أنا مهووس بالتجارب السريرية، طوال الوقت أسمع الناس يتحدثون عن المدة الطويلة -المتراوحة بين سبع وعشر سنوات- التي يستغرقها صنع اللقاح، ومدى خطورة اختصار هذه المدة. الكلمة التي تتردد باستمرار هي «سريعًا»، ما يجعل الشخص غير المتخصص قلقًا حول سلامة اللقاح. لذلك -بوصفي طبيبًا في مجال التجارب السريرية – سأخبركم عما أفعله معظم هذه السنوات العشر، وهو ليس بكثير.
أنا لست كسولًا، أقدم طلبات للحصول على تمويل للتجارب السريرية فتُرفض، أُعيد تقديمها وأنتظر التقييم والمراجعة، ثم أُعيد التقديم بطريقة أخرى في حلقة مُهلكة أحيانًا. وعندما أكون محظوظًا وأنجح في الحصول على تمويل، أقضي شهورًا محاولًا الحصول على موافقة الهيئة الأخلاقية.
أنتظر المنظمين وأتعامل مع التعديلات التي تطرأ على العاملين في شركة الأدوية، ما يشتت انتباهي عن التجارب، وفي حال كنت محظوظًا جدًا أقضي الوقت أجهز للتجارب، فأجد أماكن مناسبة لإجرائها، لا يخلو الأمر من الهلع بسبب عدم التزود بكل ما نحتاجه من معدات وعاملين، ثم أواجه المزيد من المشكلات مع موضوع التنظيم، وأخيرًا إذا لم أستنفد كل حظوظي قد أحصل على علاج يعطي حفنة أمل.
هنا قد يحصل تأخير بسبب التساؤلات حول الأرباح أو أي عقبات أخرى قد تعترض طريقنا.
لن أتطرق إلى الحديث عن السنوات التي نقضيها في المرحلة ما قبل السريرية من صنع اللقاح، قبل بدء التجارب على البشر.
عشر سنوات لتطوير لقاح هو شيءٌ سيئ
في المرة القادمة التي يبدي فيها شخص ما قلقه حول السرعة المُذهلة التي أُنجزت فيها التجارب السريرية للقاح، أخبره أن عشر سنوات ليست مدة جيدة.
ليست السنوات العشر بحد ذاتها ما يجعل اللقاح آمنًا أو لا، إنما عشر سنوات شاقة من التجاهل والأولويات التجارية والحظ والروتين، كلها عوائق في سبيل نجاح العملية أثبتنا أنه يسهل التغلب عليها.
نحتاج إلى تمويل غير محدود وأشخاص أذكياء طموحين وإمكانيات عالية التجهيز لإجراء التجارب، وكمية غير محدودة من الإيثار وحب الغير عند القائمين على العمل، ومتطوعين رائعين، إضافةً إلى منظمين على قدر مرتفع من الوعي والإدراك. مع خطر وباء يقتل البشر كل ثانية، تبيّن أنه يمكننا إنجاز أشياء مذهلة. لم تكن التجارب السريرية للّقاح أقل من معجزة، إنها ثورة في مسيرتنا العملية فيما يخص التجارب السريرية للقاحات، وقد لا تكون مثيرة للدهشة نظرًا إلى قدرتنا العالية على الابتكار عند حاجتنا إلى ذلك.
نحن حقًا في حاجة ماسّة إلى ذلك، فالحاجة أمّ الاختراع. لم تنقص درجة أمان اللقاح مع اختصار الوقت، فجميع مراحل التجارب السريرية للقاح قد استغرقت مدة زمنية كافية كغيرها من التجارب على الأدوية واللقاحات الأخرى، إذ تناول مئات آلاف المتطوعين لقاحًا تجريبيًّا، وراقب العالم من كثب، وحال أحس أحد المتطوعين بالمرض، كنا جميعًا نناقش الحالة.
حتى تاريخ كتابة المقال، لم تحدث أي حالة وفاة ناجمة عن أخذ اللقاح الجديد، بل أُبلغ فقط عن بعض الحالات التي تُحتمل جديتها، تخيل فقط مراقبة كل شخص في مدينة صغيرة ستة أشهر، والإبلاغ عن كل سكتة قلبية أو دماغية، أو كل حالة عصبية أو أي حالة قد تبدو خطيرة، إنه أمر مذهل، إنه نصر للعلوم الطبية.
بالتأكيد كنا محظوظين بحدوث الوباء في عصرنا الحالي، إذ أصبح تحديد التسلسل الجيني لشخص ما أو لفيروس هو أمر روتيني حاليًا.
أدى ذلك إلى شحذ العلوم ما قبل السريرية، الضرورية بوصفها حجر أساس للعديد من التقنيات، والمناسبة لنستفيد منها كما هو مطلوب.
كُشف عن ثلاث لقاحات، أظهرت فعالية أعلى بكثير مما توقعنا، حدد المنظمون العتبة عند 50%. كشفت شركتا مودرنا وفايزر عن نسبة فعالية بلغت 95%، في حين كانت نسبة جامعة أكسفورد 90% لجرعة محددة من اللقاح. ما زالت المعلومات حول سلامة اللقاح في طور المتابعة، لكن البيانات ممتازة، وأنا متفائل جدًا.
لكن هذا لا يقلل من التحديات التي مازالت أمامنا، ولا يمكننا القول إن أمر اللقاحات صار منتهيًا فيما يخص السلامة، إنه نصر عظيم على كل حال للأشخاص العظماء وللجهد المبذول.
أنا واثق أنه عندما يصبح المنظمون على بينة تامة من معلومات فعالية اللقاح وسلامته، مع متابعة كل عالم مهتم في العالم، سيكون اللقاح جاهزًا للاستخدام، فقط حال كانت الفوائد تفوق المخاطر المترتبة، وأنتم أيضًا يجب أن تكونوا على ثقة.
اقرأ أيضًا:
هل يمكننا أن نثق بنتائج التجارب السريرية المبكرة؟
تجارب لقاح فيروس كورونا لن تعطينا أجوبة قاطعة عن أكبر أسئلتنا.. وهذا هو السبب
لقاح فيروس كورونا الروسي الجديد يثير شكوك العلماء في سلامته
كيف يهاجم فيروس كورونا أعضاء الجسم المصاب؟
ترجمة: محمد عيسى
تدقيق: سمية بن لكحل
مراجعة: أكرم محيي الدين