في الصيف وتحت حرارة الشمس القاسية نحاول الحصول على درجة حرارة لطيفة في منازلنا وقد نعزل سطح المنزل بمواد معينة تعكس أو تمتص أشعة الشمس لتبقى حرارة المنزل في الداخل أدنى، لكن ما تأثير هذه المواد العازلة شتاءً؟ يمكن أن تزيد هذه المواد التي تعزل الحرارة صيفًا برودة الشتاء، وعمليات تدفئة المنازل مكلفة وتساهم بما يقارب 28٪ من الانبعاثات الكربونية في العالم.
الحل هو مادة مميزة، مادة ذكية ذات قدرة تكيفية تتحول بين وضعين أحدهما يحمي من أشعة الصيف الحارة والثاني يحفظ الحرارة في الداخل شتاءً.
طور الباحثون في كاليفورنيا من هذه المادة طلاءً عازلًا للسطح -اختُبرَ على سطح منزل البروفيسور- ونشر الباحثون هذا العمل في مجلة ساينس.
يقول جونكياو وو، عالم المواد في جامعة كاليفورنيا، بيركلي، ومختبر لورانس بيركلي الوطني، وأحد الباحثين في المشروع: «الهدف الأساسي من هذا العمل هو أن لا يكون عزل السطح فقط للحماية من حرارة الصيف بل أيضًا من برودة الشتاء»، وأضاف: «المادة الهامة في عملية إضافة السطح العازل هي أكسيد الفاناديوم، وهو مزيج اختُبر سابقًا طلاءً للنوافذ، وما يجعل من أكسيد الفاناديوم عازلًا مثاليًا هو ناقليته الضعيفة للحرارة على عكس معظم المواد».
تستطيع الأشعة تحت الحمراء التي تصدرها الشمس وترفع من حرارة الأرض اختراق أكسيد الفاناديوم عندما تكون هذه المادة بدرجة حرارة الغرفة وتتغير خصائص هذا المزيج عندما تصل درجة الحرارة إلى 67 درجة، فيتبدل وضع المادة وتبدأ في منع الأشعة من النفاذ. وبالنتيجة، تسمح المادة للشمس بالنفاذ عندما تكون درجة الحرارة منخفضة وتحول دونها عند ارتفاع درجة الحرارة.
الدرجة 67 درجة حرارة عالية بالنسبة لأي سطح. لكن جونكياو وو وزملاءه استطاعوا خفض الدرجة التي تتغير عندها حالة المزيج إلى درجة ملائمة أكثر 25 مئوية، وذلك بإضافة مادة التنغستن كشائبة منشطة لأكسيد الفاناديوم اعتمادًا على شروط علم المواد.
كان لابد من تجربة هذا الاختراع في مكان ما، إذ لا يكفي المختبر للقيام بالتجربة، وقد صرح جونكياو وو: «في المختبر لا تتوافر العناصر التي صُممت المادة لتتحداها، الشمس والرياح، ولا يوجد تعرض مباشر للوسط الخارجي».
استخدام سطح المختبر للتجربة كان صعبًا إذ تسبب وباء كوفيد-19 حينها بإغلاق معظم أجزاء المختبر ولا يمكن ترك الطلاء في الهواء الطلق مثل ساحة اللعب أو موقف السيارات مدةً طويلة كما احتاجوا إلى مكان يسمح لهم باستخدام الكومبيوتر المحمول بحرية لعدة أيام، وكان منزل جونكياو وو الخيار الأمثل، فالمنزل يقع على تلة في خليج سان فرانسيسكو ولم يكن محاطًا بالأشجار، إذ تدخل أشعة الشمس دون أي عائق، وما جعله أفضل خيار هو أن درجة الحرارة المحيطة به تتباين بين الليل والنهار.
يقول جونكياو وو: «الكهرباء متوفرة في المنزل، وشبكة الواي فاي أيضًا، وأنا أعيش في المنزل وأستطيع معاينة المعدات لأيام إضافية، وبهذه الطريقة تمت التجربة».
