة
ترجمة: رحاب القاضي
تدقيق: جعفر الجزيري