يزداد اهتمام الباحثين حاليًا باكتشاف أساليب جديدة للحد من شيخوخة الدماغ والوقاية من تراجع القدرات المعرفية. تسلط الأبحاث الضوء بتزايد على تأثير الحمية الغذائية التي يتبعها الفرد في قدراته المعرفية والإدراكية.

نظرت دراسة جديدة في الملفات الغذائية الخاصة ببعض البالغين الأكبر سنًا، إضافةً إلى دراسة تأثير النظام الغذائي في صحة الدماغ لديهم.

لتشكيل الملفات الغذائية لكل من المشاركين، استعان فريق البحث باختبارات معرفية وإدراكية، وتقنيات لتصوير الدماغ، وتحليلات لبعض أنواع المؤشرات الحيوية في الدم. بذلك تمكن الباحثون من تحديد ملف غذائي ترافق اتباعه مع تباطؤ شيخوخة الدماغ. تميز هذا الملف الغذائي باحتوائه على مستويات عالية من الحموض الدسمة ومضادات الأكسدة والفيتامينات.

تمثل هذه العوامل المغذية عناصر رئيسية في حمية البحر المتوسط، ما يشير إلى إيجابيات اتباع هذا النظام الغذائي.

أوضح مؤلف الدراسة الأستاذ آرون باربي أن بحثه يدعم الأدلة المتزايدة التي تؤكد فوائد اتباع حمية البحر المتوسط لصحة الدماغ. قال: «تدعم الدراسة الحالية نتائج الأبحاث السابقة من عدة نواحٍ.

فهي أولًا من بين أضخم الدراسات التي أجرت تحاليل للمؤشرات الحيوية، وهي الأشمل في دراسة الارتباط بين الحمية الغذائية وصحة الدماغ. تجاوزت الدراسة الفحوصات المعرفية التقليدية، إذ اعتمدت على مقاييس الفحوصات العصبية متعددة الوسائط. ما يساعد على تكوين فكرة أوضح لصحة الدماغ وفهمًا أعمق لبنيته ووظيفته واستقلابه. أخيرًا تفوقت الدراسة على الأبحاث الأخرى بتحديد ملف غذائي يصاحب الالتزام به إبطاء شيخوخة الدماغ، عوضًا عن تركيزها على مكونات أو عناصر منفردة».

تحسن حمية البحر المتوسط القدرة المعرفية:

البحث الحالي من الدراسات المقطعية المستعرضة، بلغ عدد المشاركين فيه 100 بالغ تراوحت أعمارهم بين 65 و75 عامًا. تمتع جميع المشاركين بصحة جيدة عمومًا ولم يُبدوا أي أعراض أو مظاهر لضعف الإدراك أو المعرفة. خضع البالغون لعدد من الاختبارات تضمنت فحوص التصوير بالرنين المغناطيسي، واختبارات التقييم النفسي، وتحاليل الدم.

فحص الباحثون نحو 139 عاملًا مختلًفا لصحة الدماغ تضمنت مؤشرات استقلاب الدماغ ووظيفته وبنيته.

حدد الباحثون نمطين ظاهرين لصحة الدماغ: شيخوخة الدماغ المتأخرة وشيخوخة الدماغ المتسارعة. اتصفت المجموعة الأولى من المشاركين بأن أدمغتهم أصغر سنًا، مقارنةً بالمجموعة الأخرى التي كانت شيخوخة الدماغ لديهم متسارعة.

خضع المشاركون لمجموعة من الاختبارات التي ركزت على قياس الذكاء، والوظيفة التنفيذية، والذاكرة. أشارت نتائج الاختبارات إلى امتلاك مجموعة المشاركين ذوي شيخوخة الدماغ المتأخرة وظيفةً إدراكية ومعرفية أفضل.

درس الفريق الملفات الغذائية لمجموعة المشاركين ذوي الشيخوخة المتأخرة بالاستعانة بتحاليل الدم. بينت النتائج وجود مستويات أعلى من عوامل غذائية معينة، مقارنةً بالمجموعة الأخرى صاحبة النمط الظاهري المتسارع للشيخوخة.

تشمل العوامل الغذائية المقصودة الحموض الدسمة، والكاروتينات، واللوتين، والزيازانثين، وفيتامين إي، والكولين. اثنان من الأحماض الدسمة المذكورة من نمط أحماض أوميغا 3 الدسمة المتعددة غير المشبعة، وهما حمض ألفا لينولينيك وحمض إيكوسابينايونيك.

للملف الغذائي السابق تأثير مميز في شيخوخة الدماغ، بصرف النظر عن بعض المقاييس الديموغرافية المحددة، ووزن الفرد، ومستويات اللياقة البدنية لديه.