وضع الباحثون كمية من أكسيد الفاناديوم فوق طبقة شفافة من فلوريد الباريوم -مزيج يستخدم عادة في دراسة الأشعة تحت الحمراء- وتكونت الطبقة الداخلية من الفضة العاكسة، ما أعطى المزيج ماهية الشريط اللاصق. ثبت جونكياو وو ووكيتشاو تانغ -باحث ما بعد الدكتوراه- الشريط اللاصق على سطح منزل جونكياو وو وركبوا نظام قياس لا سلكي على شرفة المنزل لمراقبة مدى استجابة الشريط لتغييرات أشعة الشمس ودرجة الحرارة.
عند مقارنة هذه الطريقة مع طريقتين مختلفتين للطلاء -إحداهما باللون الأبيض والأخرى بالأسود- وجدوا أنه بالرغم من أن الطلاء الأبيض يعطي أداءً أفضل عند التعرض المباشر لأشعة الشمس، فإن أداء المادة التي أوجدوها كان أفضل في معظم الظروف الأخرى.
لكنهم واجهوا تحديًا آخر، فالخليج الذي يقع فيه المنزل لا يتعرض لجميع أنواع الطقس فلو أنك تجولت هناك باتجاه واحد فمن المحتمل أن تواجه طقسين مختلفين خلال عدة أميال، كما أن الباحثين اختبروا المادة في يوم صيفي واحد فقط.
لذا وبمساعدة فينيجان ريتشيرتس طالب المدرسة الثانوية المحلي الذي كان يتدرب عن بعد في مختبر جونكياو وو، استخدم الباحثون البيانات من تجربة السطح لإجراء محاكاة حاسوبية لمستوى أداء طلاء أكسيد الفاناديوم في الظروف المختلفة لـ 15 مناخًا عبر أمريكا الشمالية – بدءًا من صحراء نيو مكسيكو إلى الشتاء القاسي في شيكاغو إلى أمطار شمال غرب المحيط الهادئ.
أعطى الطلاء مفعوله بشكل خاص في المناخات التي تتراوح بين الصيف الحار والشتاء البارد كما أظهرت المحاكاة.
يقول جونكياو وو: «لن يعمل هذا الطلاء بشكل جيد في فلوريدا كما هي الحال بالنسبة إلى هاواي أيضًا والإسكيمو الباردة، لكنه سيعمل جيدًا في المناطق ذات المناخ المتوسط».
وقد وُجدَ أن المادة تحفظ الطاقة في 12-15 مناخ أكثر من مواد طلاء السطوح الموجودة.
وكما صرح جونكياو وو فإنهم الآن يخططون لإصدار براءة اختراع للمادة في العام 2022 وصنع كميات كبيرة منها بكفاءة عالية أو إيجاد مواد أخرى ذات خصائص مشابهة: «نحن نتطلع إلى تحسين الأداء مع إبقائها قابلة للتطوير».
لو كان جونكياو وو على حق، فإن هذه المادة الذكية لن تفيد في طلاء الأسطح فحسب، بل يعتقد جونكياو وو أنه يمكن استخدامها لإبقاء المركبات في درجة حرارة مريحة في رحلات استكشاف الفضاء، حتى في البيئات القاسية خارج غلاف الأرض. وعلى الأرض، يمكن استخدام الطلاء في الإلكترونيات أو في المنسوجات. فقد ترتدي يومًا ما سترة مصنوعة من هذه المادة أو تقوم بالتخييم تحت خيمة مغطاة بأكسيد الفاناديوم -المتلائم مع الطبيعة- حيث تتغير درجة الحرارة بما يناسبك.
اقرأ أيضًا:
لماذا تتطلب التدفئة طاقة أعلى من التبريد؟
تبريد دون استخدام الطاقة ؟ لم لا ؟ ستحدث هذه الرقائق المعدنية ثورة
ترجمة: رهف ابراهيم
تدقيق: أحمد فواز