إن حلم عبور أعماق الفضاء وزرع بذور الحضارة الإنسانية على كوكب آخر كان موجودًا منذ أجيال. ولمّا كنا نعلم أن معظم النجوم في الكون من المرجح أن يكون لها نظامها الخاص من الكواكب، يوجد دائمًا من يدعو إلى استكشافها، وحتى الاستقرار عليها.

مع فجر عصر الفضاء، لم تعد هذه الفكرة مجرد خيال علمي بل أصبحت موضوع دراسة علمية. ومن المؤسف أن التحديات التي تواجه المغامرة خارج الأرض والوصول إلى نظام نجمي آخر تعد ولا تحصى. في هذا الشأن، توجد طريقتان فقط لإرسال بعثات مأهولة إلى الكواكب الخارجية. الأولى هي تطوير أنظمة دفع متقدمة يمكنها من تحقيق سرعات نسبية، جزء بسيط من سرعة الضوء. تتضمن الثانية بناء مركبات فضائية يمكنها دعم الطواقم لأجيال، المعروفة أيضًا باسم سفينة الجيل أو سفينة العالم.

في الأول من نوفمبر 2024، أطلق مشروع هايبريون مسابقة تصميم سفينة للسفر بين النجوم باستخدام سفن الجيل الجديد التي تعتمد على التقنيات الحالية والمستقبلية. المسابقة مفتوحة للجمهور وستمنح ما مجموعه 10000 دولار أمريكي للمفاهيم المبتكرة.

يتضح هذا من خلال مفاهيم مثل اختراق ستارشوت وتجمعات نجم بروكسيما سنتوري ومشروع التكوين. تستفيد هذه المفاهيم من المركبات الفضائية دقيقة الحجم، والطاقة الموجهة (الليزر)، والأشرعة الضوئية لتحقيق سرعات تصل إلى 20% من سرعة الضوء، ما يسمح لها بالقيام بالرحلة في عقود بدلًا من قرون أو آلاف السنين.

مع أن بعض المفاهيم المتقدمة مثل مشروع أوريون وديدالوس وإيكاروس يمكنها نظريًا الوصول إلى بروكسيما سنتوري في غضون 36 إلى 85 عامًا، فإن التكاليف وكمية الوقود اللازمة باهظة الثمن. البديل لهذه المفاهيم السريعة هو الاستقرار في رحلة طويلة، التي قد تستمر قرونًا أو حتى آلاف السنين. هذا يتطلب مركبة فضائية بحجم كافٍ، قادرة على استيعاب مئات (أو آلاف) البشر على مدى أجيال متعددة. لتوفير المساحة وتقليل كتلة ومساحة الشحن، سيحتاج الطاقم إلى زراعة الكثير من طعامهم والاعتماد على أنظمة دعم الحياة ذات الطبيعة المتجددة بيولوجيًا. باختصار، يجب أن تكون السفينة مكتفية ذاتيًا حتى يتمكن الركاب من عيش حياة مريحة وصحية حتى يصلوا إلى وجهتهم.

أندرياس هاين، أستاذ مشارك في هندسة الطيران والفضاء في جامعة لوكسمبورج، هو جزء من اللجنة المنظمة لمشروع هايبريون. قال: كان أول وصف معروف لسفينة الجيل هو الذي قدمه مهندس الصواريخ روبرت إتش جودارد، أحد أسلاف الصواريخ الحديثة، الذي سمي مركز جودارد لرحلات الفضاء التابع لوكالة ناسا باسمه.

في مقالته التي كتبها عام 1918 تحت عنوان الهجرة النهائية، وصف جودارد سفينة بين النجوم، تغادر النظام الشمسي في المستقبل البعيد بعد أن تصل الشمس إلى نهاية دورة حياتها. سيظل الركاب متجمدين بالتبريد أو في حالة من الخمول المستحث طوال معظم الرحلة باستثناء الطيار الذي سيوقظ دوريًا لتوجيه السفينة. أوصى جودارد بأن تعمل السفينة بالطاقة الذرية إذا تحققت هذه التكنولوجيا، أو بمزيج من الهيدروجين والأكسجين والطاقة الشمسية. حسب جودارد فإن مصادر الطاقة هذه ستسمح للسفينة بتحقيق سرعات تتراوح بين 4.8 إلى 16 كم/ثانية، أو ما يقرب من 57936 كم/ساعة.