درس الباحثون تأثير بعض العوامل الثانوية مثل الجنس، والدخل المادي، ومشعر كتلة الجسم، والمستوى التعليمي. حددت نتائج الدراسة بالاستعانة بالبيانات السابقة الملف الغذائي الذي قد يساعد على إبطاء شيخوخة الدماغ.

تقترح الدراسة أن اتباع حمية البحر المتوسط من أكثر الأساليب التي تضمن استهلاك المرء للعوامل المغذية السابقة. تعتمد حمية البحر المتوسط تناول كميات كبيرة من الفواكه والخضر، وكميات معتدلة من السمك ومنتجات الألبان والبيض والدجاج.

«تعرف حمية البحر المتوسط بدورها الكبير والأساسي في تخفيض خطر الإصابة بأمراض الجهاز القلبي الوعائي والوفاة المبكرة. يأمل الكثير من الناس الحفاظ على وظيفتهم الإدراكية والعقلية مع تقدمهم في العمر من الناحية الجسدية. تعد العوامل المغذية التي ذكرت في الدراسة جزءًا أساسيًا من نظام حمية البحر المتوسط، ما يسلط الضوء على تأثيرات حمية البحر المتوسط، وغيرها من الأنظمة الغذائية القائمة على الخضر والفواكه، وفوائدها في تعزيز الصحة الإدراكية للمرء، وليس فقط صحته الجسدية».

ضرورة إجراء مزيد من الأبحاث حول تأثيرات المواد المغذية في شيخوخة الدماغ:

رغم نتائج الدراسة الواعدة والإيجابية، واجهت الدراسة بعض القيود. لا يمكن للدراسة أولًا تحقيق مبدأ السببية. يُضاف إلى ذلك قلة عدد المشاركين في الدراسة، الذي كانوا جميعًا من العرق الأبيض، ما دفع فريق البحث لتأكيد أهمية توسيع نطاق الدراسات المستقبلية للحصول على نتائج أشمل وأكثر تنوعًا.

شملت الدراسة مشاركين تراوحت أعمارهم بين 65 و75 عامًا، ما يؤكد أهمية ضم الأبحاث المستقبلية مجموعات عمرية أخرى. أيضًا، لا تنفي نتائج الدراسة أهمية العوامل المغذية الأخرى لوظيفة الدماغ. قد تتضمن الدراسات المستقبلية تأثيرات المواد المغذية الأخرى في مسار شيخوخة الدماغ.

«تقدم الدراسة نتائج واعدة، إلا أن إجراء مزيد من الأبحاث بهدف تطبيق نتائجها على مفهوم الصحة العامة لجميع أفراد المجتمع باختلافاتهم أمر ضروري. ينبغي أن تُتبع الدراسات الرقابية، مثل الدراسة الحالية، بتجارب عشوائية مضبوطة لتأكيد فعالية العوامل المدروسة في دعم صحة الدماغ. يتطلب ذلك إجراء المزيد من الأبحاث لفهم الآليات المحددة التي تؤثر فيها العوامل المغذية محل الدراسة. ينبغي إجراء دراسات ممتدة إلى فترات زمنية طويلة، التي تتجلى أهميتها في فهم التأثيرات طويلة الأمد لنوع الحمية الغذائية».

تؤكد نتائج الدراسة الفوائد المحتملة لبعض العوامل المغذية، إذ أشار فريق البحث إلى عدد من مصادر المواد المغذية.

تُعرف الكاروتينات، مثلًا، بأنها أصباغ نباتية تمنح بعض الأطعمة ألوانها الحيوية. تشمل بعض مصادر الكاروتينات:

  •  الفلفل الحلو.
  •  الطماطم.
  •  البروكولي.
  •  الجزر.

تشمل أشهر مصادر فيتامين إي الخضر الورقية، والمكسرات، والبذور. كل من البيض والدجاج والسمك والخضر القنبية وبعض أنواع الحبوب، مصادر شائعة لمادة الكولين.

ينصح الأشخاص المهتمون بإدراج كميات أكبر من العوامل المغذية المذكورة في الدراسة ضمن حميتهم الغذائية باستشارة مختص تغذية مرخص.

اقرأ أيضًا:

حمية البحر الأبيض المتوسط وتناول الأسماك، مرتبط بانخفاض خطر الاكتئاب لدى النساء

الالتزام بحمية البحر الأبيض المتوسط يطيل العمر ويقي من الأمراض والسرطان

ترجمة: رهف وقاف

تدقيق: وسام صايفي

المصدر