حواسيب مصنوعة من مواد عضوية!
إن حجم أصغر الترانزستورات الآن أقل من حجم من فيروس الإيدز، وقد تقلصت صناعة العناصر المركزية لرقائق أجهزة الكمبيوتر إلى أربعة عشر نانومتر في السنوات الستين الأخيرة.
بكل الأحوال، فالأساليب التقليدية تجتاز الحدود المادية، ولذلك يبحث الجميع من شتّى أنحاءِ العالم عن بدائل، ويمكن لأحد الأساليب أن يكون تنظيمًا ذاتيًّا للمكونات المعقدّة من الجزئيات والذرات.
حاليًا، أحرز العلماء في المختبر الألماني (HZDR) للأبحاث وجامعة بادربون (Paderborn University) تقدمًا هامًا، فقد أوصلَ علماء الفيزياء التيّار عبر أسلاك نانوية مطليّة بالذهب والتي جمعت نفسها بشكل مستقل من جديلة مفردة من الحمض النووي DNA.
وقد نُشرت نتائج هذا البحث في المجلة العلمية لانجميور (Langmuir).
للوهلة الأولى، تبدو بأنها تشبه خيوط دوديّة موضوعة أمام خلفية سوادء، ولكن أظهر المجهر الالكتروني عن قرب أنَّ البنى النانومترية تربط بين اثنين من الموصلات الكهربائية.
يقول الدكتور آرتور إربي (Artur Erbe) من معهد (Ion Beam Physics and Materials) «أنا مسرورٌ لما رأيته، والقياسات التي التي حصلنا عليها أظهرت أن التيار الكهربائي وُصل عبر هذه الأسلاك الدقيقة».
ويؤكد «ليس بالضرورة أن يكون هذا الأمر بديهي، ونحن الآن بعد كل شيء نتعامل مع المكونات المصنوعة من الحمض النووي المعدل».
وفي سبيل إنتاج هذه الأسلاك النانوية، جمع الباحثون بين جديلة طويلة من المواد العضوية مع قطع أقصر من الحمض النووي من خلال الأزواج القاعدية وذلك لتشكيل جديلةً مضاعفة مستقرة.
وباستخدام هذا الأسلوب، يمكن للبُنى أن تتخِذ الشكل المطلوب، وكل ذلك بشكلٍ مستقل.
يفسر الباحثون في مختبر (HZDR) ذلك: «بالاستعانة بهذا النهج، يمكننا أن نبتكر أنماط فائقة الصغر» والذي أطلق عليه تسمية أوريغامي الحمض النووي (DNA-origami) وذلك لأنه يشبه التقنية اليابانية في طي أوراق الأوريغامي (Origami).
الدارات الصغيرة للغاية المصنوعة من الجزيئات والذرات يمكن تصورها هنا، هذه الاستراتيجية والتي أطلق عليها العلماء اسم أسلوب “من أعلى إلى أسفل” تهدف لقلب الانتاج التقليدي للمكونات الالكترونية رأسًا على عقب، إذ يُقطع أجزاء كبيرة من المواد الأساسية حتى تكتمل البنية المطلوبة، ولن يكون هذا ممكنًا في المستقبل القريب مع استمرار التصغير.
يُعدُّ النهج الجديد بديلاً عن التوجه للطبيعة، فالجزيئات تُطوِّر البنى المعقّدة من خلال عمليات التجميع الذاتي.
الجسور الذهبية بين الأقطاب الكهربائية:
إن العناصر التي حصلنا عليها نتيجة لذلك ستكون أصغر بكثير من المكونات الحالية لرقائق الكمبيوتر الدقيقة.
نظريًّا، يمكن للدارات الصغيرة أن تُنتج بجهد أقل، ومع ذلك هناك مشكلة أشار إليها الدكتور إربي أنَّ المادة الوراثية لا يمكن أن تمرر تيارًا بشكلٍ خاص، ونتيجةً لذلك وضع الدكتور إربي وزملاؤه جسيمات نانوية مطلية بالذهب على أسلاك الحمض النووي وذلك باستخدام الروابط الكيميائيّة.
وفي وقتٍ لاحق ومع استخدام أسلوب “من أعلى إلى أسفل” -الطباعة الحجرية بالشعاع الالكتروني- حصلنا على اتصال الكتروني مع الأسلاك الفرديّة.
وأضاف الدكتور إربي «لقد وقف هذا الاتصال الفائق بين الأقطاب الكبيرة وبين بُنى الحمض النووي الفردية بوجه الصعوبات التقنية حتى الآن، ومن خلال الجمع بين الأسلوبين، يمكننا حل هذه المشكلة، ونتيجة لذلك استطعنا وبدقة متناهية تحديد عملية نقل الشحن الكهربائي عبر الأسلاك الفردية للمرّة الاولى».
وبحسب ما أظهرته نتائج اختبارات الباحثين في ديرسن، وُصل التيار بالفعل عبر الأسلاك المطلية بالذهب، فهي بكل الأحوال تتعلق أيضًا بدرجة الحرارة المحيطية.
ويصف الدكتور إربي بأن عملية نقل الشحن الكهربائية تنخفض مع انخفاض درجات الحرارة.
أما في درجة الحرارة الطبيعية للغرفة، فإنَّ الأسلاك تعمل بشكل جيد، حتى ولو قفزت الالكترونات جزئيًّا من جُسيم ذهبي إلى آخر لأنها لم تُخلط معًا بشكل كامل.
بكل الأحوال، المسافة صغيرة جدًا لدرجة أنها لم تظهر تحت المجاهر المتقدّمة حتى الآن.
وبهدف تحسين التوصيل، يسعى فريق الدكتور إربي إلى إدراج البوليمرات الموصلة بين جزيئات الذهب، ويعتقد الفيزيائيّ بأنه مازال بالإمكان تحسين عملية التعدين.
ويختم الدكتور إربي بأنه على العموم راضٍ عن النتائج فيقول «إننا نستطيع إثبات أن أسلاك الحمض النووي المطلية بالذهب يمكنها أن توصل الطاقة، وفي الواقع إننا لا نزال في طور البحث الأساسي، ولهذا السبب نستخدم الذهب عوضًا عن المعادن الأفضل من حيث الكلفة، وبالرغم من ذلك أحرزنا خطوة مهمة من شأنها أن تجعل اعتماد الأجهزة الالكترونية على الحمض النووي أمرًا ممكنًا في المستقبل».
ترجمة: رامي الحرك
تدقيق: ولاء سليمان