في دراسة أخرى، قرر الدكتور مارين ومجموعة أخرى من العلماء أن السفينة التي تحملهم يجب أن يبلغ طولها 320 مترًا، ونصف قطرها 224 مترًا، وتحتوي على 450 مترًا مربعًا من الأراضي الاصطناعية لزراعة ما يكفي من الغذاء لاستدامتهم. باختصار، تثبت هذه المقترحات والدراسات أن سفينة الأجيال وطاقمها يجب أن «يصطحبوا الأرض معهم»، وأن يعتمدوا على أنظمة التجديد الحيوي لتجديد طعامهم ومياههم وهوائهم عبر الأجيال.

ركزت معظم الدراسات المتعلقة بالاستكشاف بين النجوم على المجسات أو السفن، وتؤكد السرعة على حساب ضمان قدرة الركاب على القيام بالرحلة. أوضح هاين، فإن هذا يجعل مشروع هايبريون أول مسابقة تركز على سفن الأجيال وضمان بقاء المسافرين بين النجوم بصحة جيدة وآمنين حتى وصولهم إلى نظام نجمي قريب.

هذه المسابقة غير مسبوقة، فهي تمثل المرة الأولى لإطلاق مسابقة تصميم تركز خصوصًا على سفن توليد الطاقة. وهي تستند إلى أبحاث فريقنا السابقة، التي أجريت منذ عام 2011، التي تتناول أسئلة أساسية مثل حجم السكان المطلوب. تستكشف هذه المسابقة بشكل فريد التفاعل المعقد بين تقنيات سفن توليد الطاقة وديناميكيات مجتمع مقيد الموارد بدرجة كبيرة.

تبلغ مدة المهمة 250 عامًا من الإطلاق إلى الوصول إلى نظام النجوم المستهدف، بما يتفق مع امتلاك السفينة قوة دفع متقدمة قادرة على تحقيق جزء بسيط من سرعة الضوء. لضمان صحة وسلامة الطاقم، يجب أن يتمتع موطن السفينة بظروف جوية مماثلة للأرض، والحماية من الأشعة المجرية والنيازك الدقيقة والغبار بين النجوم. ينبغي أن توفر السفينة أيضًا جاذبية اصطناعية من خلال أقسام دوارة، لكن يمكن أن يكون لأجزاء من الموطن جاذبية منخفضة. يجب أن يوفر الموطن أيضًا أماكن إقامة وظروف معيشية لائقة لألف شخص إضافي طوال الرحلة. إضافةً إلى تصميم الموطن بطريقة يمكن تعديلها لتلبية الاحتياجات المتغيرة.

يجب أن يكون لدى السكان أيضًا إمكانية الوصول إلى المنتجات الأساسية. يجب أن تكون كتلة الموطن منخفضة قدر الإمكان، وموثوقة طوال مدة الرحلة، وتتضمن أنظمة زائدة على الحاجة. الوجهة المستهدفة لسفينة الجيل هي كوكب صخري في نظام نجمي قريب (مثل بروكسيما ب).

تحقيق هذه الشروط ضروري لتصميم سفينة أجيال، وقد تقدم أيضًا رؤى حول مستقبل مستدام على الأرض. من وجهة نظري، كان هناك نقص كبير في الحلول الخيالية لهذا التحدي. نأمل أيضًا في زيادة الوعي بالتعقيدات الكامنة وراء تقنيات اليوم.

تظهر الأبحاث أن حجم سكان المجتمع يؤثر في تنوع وتعقيد تقنياته. تتطلب معظم التقنيات الحديثة سلاسل توريد معقدة تشمل العديد من الشركات والبنية الأساسية والأنظمة. لذلك، من المرجح أن تعتمد سفينة الجيل على حلول منخفضة التقنية، ما لم تصبح التقنيات المبتكرة، مثل التصنيع الجزيئي أو الهياكل النموذجية ممكنة.

يركز هذا التحدي أساسًا على البحث متعدد التخصصات.

بالنسبة إلى العديد من الشركات والمنظمات غير الربحية اليوم، يتوسع البحث التقليدي إلى ما هو أبعد من هندسة الطيران والفضاء ليشمل الهندسة المعمارية والتصميم الداخلي وعلم الأحياء وعلم الاجتماع وعلم النفس والزراعة، وغيرها من التخصصات لخلق مفاهيم تسمح بحياة صحية ومستدامة في الفضاء. وفقًا للقواعد، يجب أن تتضمن الفرق كل من مصمم معماري ومهندس وعالم اجتماع.

اقرأ أيضًا:

يبدو أن البرق يطلق الإلكترونات القاتلة من غلاف الأرض باتجاه الفضاء

قد يؤدي السفر في الفضاء إلى مشكلات في الانتصاب لدى الرجال

ترجمة: شهد حسن

تدقيق: أكرم محيي الدين

المصدر