يظهر سلوك غير مألوف خاصيةً كمية متوارية في البروتون تقارب الثقوب السوداء؛ وهو ميدان جديد في طور التكوين. يطيب لبعض العلماء وضع البروتونات والمترابطات الكمية والثقوب السوداء في سلة واحدة. ولكن إلى ماذا يرمي هؤلاء؟
لقد أدى اكتشاف حقيقة أن الأجزاء الداخلية للبروتون تحتوي على قدر هائل من الترابطات الكمية إلى إماطة اللثام عن ظاهرة ذات ديناميكية حرارية هائلة، أي الثقوب السوداء، كما جاء في دراسة حديثة نشرتها مجلة العلوم الفيزيائية الأوروبية.
إن مجرد التطرق إلى مسألة وجود ثقب أسود في البروتون هو محض هذر لا طائل منه. ولكن مقاربة ما يحدث داخل البروتون بما يحدث في ظواهر الأجرام الفلكية الكبيرة قد يفسّر الظواهر المتوارية في الدقائق الذرية متناهية الصغر. وبحسب الدراسة آنفة الذكر، توجد داخل البروتونات أجزاء متنوعة ترتبط ببعضها بعرى لا تنفصم، وهذا ما أثبتته نتائج التجارب المخبرية.
وقد منح النموذج النظري العلماء الاعتقاد، وهو ما لم يكن في تصورهم، أن فيزياء البروتون الداخلية تشترك في خواصها الحرارية وخاصية الفوضى (أو العشوائية) مع ما يقابلها في بعض الأجسام والظواهر الفلكية، مثل الثقوب السوداء.
وكانت هذه الدراسة قد أطلقت من قبل عالمين فيريائيين هما كريستوف كوتاك من هيئة الفيزياء الذرية في الأكاديمية العلمية البولندية في كراكوف البولندية، ومارتن هتنتشسكي من جامعة الشعوب الأمريكية في المكسيك. وقد أجرى كل منهما تجربة إطلاق إلكترونات نحو البروتونات، ليتفاعل الإلكترون ذو الشحنة السالبة باقترابه من البروتون ذي الشحنة الموجبة، ما يتسبب بانحراف الإلكترون نحو مسار جديد. يجري تبادل فوتون بين بروتون وإلكترون، فيكون التغير في القصور الذاتي للفوتون أقوى تبعًا لقوة التفاعل بين البروتون والإلكترون، ما يترتب عليه زيادة تردد الموجات الكهرومغناطيسية.
عن دلالة تناول مقياس درجة الفوضى في فيزياء البروتونات لفهم الثقوب السوداء، يقول كوتاك في تقرير نشر في يومية سايتك: عند توافر فوتون ذي موجة قصيرة، قادرة على الحلول داخل البروتون سيكون بالإمكان حل أحجية البنية الداخلية للبروتون. ومن المحتمل أن يتحلل البروتون إلى دقائق صغيرة في حال استخدام الفوتونات قصيرة الموجة. ومن ثمّ، فقد نتمكن من تقدير عدد الدقائق في الجزء من البروتون الذي لا يشغله الفوتون عبر عدد الدقائق الناتجة من تحلل البروتون في الجزء الذي يشغله الفوتون.
ما زال هذا المضمار يتطلب المزيد من البحث، ولكن يميل علماء فيزياء الكم في الآونة الأخيرة إلى ربط درجة الفوضى بالحالة الداخلية للبروتون عبر مفهوم متداول في الديناميكا الحرارية التقليدية، التي مكنتهم من دراسة درجة اللا انتظام في حركة الدقائق لنظام مختار.
وهذه الحالة من اللا انتظام تمنح النظام أعلى درجات الفوضى، وبالقدر نفسه مستوى من الانتظام يعزى إلى درجة منخفضة من الفوضى.
وتشير الاكتشافات الأخيرة إلى كيفية ظهور الأشياء داخل البروتون، ما يعني أنه يمكن للفيزيائيين وصف درجة الترابط في حالة الفوضى ضمن ذلك السياق.
يبقى فيزيائون آخرون متمسكين بقناعاتهم في امتلاك البرَتونات طبيعةً كمية صرفة، ما يعني عدم إمكانية تفسيرها اعتمادًا على مفهوم الفوضى، في حين أن الدراسة التي نحن بصددها تقدم النظرية الارتباطية للبروتون، وهو ما يعتمد على طيف واسع من المفاهيم وأولها مفهوم مساحة سطح الثقب الأسود. إننا بصدد المضي في ميدان حديث مثير للاهتمام، ويحتاج إلى المزيد من البحث والدراسة.
اقرأ أيضًا:
دراسة تقترح أن حجم البروتونات أصغر مما كنا نظن سابقًا
ترجمة: فراس حتر
تدقيق: حسين جرود
مراجعة: أحلام مرشد