عندما يتعلق الأمر بالكحول، يكون الخط الفاصل بين الواقع والخيال غامضًا، فكثيرًا ما يساء فهم العديد من الأمور حول الكحول، سواء أكان ذلك في حفلة مع الأصدقاء أو من خلال تقاليد الشعبية. فالقهوة لن تعالج الثمالة، وبالتأكيد يجب تجنب خلط كوكتيل مع مشروب طاقة.
إذ تنتشر نصائح خاطئة بما يُعرف بعلاجات الثمالة وتأثيرات أنواع مختلفة من الكحول، وحتى مقدار الكحول الذي نستطيع تحمُّله. ومع إن العيش وفقًا لبعض هذه النصائح يبدو غير ضار، فإن بعض هذه الخرافات حول الكحول قد تضع صحة الشخص في خطر.
يشرح الكيميائي جوزيف جانيس بوصفه خبير إدمان بالكحول كيف يستطيع الناس تناول الكحول بذكاء ومسؤولية. وفيما يلي قائمة بأشهر الخرافات وتصحيحها.
1) يرفع شرب الكحول معنويات الأشخاص أثناء الحفلات
فكرة أن الكحول يمنح الطاقة هي واحدة من أكثر الأفكار التي يُساء فهمها، فعندما يسمع الناس هذه العبارة، يشعرون بالدفع لتناول المزيد من الكحول، خصوصًا في المواقف الاجتماعية. ولكن في الحقيقة، يُعد الكحول مثبطًا للدماغ، إذ يبدأ أولًا بتعطيل الوظائف التنفيذية (كالحكم والتحكم في المزاج)، إضافة إلى تثبيط المثبطات الطبيعية.
قد يشعر بعض الأشخاص بالإثارة والمتعة نتيجة لهذه التأثيرات، لكن آخرين قد يعيشون تجربة معاكسة مثل النعاس والخمول والشعور بالاكتئاب. لذلك، يجب فهم أن الكحول يعيق النشاط الطبيعي للدماغ بغض النظر عن الشعور في أثناء تناوله.
2) شرب البيرة قبل النوم يساعد على النوم
استخدام أي نوع من المشروبات الكحولية للمساعدة على النوم سيكون له تأثير عكسي دائمًا، حتى لو كان في اللحظة يبدو أنه يساعد. فشرب البيرة قبل النوم قد يساعد الشخص على النوم بسرعة، لكن عند الاستيقاظ قد يؤدي إلى انقطاع النوم العميق ويسبب شعورًا بالمعاناة من آثار الثمالة وعدم الراحة.
عادةً، يتناوب جسم بين مراحل النوم الخفيفة والعميقة، لكن الكحول يعيق النوم العميق ويسبب الأحلام المزعجة وصعوبة النوم. وتكرار تناول الكحول يؤثر سلبًا في النوم ويجعل من الصعب استعادة نمط نوم طبيعي، ما يزيد من احتمالية زيادة تناول الكحول أو سوء استخدام المهدئات للنوم.
3) شرب القهوة الأيرلندية (أو مشروب كحولي مماثل) قد يساعد على الحفاظ على دفء جسم عندما في ظروف جوية باردة
يُعتقد أن تناول المشروبات الكحولية (خاصةً مشروبات مثل القهوة الأيرلندية أو الهوت) قد يساعد على تسخين الجسم عندما يكون الطقس باردًا. ولكن هذا أحساس مؤقت وحسب. فتناول الكحول قد يجعل البشرة تبدو دافئة، لكنه في الواقع يخفض درجة حرارة الجسم بطريقة مخادعة.
يحتفظ الجسم عادةً بالدم الدافئ في صميمه للحفاظ على وظائف الأعضاء الهامة. يوسع الكحول الأوعية الدموية في أطراف الجسم بتأثير اصطناعي، ما يسمح للدم الدافئ بالهروب من صميم الجسم والتدفق في الدورة الدموية الطرفية فيبرد. وبالنتيجة لم يعد الجسم قادرًا على الحفاظ على دفء الأعضاء الحيوية بينما تنخفض الدرجة الحرارة العامة. وبعبارة أخرى، عند التعامل مع ظروف قاسية، يُنصح بعدم الاعتماد على المشروبات الكحولية للحفاظ على الدفء.
4) البيرة أقل تأثيرًا من الكوكتيل
تنتشر الكثير من الخرافات حول أنواع الكحول المختلفة وكيفية تأثيرها. مع إن شرب البيرة العادية مع الأصدقاء قد يبدو أقل شدة من شرب كوكتيل مثير، فإنهما أكثر تشابهًا مما قد تعتقد.
الأمر سواء عند تناول أي نوع من المشروبات، فالجسم يستهلك كمية متماثلة من الكحول عادةً بغض النظر عن نوع المشروب، وللمشروبات الكحولية المختلفة تأثيرات متشابهة في الجسم وقدرته على أداء الوظائف.
هذه الخرافة قد تكون ضارة خاصة إذا أدت إلى تناول كميات زائدة من الكحول، لذا ينبغي دائمًا الانتباه إلى نسبة الكحول في المشروبات، وتقدير قدرة الجسم على التعامل معها بواقعية.
5) بوسع القهوة أن تجعل الشخص يستعيد وعيه بعد تناول كمية كبيرة من الكحول
قد يشعر البعض أن القهوة تعيد الحياة لهم بطرق عديدة، لكن لا ينبغي الاعتماد على القهوة للتخلص من الكحول في الجسم. في الحقيقة، ليس للقهوة أي تأثير حقيقي على مستوى الكحول في الدم، وهو العامل الرئيسي في تحديد مستوى الثمالة.
شرب القهوة أو المنتجات الأخرى التي تحتوي على الكافيين بعد تناول كمية كبيرة من الكحول قد يخدع الدماغ ويجعل الشخص يشعر بالنشاط واليقظة أو الانتباه. فالقهوة تخفي الثمالة وتدفع للتصرفات الخاطئة، كتناول المزيد من الكحول أو القيادة.
بدلًا من ذلك، يجب مراقبة مدى طول بقاء الكحول في الجسم، وشرب الكثير من الماء وانتظار الجسم لإزالته تمامًا.
6) يتفاعل الرجال والنساء مع الكحول بنفس الطريقة
يتسبب شرب الكحول عادة في زيادة تركيز الكحول في الدم عند النساء أكثر من الرجال، وذلك بسبب الاختلاف في الوزن والتركيبة الجسدية، وهذا يؤدي إلى درجة أعلى من الثمالة لدى النساء.
يتفرق الكحول في الماء، ويحتوي جسم النساء على كمية أقل من الماء في مقارنة بالرجال، ولذلك إذا تناولت امرأة ورجل بنفس الوزن نفس كمية الكحول، فإن تركيز الكحول في دمها سيرتفع عادة أسرع من تركيزه في دمه.
ومع إن النساء قد يصلن بسرعة أكبر إلى الحد المسموح للقيادة في حالة سكر (تركيز الكحول في الدم0.08%)، فإن الكحول قد يؤثر في القيادة بتراكيز أقل من ذلك بكثير، ويُنصح بعدم شرب عند القيادة.
7) يقلّل شرب الكحول من التوتر والقلق
تنتشر عبارة شائعة مفادها أن بضعة كوكتيلات قد تخفف التوتر بعد أسبوع طويل في العمل، ومع إن الكحول قد يجعل الشخص يشعر بالاسترخاء والارتياح في البداية نظرًا لكونه مهدئًا، فإن تأثيراته لا تدوم طويلًا في الواقع، وقد يسبب الكحول المزيد من القلق في اليوم التالي.
استخدام الكحول لتخفيف القلق قد يجعل الأعراض أسوأ مع مرور الوقت، وذلك بسبب عدم التعامل مع العواطف بطريقة صحيحة. واستخدام الكحول لتخفيف أعراض القلق قد يؤدي إلى تطوير تحمل الكحول، ما يستدعي شرب المزيد لتحقيق نفس التأثير التخديري.
8) الكحول يؤثر في الكبد فقط
إذا كان الكبد في حالة جيدة، فذلك لا يُعد عذرًا مُعتمدًا للإفراط بشرب الكحول، إذ قد يؤثر الكحول في أجزاء أخرى من الجسم أيضًا، مثل القلب وضغط الدم والكلية، بالإضافة إلى الصحة العقلية.
وبحسب الدكتور جانيس يُمتص معظم الكحول عبر الغشاء المخاطي لحلق والمريء عند تناوله، إذ يدخل في دورة الدم ويؤثر في جميع أجزاء الجسم. والكحول أيضًا يسبب التهاب ويزيد من خطر الإصابة بالسرطان وأمراض أخرى.
9) خلط مشروبات الطاقة مع الكحول أمر مقبول
قد يعتقد بعض الأشخاص أن مزج مشروب الطاقة مع كوكتيل قد يساعد على مكافحة تأثيرات النعاس الناجمة عن الكحول. ولكن هذه ليست فكرة جيدة.
الأمر مشابه لضرورة عدم خلط الكحول والكافيين، فقد يؤدي الجمع بين مشروب الطاقة والكحول إلى تقنيع الأعراض السمية، ما قد يؤدي إلى شرب كمية من الكحول أكبر مما يستطيع الجسم تحمله. وقد يسبب خلط مشروب الطاقة والكحول الجفاف أيضًا، واضطرابات النوم ومشكلات في القلب.
10) شرب المزيد من الكحول قد يعالج أعراض الثمالة
تتكرر هذه الخرافة كثيرًا، ومن بين جميع العلاجات المشكوك في فعاليتها للشفاء من أعراض الثمالة، تعدُّ هذه الطَّريقة الأكثر ضررًا.
فمع إن هذه الطريقة تبدي أنها تخفف من أعراض الثمالة والغثيان، فإن ذلك سيؤدي فقط إلى تأخير عملية التعافي. كلّ ما تفعله هذه الطريقة هو إضافة المزيد من السموم إلى الجسم، ما يجعله يواصل العمل على تنظيف نفسه من كمية الكحول الكبيرة التي استهلكها.
الخلاصة
شرب الكحول بمسؤولية لا يتعلق فقط بالكمية المستهلكة، بل يتعلق أيضًا بكيفية الاستهلاك. توجد الكثير من القصص حول كيفية جعل شرب الكحول أسهل أو أكثر صحة، ولكن في الحقيقة لا توجد أية اختصارات أو خدع سحرية، لذا فمن الأفضل عدم استهلاك الكحول على الإطلاق، لكن إذا أصرينا على تناوله، فبكمية صغيرة لكي نحدّ من أضراره.
اقرأ أيضًا:
إدمان الكحول (الكحولية): الأسباب والأعراض والتشخيص والعلاج
شرب الآباء للكحول قبل الحمل يمكن أن يؤدي إلى متلازمة الجنين الكحولي
ترجمة: قيثارة درويش
تدقيق: امين الهسكاني
مراجعة: محمد حسان عجك